بعد الأحاديث عن تسليم مفاتيح السلطة للاحتلال، ومفاجأة الرئيس، والقرار الصادم الذي لا يتوقعه أحد، تحدث الرئيس عن القنبلة التي سيتضمنها خطابه في الأمم المتحدة.

تساءل المواطنون والمراقبون والمحللون عن هذه القنبلة وماذا ستكون؛ هل ستكون الاستقالة، أم حل السلطة، أم إنهاء اتفاق أوسلو ووقف التنسيق الأمني وإعادة النظر في العلاقة مع الاحتلال؟

استبعد أحد مستشاري الرئيس تماما أن تكون القنبلة حل السلطة، بينما قلل نبيل شعث من التوقعات، مشيرا إلى أن الرئيس سيتحدث عن وقف تطبيق بعض بنود اتفاق أوسلو، بينما كشف مسؤول بارز عن محتوى الخطاب قائلا "إن القنبلة التي هدد الرئيس عباس بتفجيرها ستكون في النقطة الأخيرة من خطابه، بعد استعراض كافة الأوضاع التي تمر بها القضية والمشروع الوطني، وكذلك ممارسات الاحتلال القمعية بالضفة والقدس وغزة"، وهي تتضمن لجوء الرئيس إلى إعلان "فلسطين دولة تحت الاحتلال الاسرائيلي"، وسيكون الاحتلال بهذا الإعلان "المسؤول عن الدولة الفلسطينية أمام المجتمع الدولي، ويضع مسؤولية الحكم في الضفه الغربية كاملة بين أيدي اسرائيل كقوة محتلة".

اقرأ أيضًا | نحو مجلس وطني وحدوي‎/ هاني المصري

هذا المسؤول، الذي لم يعرف عن اسمه، كشف بهذ التصريحات، بإدراك منه أو بدونه، أن القنبلة التي يجري الحديث عنها "فشنك"، لأن الرئيس والناطقين باسمه وباسم المنظمة والسلطة يرددون منذ حصول الدولة الفلسطينية على العضوية المراقبة في الأمم المتحدة، أن هذه الدولة تحت الاحتلال، وهو الذي يتحمل المسؤولية عن احتلالها أمام المجتمع الدولي دون أن يعني هذا تغييرا على الأرض، أو يؤدي إلى أي شيء. 

مثل هذا الإعلان سيكون مؤثرا لو ترافق مع خطوات فعلية، حتى لو كانت تدريجية، من أجل إعاده الأراضي الفلسطينية إلى ما قبل اتفاق أوسلو، وتحميل الاحتلال مسؤولية إدارة الأراضي المحتلة وفق اتفاقيات جنيف الأربع، من حيث تقديم خدمات البلديات والصحة والتعليم وغيرها. لكن هذا الأمر غير وارد، لأن الرئيس - وفقا لما نقلته صحيفة "هآرتس" عن دبلوماسيين أوروبيين التقوا الرئيس - لا ينوي إلغاء اتفاق أوسلو خلال خطابه، وأنه طمأن هؤلاء الديبلوماسيين بأنه لن يتخذ خطوات مثل الإعلان عن وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل. 

وثمة ما يدعو للاعتقاد بأن خطوات بهذا الحجم غير مرجحة، ذلك لأنه بعد ستة أشهر من صدور قرارات المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني زادت وتائره كما لاحظنا بقمع مظاهرات الاحتجاج على الاعتداء على المسجد الأقصى، ولو أراد الرئيس وقف التنسيق الأمني لتصرف بطريقة مغايرة، لأن مثل هذه الخطوة تعني مجابهة، والمجابهة بحاجة إلى متطلبات واستعدادات لا تبدو واردة.

وكان مسؤول فلسطيني كبير قال إن الخطاب سيتضمن ما ورد من قرارات للمجلس المركزي، مضيفا أنها قرارات لا مجال للنقاش فيها، فهي صادرة عن أعلى جهة تشريعية فلسطينية. لكن هذا الأمر يستهدف تحريك المجتمع الدولي لا أكثر ولا أقل.

