ذاكرة للنسيان، نص نثري أبدعه شاعر فلسطين الراحل محمود درويش عن يوم عاشه مع رفاقه المقاتلين والكتاب تحت القصف الإسرائيلي، وكان ذلك إبداعا يضاف إلى إبداعات المدنيين والمقاتلين الذين صمدوا رغم التدمير الإسرائيلي المقصود للمدينة وللوجود الفلسطيني الوطني في لبنان. وقبل أيام رفع الممثل عماد جبارين صيحة الذكرى متمثلا نص درويش وموقفه من على مسرح كفرقرع البلدي إحياء للذكرى السنوية الخامسة والستين للنكبة. ووصل صدى الصوت وأثره إلى الآلاف من إخوتنا وأخواتنا الذين نظموا وشاركوا في مسيرة العودة الرمزية إلى قرية خبيرة المنكوبة منذ 1948.

محمود درويش، ابن قرية البروة المنكوبة سنة 1948 ومع مئات اآالاف من لاجئي النكبة ومع الشعب اللبناني عاشوا أهوال حرب تدميرية فتاكة التأثير السياسي. وليس من حرب إسرائيلية أقرب بدمارها إلى دمار النكبة مثل حرب لبنان 1982، فقد قتلت القوات الإسرائيلية آلاف الفلسطينيين ودمرت نسيجهم الاجتماعي ومراكز أبحاثهم ومؤسساتهم المدنية والعسكرية والمعيشية خلال حرب استمرت عشر أسابيع، وتحت مسؤوليتها القيادة الإسرائيلية متمثلة بالوزير شارون تمت مجازر في مخيمات صبرا وشاتيلا قتل فيها الآلاف في يوم واحد وبضع ساعات.

لكن بنات شعبنا وأبنائه يبثون الأمل ويغرسون أشجار الذكرى في ممارستهم العمل اليومي والثقافي والنضالي، مثل مسرحية ذاكرة للنسيان ومسيرة العودة إلى خبيزة. ومع عميق الاعتزاز بكل المشاركين والمشاركات إلا أن للحزن مكانا هنا. والحزن اليوم ليس فقط لما تذكيه ذكرى النكبة وذكرى حرب لبنان من ألم. بل الحزن اليوم فوق الحزن وذلك لأن مؤسسة فحماوية الاسم تخلت عن ذكرى النكبة وعن ذكرى حرب لبنان، تخلت عن ذكر الضحايا الفلسطينيين. ففي هذه الأيام التي يعيش فيهاالفلسطينيون ذكرى وذاكرة نكبتهم نكتشف أن صالة العرض ومديرها الأوحد يحتفلون يكرمون ذكرى الجنود الإسرائيليين الأحياء والأموات الذين شاركوا في حرب تدمير لبنان 1982، حرب مجازر صبرا وشاتيلا.

ما فعلته صالة العرض أم الفحم بتدبير مديرها سعيد أبو شقرة هو سقوط في حضيض نسيان الهوية ونسيان الحقوق، حقوق الأموات والشهداء والضحايا وحقوق الأحياء وحقوق البلد التي يستظل بتاريخها المجيد كل من الصالة ومديرها الأوحد. ليس ما فعلته الصالة ومديرها عهد أم الفحم ولا تاريخها. أم الفحم مثل شقيقاتها، وفي عز أيام الحرب ومجازر صبرا وشاتيلا، خرجت بكل أبنائها وبناتها في مظاهرات صاخبة متحدية واشتبكت مع قوات القمع وسقط جرحى وأسرى وأسيرات دفعوا باهض الغرامات وقضوا سنوات في السجن الإسرائيلي دفاعا عن الحق في الحياة الكريمة لكل فلسطيني وإصرارا على رفض الحرب واختيار السلم الحقيقي الذي يحفظ الحقوق والمصالح والكرامة الوطنية والفردية لكل إنسان.

وعن عشق البعض للجنود الإسرائيليين كتب محمود درويش في ذاكرة للنسيان: "ما اسمك يا حبيبي لأناديك باسمك يا حبيبي، شلومو ..أدخل، يا شلومو، أدخل رويدا رويدا أو دفعة واحدة إلى بيتي لأحس فيك القوة، كم أحب القوة يا حبيبي. واقصفوهم يا حبيبي، واذبحوهم، واقتلوهم".

الضابط الإسرائيلي الذي احتفلت به صالة العرض ومديرها الأوحد اسمه لم يكن شلومو.. بل يوجين ليماي، وهو متصهين ومتهود ومتأسرل أصله من جهة الأم لبناني عربي. مولود في أمريكا لأب كندي مسيحي متدين أصبح صهيونيا بعد انتصارات إسرائيل في حرب 1967 وبعدها جاء مع العائلة متصهينا وتهود ودخل الأبناء الجيش. يوجين ليماي أصبح سيد البلاد ويفتخر بتاريخه الحربي ويدافع عن حرب لبنان، الحرب التي أدانتها أغلبية الشعب في إسرائيل والتي خرجت منها حركات تمرد الجنود الإسرائيليين ضد وزير الدفاع أريئيل شارون وضد رئيس الحكومة بيغن. يوجين ليماي جاء إلى الصالة والى صديقه العزيز مدير الصالة الأوحد لكي يخلد ذكرى أصدقائه الجنود الإسرائيليين الذي سقطوا وهم يدمرون الوجود الفلسطيني والأرض اللبنانية!

