صرح الشاباك قبل أربع سنوات أنه سيحارب كل نضال أو حتى نشاط يهدد "يهودية الدولة وديمقراطيتها" حتى لو كان النشاط ديمقراطيا. والحقيقة، أنه ليس الشاباك وحده في إسرائيل، من يشعر بهذا الدور، بل إن الدولة بمؤسساتها وشخوصها جاهزة لهذا الدور وتمارسه، كل من موقعه، وضمن صلاحياته. والحقيقة أيضا، هو أن الشاباك ليس مؤسسة فقط، بل هو نفسية وذهنية وثقافة تحضر في الإسرائيلي في كل لقاء مع عربي.

بالتالي ليس الشاباك وحده من يغير صلاحياته من محاربة التهديد الأمني، إلى محاربة التهديد الديمقراطي لـ"يهودية الدولة وديمقراطيتها"، بل كل فرد في إسرائيل حاضر للتخلي عن مهنته والتحول لشاباكي صغير عند لقائه مع العربي.

كان هذا ما حصل في برنامج "عيريف حاداش"، الذي جمع ما بين رئيس الكتلة البرلمانية للتجمع جمال زحالقة، وما بين مقدم البرنامج دان مارجليت يوم الخميس الفائت، في أعقاب المظاهرة التي أعلنت عنها لجنة المتابعة في ذكرى مرور سنة على الحرب على غزة.

تخلى مرجليت عن مهنته الصحفية، وحضر الشاباك، أو حضرت الدولة "اليهودية الديمقراطية"، بكامل أدلة أنها "تستطيع" أن تكون ديمقراطية، فالصحفي اليهودي يقمع بعنف النائب العربي في الكنيست. لا يستطيع مجابهة الاتهام بأن وزير أمنه مجرم حرب وقاتل أطفال، فيتحول الحوار الصحفي إلى نقيضه التام: إلى عملية إسكات عنيفة، تماما كما الديمقراطية في إسرائيل تتحول في يد المشروع الصهيوني إلى نقيضها التام: إلى عملية قمع للسكان الأصليين.

ولا وصف أكثر دقة من وصف نفسية مارجليت عندما اتهم زحالقة بـ"الوقاحة"، من الوصف الذي أعطاه يهودا شنهاف، إذ كما يقول "تعبر كلمة "أنت وقح" عن علاقات قوة، عن شعور السيد تجاه من ينطوي تحت إمرته، وفي تاريخ الكولونيالية، تعامل الموظف المستعمر مع صاحب الأرض كتلميذ، وفي إسرائيل تتعامل النخبة اليهودية مع العربي بنفسية السيد".

مارجليت لا يستطيع أن يرسم حدودا واضحة بين وزير الأمن الذي يمثل ممارسة الدولة للقوة، وبينه كصحفي يمثل الرقيب على ممارسة الدولة للقوة. دان مارجليت ليس صحفيا يراقب سوء استخدام الدولة للقوة، كما يتعلم كل طالب صحافة في السنة الأولى لدراسته، بل هو المجند الدائم لهذه القوة، كما يجند كل مشروع شمولي وبصورة لا تتوقف، طاقات الدولة البشرية والمادية لصالحه.

أكثر من ذلك، غضب مارجليت من الاتهام الذي وجهه زحالقة لوزير الأمن باراك، ينبع من أنه لا يستطيع أن يميز بين الدولة وبين وزير "أمن" الدولة، أي بين الدولة وبين القوة التي تمارسها الدولة. مارجليت غضب ليس فقط لأن زحالقة اتهم وزير الأمن باراك، بل لأنه شعر أن اتهام زحالقة، هو اتهام لحالة من القوة، لحالة من استبداد وغطرسة القوة لا تستطيع إسرائيل، برأي مارجليت، أن تتواجد بمعزل عنها.

لقد كان مارجليت هو من كتب خلال الحرب على لبنان، قبل 3 سنوات ونصف: "علينا أن نوظف قوتنا لكي لا يبقى في لبنان لا أزقة ولا بيوت... هذا ليس وقت قلة الحيلة. السكان الذي تم تحذيرهم مسؤولون عن حياتهم.. علينا العمل بكامل الحزم وبكامل قوة السلاح... لن نأخذ بعين الاعتبار أنه فوق الصواريخ تعيش عائلات لبنانية بسعادة... الويل لنا إذا تعاملنا بنسبية (ببروبورتسيوت)... لا نريد أن نظهر كوحشيين أكثر من اللازم، لكن لا نريد أيضا أن نكون قليلي الحيلة أكثر من اللازم... علينا الاستمرار حتى الانتصار، بحزم أكبر وبحساسية أقل".

مارجليت، لم يكن يدافع عن باراك فقط، مارجليت كان يدافع عن نفسه أيضا. مارجليت يدافع عن مشروع قوة، لا يرى سياسة خارجها، ولا يرى صحافة بمعزل عنها.