أما القول الفصل، فيمكن الإمساك به مما قاله نبيل أبو ردينة، الناطق باسم الرئاسة، الذي قلل من التوقعات بتأكيده أن الرئيس سوف يتشاور مع الجميع لوضعهم أمام مسؤولياتهم، وأن الأيام العشرة القادمة حاسمة، وإذا وجد الرئيس أملا ولو ضئيلا لاستئناف المفاوضات فلن يضيعه، وفي ضوئه سيتحدد ماذا سيقول الرئيس. فالرئيس هدد بتفجير قنبلة حتى يتحرك المجتمع الدولي، وإذا تحرك لا داعي لتفجير أي شئ. وإذا لم يتحرك تزداد صعوبة الموقف الذي يجد نفسه به، وفي هذه الحالة إما سيبقى في الانتظار واعتماد سياسة البقاء وليس أكثر، وإما سينهار المعبد على من فيه، وليحدث الطوفان.

السؤال الملح جدا ما هو التحرك الذي سيعتبره الرئيس كافيا؟ هل ستكون المواكبة الدولية للمفاوضات عبر توسيع اللجنة الرباعية الدولية كافية؟ أم سيكون صدور قرار من مجلس الأمن وفق المشروع الفرنسي كافيا؟ علما أن هذا المشروع ينتقص من الحقوق الوطنية الفلسطينيه، ومن شأن تعديله وسد النواقص فيه أن يعرضه للفيتو الأميركي، لأن إدارة أوباما بعد الاتفاق النووي تريد إرضاء إسرائيل وتعويضها عنه لا إغضابها مجددا، فضلا عن رغبتها بمواصلة احتكار رعاية المفاوضات الثنائية، ومعارضتها تفعيل دور الأمم المتحدة من حيث المبدأ، كما أن قبول أن يكون هذا المشروع المرجعية كما هو سيهبط بسقف الموقف الفلسطيني الهابط أصلا.

كان - ولا يزال - الرئيس قادرًا على الذهاب إلى الأمم المتحده والإعلان في خطابه انه سيدعو الإطار القيادي المؤقت للمنظمة، الذي يضم مختلف ألوان الطيف السياسي، بما في ذلك "فتح" و"حماس"، إلى اجتماع مفتوح إلى أن يتم الاتفاق على مقومات وشروط تحقيق وحدة وطنية حقيقية على أسس وطنية وديمقراطية وشراكة سياسية حقيقية تبقي المنظمة كيانا فاعلا ومعترفا به عربيا ودوليا وتنهي الانقسام والتعدد في السلطات والاستراتيجيات ومصادر القرار، وحينها سيتحدث باسم جميع الفلسطينيين، وسيجعله ذلك أقوى بكثير.

كان - ولا يزال - بمقدور الرئيس الإعلان أن إسرائيل قضت على اتفاق أوسلو وأنهت التزاماتها بموجبه منذ فترة طويلة، وما تقوم بتنفيذه من مخططات في عموم الأراضي الفلسطينية بشكل عام، والقدس والمسجد الأقصى بشكل خاص، وما تمهد الطريق للقيام به، يتجاوز إلغاء اتفاق أوسلو إلى حد تهديد القضية الفلسطينية بالتصفية، والوجود الفلسطيني بالطرد والتهجير، والأرض بالتهويد والمصادرة والاستيطان، وأن الرد الفلسطيني على ذلك لن يكتفي بمطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته، أو اللجوء إلى التهديدات اللفظية باستقالة الرئيس، أو حل السلطة، أو بتفجير قنبلة في الخطاب، وإنما سيشمل تغيير قواعد اللعبة كليا، بما يعنيه ذلك من اعتماد مسار سياسي جديد مختلف كليا عن مسار أوسلو الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه. وهذا المسار الجديد يتضمن أبرز المحددات التالية:

أولا: إعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، ولتوفير وتعزيز مقومات الصمود والتواجد الفلسطيني على أرض فلسطين على أساس القناعة بأن المرحلة الآن ليست مرحلة التوصل إلى حل وطني وقطف الثمار، ولو بالحد الأدنى، وإنما مرحلة الحفاظ على ما لدينا وتقليل الأضرار والخسائر وإحباط المخططات والخيارات والبدائل الإسرائيلية، وما يقتضيه ذلك من جمع أوراق القوة والضغط الفلسطينية والعربية والدولية، والعمل بشكل تدريجي لتغيير موازين القوى إلى أن تسمح بتحقيق الحقوق الوطنية أو جزء منها. 

