بينما ينشغل العرب في متاهاتهم وينشغل الفلسطينيون في انقساماتهم وخلافاتهم ، وتنشغل السلطة في الركض وراء سراب عملية السلام والمفاوضات المفتوحة بلا نهاية، تواصل دولة الاحتلال حروبها الشاملة على الارض والانسان والتراث والرواية العربية لفلسطين، في مسعى مخطط مبرمج لاحكام التهويد الكامل للوطن من بحره الى نهره..!
استحضرت لنا المواجهات التي وقعت في المدينة المقدسة في الاسابيع الاخيرة مظاهر الانتفاضتين الاولى والثانية، من المظاهرات والمسيرات والاطارات ورشق الحجارة والاعتقالات والاصابات من شهداء وجرحى، الى الجيش والشرطة وحرس الحدود واطلاق النار والقنابل، و"وحدات المستعربين" منها على نحو خاص...!

وتتميز تلك الوحدات بما يمكن ان نسميه حروبها الخاصة، فهي"عربية الملامح، والملابس، والعادات والتقاليد، وحتى لغتهم ، وافرادها يندسون بين الفلسطينيين ربما لدقائق أو ساعات أو أيام قد تمتد لشهور.. وما إن تحين الفرصة على فريستهم ينقضون.. والنهاية في معظم الأحوال: جمع معلومات، أو اعتقال شخصيات، أو تصفية مقاومين، أو تفريق متظاهرين، إنهم"المستعرفيم".. وهي كلمة عبرية تعني "المستعربون"، وهم إسرائيليون يعملون في وحدات أمنية إسرائيلية تسمى "وحدات المستعربين"، ولعل أحدثها ما كشفت عنها صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية الثلاثاء 13-10-2009.
فقد "أطلقت شرطة الاحتلال مؤخرا وفقا للصحيفة"وحدة مستعربين سرية جديدة" بين العرب الداخل/ 1948، بغية بناء بنية تحتية استخباراتية تمكن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من التعامل مع العرب داخل الخط الأخضر.

ونسبت الصحيفة إلى المفتش العام للشرطة الجنرال دودي كوهين قوله: إننا نعاني من نقص في المعلومات، لذا تواجهنا صعوبات جمة في العمل داخل المناطق ذات الأغلبية العربية، مثل مدينة أم الفحم، أو حي الجواريش في الرملة، مضيفا أن الوحدة الجديدة آخذة في التوسع للتغلب على نقص المعلومات.
وإضافة إلى هذه الوحدة، ثمة وحدة أخرى تابعة للشرطة تعمل منذ عدة سنوات في مدينة القدس الشرقية المحتلة والقرى المحيطة بها، بدعوى محاولة إحباط أي أنشطة إرهابية بين عرب 48، وقد تم لاحقا توسيع رقعة أنشطة هذه الوحدة إلى مناطق ذات أغلبية عربية أخرى/ هنا اقتباس عن تقرير عن موقع اسلام اون لاين".

ولوحدات المستعربين تاريخ طويل وسجل اسود مثله في اقتراف جرائم الحرب، فمنذ البدايات الأولى للانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى 1987 – 1993 ، أعلنت حكومة الثنائي شامير – رابين الحرب الشاملة على الشعب الفلسطيني المنتفض، بغية الإجهاز على الانتفاضة، وفي هذا إلاطار عمل رابين وزير قمع الانتفاضة، على إنشاء القوات الخاصة التي عرفت باسم " المستعربون " باللغة العبرية ، وتشمل أربع وحدات خاصة هي : "1- دوبدوبان وتعمل في الضفة الغربية ، 2- " شمشون " وتعمل في قطاع غزة ، والثالثة " الجدعوينم " تابعة لحرس الحدود ، وتعمل بالأساس على نطاق واسع في الضفة الغربية ، والرابعة تابعة للشرطة الإسرائيلية ، وتعمل في منطقة القدس ".

من أهم ما يميز هذه الوحدات الخاصة وأبرزها وأخطرها وحدة " دوبدوبان " ، " أنها تتمتع بتدريبات خاصة عسكرية ونفسية تحول أفرادها إلى قتلة محترفون ، وتجعل من عملية القتل عملية روتينية سهلة لديهم ".

ويعمل أفراد هذه الوحدات متنكرين باللباس العربي، و " يعيشون حياة مزدوجة ، الحياة الإسرائيلية اليهودية الطبيعية لهم، وحياتهم الأخرى كمستعربين ، ويتوجب عليهم ارتداء اللباس العربي والتدرب على اللغة واللهجات والشعارات والأناشيد والعادات والتقاليد العربية ، كي يتسنى لهم الانخراط في أوساط المواطنين العرب ، دون أن يتمكن هؤلاء المواطنون من تشخيصهم وإحباط مهماتهم ".

