في الوقت الذي تستمر إسرائيل في عدوانها الوحشي ضد الشعب اللبناني، تكثف قوات الاحتلال الإسرائيلي عمليات القتل والتدمير في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، وهي بذلك تعلن وتشن الحرب عل كل الجبهات مستغلة ما تسميه «الفرصة التاريخية»، الممنوحة لها عالمياً وعربياً ومحلياً، والتي تعبر عن نفسها بمزيج من دعم وصمت ورجاء خجول، تعطي لإسرائيل حبلاً طويلاً في ممارسة عدوانها وحتى اقتراف جرائم الحرب وفق هواها.

تكاد الحرب على الشعب الفلسطيني تكون حرباً من طرف واحد، إذا أخذنا بعين الاعتبار موازين القوى وقدرات ومدى تنظيم الطرف الفلسطيني. الأمر مختلف في لبنان، فهناك طرف ثان منظم ومحصن وله تجربة وقدرات، يمنع إسرائيل من تحقيق الأهداف المعلنة لحربها، مما يدفعها، في نهاية المطاف والحرب، إلى الاستعانة بإطراف خارجية لاستكمال ما تريده وما لا تستطيع نيله بآلتها العسكرية.

ترتكز أهداف الإسرائيلية للحرب على لبنان على ما يسمى «تطبيق قرار 1559»، أو ما تبقى منه بعد الانسحاب السوري من لبنان، وخصوصاً نزع سلاح المقاومة ونشر الجيش اللبناني في الجنوب. من سخريات القدر أن تكون إسرائيل الطرف الذي يصر على قرار للأمم المتحدة. بعد أن رمت بعرض الحائط كل القرارات الدولية، وداست عليها بدباباتها ومجنزراتها.
وإذ تتبجح إسرائيل بقرار الأمم المتحدة، فهي تقوم في نفس الوقت بارتكاب جرائم حرب وتخرق بالجملة كل المواثيق والأعراف الدولية باستهدافها المدنيين والبنى التحتية المدنية في لبنان.

لقد أدت الغارات الوحشية على لبنان حتى يومها السابع إلى سقوط 325 شهيداً منهم 295 مدنياً ومعظم الباقين من الجيش اللبناني، الذي لا يشارك في الحرب. كما وأدى العدوان الإسرائيلي إلى جرح الآلاف وإلى تهجير أكثر من نصف مليون إنسان من قراهم وضواحيهم، هذا إضافة إلى تدمير الجسور والمباني ومحطات الكهرباء وغيرها. لم يعد العنف وسيلة في هذه الحرب، بل هو الهدف، العنف لأجل العنف والقتل لأجل القتل والدمار لأجل الدمار. هكذا يجري ترميم ما يسمى بقوة الردع، وهكذا يجري إرهاب الشعب اللبناني والانتقام منه، حتى يصبح، كما قال أولمرط «صديقا لإسرائيل».

لم تنشب الحرب بسبب قضية أسر الجنديين الإسرائيليين، فهذه مسألة لا تحل بالحرب. منذ سنوات طويلة وإسرائيل تعد لهذا العدوان، وتنتظر الفرصة المواتية للقيام به. والفرصة ليست اشتباكاً على الحدود، بل اختمار ظروف دولية وعربية داعمة ومؤازرة للعدوان. وجاءت الفرصة بمعطيات لم تحلم بها اسرائيل من قبل، مظلة امريكية وتشجيع اوروبي وتواطؤ عربي وانقسام لبناني. ولكن كل هذا لن يمكن اسرائيل من نيل مرادها لأن صمود حزب الله، وما يبنى عليه من التفاف الشعب اللبناني والغضب العارم الذي يجتاح لبنان على وحشية العدوان الإسرائيلي، تضع الحرب الإسرائيلية في ورطة جدية يكون الخروج منها صعباً, صعباً جداً.

إسرائيل، في كل الأحوال، تراهن على المظلة الأمريكية، التي تمنحها الحماية والدعم، وتراهن أنها قادرة على اخراجها من الورطة إذا تورطت. ولكن مظلة الحرب الامريكية مخرومة، وهي غير قادرة على إخراج الجيش الأمريكي نفسه من تورطه في العراق. صحيح ان إسرائيل ليست قادرة على شن الحرب بدون الدعم الأمريكي، لكن حتى هذا الدعم لن يمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها.