الوثائق الصهيونية التي يكشف النقاب عنها بين آونة وأخرى تنطوي على أهمية إستراتيجية دائما، إذ تكشف النقاب عن أسرار ومعلومات أو قرارات أو أفكار أو مشاريع تتعلق بالصراع ومخططات الاحتلال تجاه القضية والضفة والقدس. وقبل أيام استحضر الكاتب الإسرائيلي روبيك روزنتا في معاريف- 25/6/2012 جانبا من بروتوكولات مداولات الحكومة الإسرائيلية بعد حرب حزيران/67 إزاء مستقبل ما احتل من الأراضي العربية.

يقول الكاتب: "يجدر بالذكر أن الحديث لا يدور عن حكومة يمينية بمقاييس اليوم، فكل الأعضاء فيها، باستثناء مناحيم بيغن، هم ممن يسمون اليوم "يساريين"، ولكن روح النقاش كان يقودها اثنان، لم يكونا منسجمين على نحو ظاهر، يغئال ألون وموشيه ديان، أميري البلماخ، وكانت الروح واحدة: كل ما احتل في الحرب هو من الآن فصاعدا لنا، سواء لأغراض الاستيطان أم لأغراض الأمن، صحراء سيناء، أو على الأقل القسم الأكبر منها هي ذخر إستراتيجي لا ينبغي التفكير بإعادته، قطاع غزة سيكون جزءا لا يتجزأ من دولة إسرائيل. وحسب ليفي أشكول فإنه "لنا منذ عهد شمشون الجبار"، صحيح أننا لا نزال لا نستوطنه، ولكن حسب ألون يمكن البدء بجيوب الاستيطان في الخليل وفي غوش عصيون".

أما مناحيم بيغن فقد عبر عن مواقف حركة "حيروت" التقليدية بشكل قاطع وواضح، ولكن لا يبدو أن أحدا ما تجرأ على الجدال معه علنا. أعضاء الحكومة شعروا بعدم ارتياح من الأثر الدولي لروح المداولات، ولهذا فقد انشغلوا أيضا بصياغة القرارات التي تتلاءم مع مؤسسات الأمم المتحدة، والتي تتحدث عن انسحاب وحدود متفق عليها وآمنة للطرفين، وحسب البروتوكولات، كانت هذه قرارات لأغراض التسويق والدبلوماسية.

وما بين هذه البروتوكولات الموثقة منذ الاحتلال عام 67، واليوم، بعد نحو خمسة وأربعين عاما منها، كيف كانت وكيف أصبحت خريطة الأراضي المحتلة؟! وكيف كانت وكيف أصبحت الخريطة السياسية الإسرائيلية ؟!

في الجوهر، الواضح أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، اعتمدت ونفذت "كل ما احتل في الحرب هو من الآن فصاعدا لنا، سواء لأغراض الاستيطان أم لأغراض الأمن"، فالذي يجري في كل انحاء الضفة الغربية والجولان إنما هو تكريس لهذ ه المقولة، بل وذهبت الأمور أبعد من ذلك في القدس والضفة، فهم يجمعون اليوم على "أن القدس مدينة الآباء والأجداد"، وعلى أن "الضفة جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل"، وبالنسبة لغزة، فهي عمليا ما تزال تحت وطأة الاحتلال، الذي حولها إلى أكبر معسكر اعتقال جماعي على وجه الكرة الأرضية، أما سيناء التي انسحبت منها "إسرائيل" بعد معاهدة كامب ديفيد، فقد طوقت بسلسلة من القيود التي تعني في الجوهر أن سيناء ما تزال محتلة، وإذ ليس هناك فيها سيادة مصرية على الإطلاق!

وما بين بروتوكولات 67 واليوم، تبلور الوعي السياسي الإسرائيلي على"أن هناك إجماعا في إسرائيل على تخليد الاحتلال للضفة"، كما أكد الكاتب والمحلل الإسرائيلي ألوف بن في صحيفة "هآرتس" (28/06/2007)، مضيفا "قد أخذ يتبلور في إسرائيل إجماع على أن الانسحاب من الضفة الغربية لم يعد ممكنا، وقد يمكن إبعاد الفلسطينيين عن الأعين بجدار الفصل، لكن لا يمكن التحرر من السيطرة عليهم، وأن الجميع يشتركون في هذا الاستنتاج، في جميع المعسكرات وفي جميع الأطراف السياسية، وأن المشترك لهذه المواقف من اليسار واليمين هو أنها تُخلد الوضع القائم، مع عشرات المستوطنات، ومئات الحواجز وآلاف الجنود وراء الجدار".

وليس ذلك فحسب، فقد كان نتنياهو أعلن: "أريد أن أقول من هنا من على منصة الكنيست لكل شعب إسرائيل أن الليكود يسعي لتحقيق السلام، ولكن التاريخ أثبت أن السلام يتحقق انطلاقا من القوة، وليس من الضعف، ووفقا لقراءة صحيحيه للواقع"، ويذهب تنياهو أوضح من ذلك ليؤكد "أن لا بديل عن استمرار السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية".

بل وتحدى نتنياهو العالم العربي، قائلاً: "لن تستطيعوا هزيمتنا طالما بقينا فوق جبال الضفة الغربية، ونحن لا يجب علينا أن ننسحب من هضبة الجولان بل علينا البقاء فيها". وتحدث نتنياهو عن قرار مجلس الأمن الداعي لانسحاب إسرائيل حتى حدود العام 1967، واصفا إياه بالخطير، وقال في تصريحات نقلها عنه موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت/ 04/06/2007" على الانترنت: "إن القرار الداعي لانسحاب إسرائيل لحدود 1967 يعتبر مطلباً ظالماً وغير عادل، كما أنه يشكل خطراً على دولة إسرائيل، لذا علينا رسم حدود مع الضفة الغربية قابلة للدفاع".

فهل هناك يا ترى على امتداد الخريطة السياسية الحزبية وعلى امتداد المؤسسة الأمنية السياسية الإسرائيلية من يرى أو يعتقد غير ذلك؟!

فليقرأ المعنيون من الفلسطينيين والعرب إذن هذه البروتوكولات الإجماعية الصهيونية، وليتابعوا إستراتيجية كسب الوقت وبناء المزيد والمزيد من حقائق الأمر الواقع على أرض القدس والضفة؟!