وفق التقارير الإسرائيلية المختلفة ، واستناداً إلى المشاهدات والقرائن على الأرض الفلسطينية ، فإن أهم مهمات وأهداف الوحدات الخاصة تتكثف بـ" العمل في قلب التجمعات العربية الفلسطينية ولأغراض لا تتوفر في العادة للوحدات النظامية العادية، وتتركز أهدافها على تشخيص واعتقال المطلوبين من قيادات وكوادر الانتفاضة-المقاومة أو تصفيتهم، وكذلك جمع المعلومات تحت غطاء من السرية المطلقة ، وإثارة الفتنة والبلبلة والتشكيك ".

وكما جاء في المصادر العسكرية الإسرائيلية، فقد أقيمت " الوحدات الخاصة المستعربة " " دوبدوبان "
و" شمشون " بعد اندلاع الانتفاضة الأولى بشهور قليلة " عندما تبين للجيش الإسرائيلي أن الوحدات العسكرية النظامية عاجزة عن مواجهة نشاطات اللجان الشعبية ومجموعات المطاردين ".

وفي أعقاب تصاعد فعاليات الانتفاضة الفلسطينية ، وخاصة العمليات المسلحة ، قررت الحكومة الإسرائيلية آنذاك " زيادة عدد أفراد الوحدات الخاصة ، وتوسيع نطاق انتشارها .. وقد تعزز هذا التوجه بشكل خاص في عهد أهود باراك كرئيس للاركان، الذي عمل على دمج وجمع وحدات الاستخبارات ووحدات الكوماندوز الميدانية في الوحدات الخاصة .. ".

وقد شكلت هذه الوحدات حسب الاعترافات الإسرائيلية " رأس حربة الجيش الإسرائيلي في مواجهة الانتفاضة الساخنة ".
ولذلك عمد الجيش الإسرائيلي على مدى سنوات الانتفاضة الأولى إلى " إقامة المزيد والمزيد من الوحدات الخاصة في المناطق الفلسطينية "، وأخذ " يعمل باستمرار على توسيعها وتعزيزها بصورة كبيرة "، وأخذ " ينشر المزيد والمزيد من الوحدات المتنكرة بهدف إطلاق النار على راشقي الحجارة وتصفية كوادر الانتفاضة ".

وتقوم الوحدات الخاصة المستعربة بتنفيذ الإعدامات الميدانية ضد الفلسطينيين بدلاً من اعتقالهم "، والسجل الدامي لعمليات الاغتيالات والتصفيات الميدانية التي نفذتها الوحدات الخاصة المستعربة – فرق الموت والإعدام الميداني كما عرفت بهذا الاسم لاحقاً ، طافح بآلاف الممارسات والمقارفات الإجرامية وعمليات الاغتيالات والتصفية الدموية الميدانية بدم بارد ، وان كانت المصادر الفلسطينية وغيرها قد رصدت ووثقت مئات عمليات الاغتيال ضد نشطاء الانتفاضة ، فإنها لم تغط بالتأكيد كافة جرائم تلك الوحدات .
لقد تواصلت حروب الوحدات المستعربة، إلى أن جاءت اتفاقية أوسلو التي فرضت هدنة قسرية بين الجانبين ، بدأت منذ عام 1993 واستمرت على مدى مرحلة المفاوضات السياسية ، إلا أنها لم تنه ً وجود وعمل الوحدات والفرق الخاصة المستعربة ، التي التزمت الصمت وكمنت ولبدت لفترة معينة ، إلا أنها سرعان ما ظهرت بقوة خلال الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الثانية /2000 ، وبشكل خاص على صعيد سياسة الاغتيالات / التصفيات الإعدامية الميدانية ضد نشطاء الانتفاضة كما سنتابع في الجزء التالي .

وهاهي تظهر مرة ثالثة في المشهد المقدسي الاخير..!.

انها –اي تلك الوحدات- لاتنام ولا تستكين، فهي تخوض حروبها الخاصة على عناصر وكوادر وقيادات وناشطي الانتفاضة والصمود في القدس والضفة وفلسطيني/48..!
تحتاج فلسطين بكل فصائلها وقواها الحية اللى يقظة جديدة والى دماء جديدة في مواجهة حروب الاحتلال التي لا تبقي ولا تذر...!


nawafzaru@yahoo.com