أخفى سعيد أبو شقرة مدير الصالة الأوحد المعلومات عن رواد الصالة وعن الجمهور، وربما عن شركائه في إدارة الصالة. أخفى سعيد المعلومات وهو يعرفها جيدا فالخدمة الأمنية الإسرائيلية صفة مشتركة بين الضابط العسكري السابق يوجين ليماي وضابط الشرطة الإسرائيلية الكبير المتقاعد سعيد أبو شقرة، وذلك ينشره يوجين على موقعه وكما يفتخر به الصهيونيون أصدقاء السيد سعيد.

يوجين ليماي، كما  جاء في مقابلته مع التلفزيون الإسرائيلي احتل بلدة جده اللبناني في الحرب سنة 1982 وهي بلدة تبنين. وأوضح يوجين أنه لم تخالجه أية مشاعر حزن أو أسى أو تضامن مع جده وبلده، وقال إن المشاعر كلها لإسرائيل، وإن ما فعله واجب كل يهودي وإسرائيلي وجندي في الجيش الإسرائيلي. عندما يتعلق الأمر بالضحية التي هي بلد والد أمه فإننا نجد السيد يوجين بدون مشاعر التضامن والأسى وبدون انتقاد للقيادة الإسرائيلية التي تمرد عليها الشعب والجنود في هذه الحرب المدمرة.

ألحّ المذيع الإسرائيلي وسأل يوجين ليماي إذا كان عرض بعض أعماله في أم الفحم ودعمه مشاريع الصالة هو مؤشر على بقاء بعض جذوره العربية أو تضامنه مع العرب، فأجاب بالنفي التام. وقال بعدها إنه لو كان هؤلاء صينيين ويشكلون نفس النسبة من سكان إسرائيل لكنت معهم في أن يكون لهم تمثيل في المجال الفني يتناسب مع حصتهم. لم يذكر السيد يوجين أن عرض اللوحات وعمله "العرب الإسرائيليين" اي مع الصالة يأتي أيضا في سياق مشاريعه الماليه وتجارته في المعروضات الفنية في نيويورك وأبو ظبي وتل أبيب وغيرها.

سعيد أبو شقرة مدير صالة العرض الأوحد وباسم الصالة وباسمه كتب تقريرا واستعمل نفوذه ونشره في الصحافة. جاء في التقرير أن يوجين ليماي أمريكي، وانه لشدة دعمه لأم الفحم حضر معه عشرون شخصا من أمريكا خصيصا لمرافقة حبيبهم يوجين في معرضه وتكريمه من قبل الصالة. المدير سعيد، أخفى كون يوجين ليماي إسرائيليا، واخفى كونه شارك في احتلال تبنين، وشارك في احتلال قلعة الشقيف أيضا، كما ذكرت بطاقته في صالة زيماك. وأخفى أيضا أن"رسائل" عمل يوجين الذي يعرض في الصالة هو في أصله وفصله استخدام فني لرسائل كتبها يوجين ليماي نفسه إلى أهالي زملائه الجنود الذين قتلوا في الحرب على الفلسطينيين في لبنان. أليس عارا على يوجين ليماي أن يطلب منا الاحتفال به وتكريمه وهو يخلد ذكرى من قتلوا الآلاف من إخوتنا وأخواتنا؟ ألا يعلم يوجين أننا نستطيع أن نفرق بين من يحترم آلامنا وآمالنا وبين من لا يحس بأي احترام لضحايانا ووجودنا؟ ألم يسمع يوجين ليمان عن الجنود والضباط الإسرائيليين الذين عارضوا الحرب؟ ألم يسمع عن الجنود والكتاب والصحفيين الإسرائيليين الذين يقفون ويعلنون معارضتهم للحرب وللخدمة العسكرية، مؤكدين تأييدهم الحقوق الفلسطينية؟ يبدو أن يوجين ليماي سيد استعماري إسرائيلي يريد تابعين خانعين أي "عرب إسرائيليين" يعرضهم على العالم كمثال حي يبين كرم إسرائيل.

هكذا تماما يعرّف سعيد أبو شقرة نفسه على مواقع يوجين الإلكترونية، وربما لذلك يجتهد سعيد أبو شقرة مع صديقه يوجين على استبعاد أي كلمة قد تشير إلى مسؤولية إسرائيل عن اضطهاد الفلسطيني: شهداء اكتوبر، ضحايا تل الزعتر، ضحايا دير ياسين، هدم اللجون وتشريدها، الحكم العسكري، جدار الفصل، جرائم الاستيطان المسلح ، المسيرة إلى خبيزة وقصائد محمود درويش هي ممنوعات ومحظورات في الاتفاق الجاري بين يوجين ليماي وسعيد أبو شقرة تحت شعارات من مزاعم القيم والمشاريع الفنيه العليا. ولعل المخفي أعظم!

فهل سيتحرك المواطن والحزبي والمسؤول البلدي وأصحاب القيم والمبادئ الفنية والإنسانية؟ هل سيتحرك المخدوعون. هل سيتم تشكيل إدارة شعبية لمقدرات صالة العرض؟ ألا يكفي سعيد أبو شقرة النياشين الدولية والدعاية الذاتية التي يمارسها منذ ستة عشر عاما! هل سيستقيل قبل أن نطالب بفتح كامل الملف!