في السنوات القليلة الماضية طغت مفردة الإرهاب على القاموس الدولي أكثر من أي وقت مضى. وازداد هذا الطغيان بعد أحداث 11 سبتمبر وفشلت كل المحاولات من جانب الشعوب المتضررة من إرهاب الدولة في التفريق بين المقاومة والإرهاب. فالقويّ المتجبّر هو الذي يصوغ الرواية ويفرض المفردات ويقلب الحقائق.

وأصبح هذا الطغيان لمفردة الإرهاب، غير المعرفة يشكل عبئاً ثقيلاً على الشعوب الساعية للإنعتاق من الإستعمار، كما هو الحال مع الشعب الفلسطيني والشعب العراقي. وتتحول معركة عسكرية صرفة بين مجموعة مقاتلين فلسطينيين والمحتلين الإسرائيليين الى عملية إرهابية، و يصبح أسر أحد جنود الإحتلال عملية خطف. في حين يتحول خطف عشرات من ممثلي الشعب الذين أفرزتهم انتخابات ديمقراطية أشرف عليها العالم، الى عملية اعتقال وليس خطفاً وانتهاكاً حقيقياً للقانون الدولي. كما تتحول عمليات القصف والتدمير والقتل التي تقوم بها قوات الإحتلال الأمريكية في العراق الى عملية ملاحقة الإرهابيين وإشاعة الديمقراطية.

بطبيعة الحال أن أكثر من يرفض الإرهاب ويمقته هي الشعوب الواقعة تحت الإحتلال والإستعمار. فالإرهاب الحقيقي هو أن تعتدي دولة على دولة أخرى أو وطن على شعب آخر لأهداف اقتصادية واستراتيجية، تحت ذرائع أخلاقية أصبحت ضرورية منذ زمن لإسباغ الشرعية على عملية السطو وانتهاك سيادة وحرية الشعوب الأخرى. وكان دائماً نهج حركات التحرر بصورة عامة، نهج مقاومة عسكرية أو سياسية أو اقتصادية، وليس قتل المدنيين. أحياناً دفع الإستعماريون حركات المقاومة الى تنفيذ عمليات ضد المدنيين كمحاولة ردع أو محاولة لخلق توازن رعب. ولكن كما هو معروف فإن المصدر الأساسي لشرعية أية حركة تحرر وطني هو عدالة قضيتها ورفضها للإرهاب والمسّ بالمدنيين. والمفارقة أنه حين تخطئ حركات مقاومة في قرارها و تصيب المدنيين تقوم الدنيا ولا تقعد ولا تبقى مفردة إدانة إلا وتستعمل مثل الإرهاب والإجرام، والتعطش للدماء، في حين يرتكب المحتل مجازر ويذهب ضحيتها أطفال ونساء ومدنيون، يقوم بالإعتذار وكأنه خطأ غير مقصود ولا نسمع مما يُسمى بالمجتمع الدولي إدانة أو مطالبة بالتحقيق. وحين تلجا إسرائيل الى أعمال إرهاب صارخة، مثل التغلغل في القرى والمدن الفلسطينية وتقوم بـ"اصطياد" المقاتلين الفلسطينيين وإعدامهم في بيوتهم دون محاكمة، فإن ذلك يُبرر باعتباره دفاعاً عن أمن دولة الإحتلال وأمن مواطنيه. أنظروا الآن كيف يصمت المجتمع الدولي ضد العدوان الإسرائيلي على المنشآت الأساسية لمليون ونصف مليون فلسطيني في مساحة تقل عن 400 كم مربع وحصارهم بطريقة وحشية. وبتناقض سافر مع القانون الدولي.

إن الكثيرين من أصحاب الرأي الحر في العالم، يشهدون كيف أن أكثر الدول إدعاء للديمقراطية والتبجح باهتمامها بحقوق الإنسان هي الأكثر نزوعاً نحو اعتماد الإرهاب السافر والمفضوح. ويمثل النظام السياسي الأمريكي واسرائيل منذ عشرات السنين النموذج الحقيقي لإرهاب الدول. ووقف على هذه الحقائق بالتفاصيل والأمثلة والسرد المتسلسل كتاب ومفكرون وسياسيون من داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ومسؤولون سابقون من وكالة المخابرات المركزية (السي. آي. إيه)، بعد أن عاد اليهم ضميرهم.

والقصد من هذا كله، أنه في ضوء هذا الصراع المستمر، وإزاء هذا العدوان الأمريكي الصهيوني على شعبي العراق وفلسطين، ونظراً للتواطؤ من جانب دول غربية عديدة مع هذا التحالف، وتواطؤ دولة عربية ايضاً يُسأل السؤال:
لماذا لا تقوم الهيئات السياسية والإعلامية المختصة لدى شعبي هذين البلدين وكل من يدعم نضالهما في العالم في اعتماد مفردات ثابتة تصف العدو المحتل بالإرهابي، ووصف كل مسؤول مباشر عن العدوان بهذه الصفة في جميع وسائل الإعلام الفلسطينية و العربية المقروءة والمسموعة والمرئية؟

لماذا لا يقال بمثابرة مثلاً عن المسؤولين الإسرائيليين، من رئيس الحكومة الى وزير الأمن الى رئيس الأركان في وسائل الإعلام الأجنبية، بأنهم إرهابيون ومجرمو حرب حتى يرسخ في أذهان العالم أنهم كذلك؟ في حين يوصف الطرف الفلسطيني بالإرهابي في وسائل الإعلام الإسرائيلية. بل حتى حين يتحدث الناطقون باسم الحكومة الإسرائيلية، أو وزارة الأمن ينعتون المقاتلين الفلسطينيين بالإرهابيين والحكومة الفلسطينية وحركات المقاومة الأخرى بالإرهابية.

ويذكر أن عرفات ايضاً كان يُنعت كذلك.. وهو الذي قضى بسبب الإرهاب الإسرائيلي.

لن تغيّر المفردات المقترحة حقائق على الأرض لأن النضال الميداني والسياسي والدبلوماسي المدروس هو الذي يُغير. ولكن الجبهة الإعلامية ونوعية المفردات لها أثر في تشكيل الصورة عن العدو.

ولا شك أن جعل العدو يظهر كمعتد، كإرهابي وعديم الإنسانية يساهم في تبديد صورته الأخلاقية لدى من لا يزال يعتقد أن كل ما يفعله من جرائم هو للدفاع عن أمنه. في حين أن الحقيقة هو يدافع عن مشروع توسعي ظالم.

هذا الأمر يساعد على فرض التراجع ولو بالتدريج عن نعت الشعب الفلسطيني وحركات المقاومة بالإرهاب وبجعل المعتدين في حالة دفاع عن أنفسهم باستمرار. إن معركة الشعب الفلسطيني والشعب العراقي والشعوب العربية مع المشروع الأمريكي - الصهيوني في المنطقة طويلة ومعقدة. والجبهة الإعلامية ومواجهة رواية المعتدي جزء هام من المعركة، خاصة إذا حافظت حركات المقاومة على المكانة الأخلاقية لقضيتها. وإبتعدت عن ممارسات تمس في قضيتها العادلة.