ثانيا: رفض العودة إلى المفاوضات الثنائية برعاية أميركية، أو بحضور شاهد الزّور الذي يسمى اللجنة الرباعية الدولية، سواء بصورتها الحاليّة، أو بتوسيعها لتضم دولا عربية أو غيرها. وكما يبدو فإن هناك محاولة لاستئناف المفاوضات مقابل بعض الترضيات الشكلية، مثل توفير مواكبة دولية للمفاوضات، وتقديم وعود أوروبية، وربما أميركية، بمساعدات مالية واقتصادية والعمل على إنجاح المفاوضات واتخاذ إجراءات بخصوص الاستيطان دون تجميده كليا، والتعهد في أقصى الاحتمالات إذا فشلت المفاوضات بعد عام أو أكثر باعتراف أوروبي وأميركي بالدولة الفلسطينية، مع أن مثل هذه الوعود لا يمكن - بحكم التجربة السابقة - أن تلبى، لأن هناك احتمالا كبيرا بالتخلي عنها من الذين قدموها أنفسهم، أو عدم الالتزام بها من الرئيس الأميركي القادم، أو الرئيس الفرنسي القادم. 

إن جل ما يهم المجتمع الدولي والدول العربية والنظام السياسي الفلسطيني إبقاء الوضع على ما هو عليه، وتقليل احتمالات انهياره، ومنع حدوث مواجهة شاملة تبدو حتمية اذا استمر توقف ما يسمى عملية السلام. فالمطلوب إدارة الصراع وليس حله، مع أن ما يجري منذ بدء أوسلو وحتى الآن هو بسبب إدارة الصراع، في حين أن الشرعيات والأرض والحقوق والمؤسسات الفلسطينية تتآكل، والقضية الفلسطينية تضيع.
إن العودة للمفاوضات ليست خطأ بل جريمة بحق القضية والشعب، دون توفر ما يلي:

(أ) صدور قرار من مجلس الأمن يحدد أسس وشروط التسوية، بما يضمن الاعتراف بالحقوق الفلسطينية المنصوص عليها في القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وخصوصا تلك التي تتضمن حق تقرير المصير بما يشمل اقامة دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧.

(ب) ضرورة أن تجرى المفاوضات تحت رعاية مستمرة من الأمم المتحدة، وفي إطار مؤتمر دولي كامل الصلاحيات، وتحديد سقف زمني قصير للمفاوضات، والاتفاق على ضمانات لتنفيذ الانسحاب واقامة الدولة ذات السيادة وعاصمتها القدس، مع آلية تطبيق ملزمة.

ثالثا: إعادة بِناء وتوحيد مؤسسات منظمة التحرير، بحيث تضم مختلف مكونات الحركة الوطنية، وأن تكون المنظمة قولا وفعلا الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده. وهذا يقتضي أخذ المستجدات والخبرات والحقائق الجديدة بالحسبان، وعلى أساس إجراء مراجعة عميقة وجريئة للتجارب السابقة واستخلاص الدروس والعبر، وتشكيل مجلس وطني جديد لا يتجاوز عدد أعضائه ٣٥٠ عضوا كما اتفق عليه، على أن يكون على جدول أعماله وضع ميثاق وطني جديد يحفظ الرواية التاريخية والحقوق ويوضح المبادئ والأهداف الأساسية، ويُبنى على أساسه برنامج سياسي جديد، ويتم الاتفاق على أسس الشراكة السياسية. ويمكن أن يسبق تشكيل المجلس الجديد دعوة المجلس القديم للانعقاد بمشاركة جميع فصائل العمل الوطني والإسلامي.

ومن أهم القرارات التي يمكن اتخاذها نقل مركز قيادة المنظمة وعدد من مقارها من الأرض المحتلة إلى عدد من البلدان العربية، خصوصا تلك التي تضم تجمعات أساسية للشعب الفلسطيني، فلا يعقل أن تكون المنظمة تحت رحمة الاحتلال.

رابعا: إعادة النظر في شكل السلطة ووظائفها والتزاماتها، بحيث تنسجم مع الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، ومع تنكر إسرائيل لالتزاماتها، وبما يعيد السلطة إلى حجمها الطبيعي، وأن تأخذ مكانها بصفتها أداة من أدوات المنظمة وليست البنت التي أكلت ابنها، وهذا يقتضي، من ضمن ما يقتضيه، إحالة مهمات السياسة والعلاقات الخارجية إلى الدائرة السياسية للمنظمة. 
نعم، هناك طريق إذا كانت هناك إرادة.

 

(عن الأيام)