بدا باراك أوباما كيّساً وذا تهذيبٍ رفيع، عندما اختار، قبل أيام، أن يصعد هو إلى دكّة مسرحٍ خشبيٍّ في لندن، ليصافح ممثلي عرض "هاملت"، بعد أن شاهد مقطعاً أخيراً منه، لا أن يهبطوا إليه للسلام عليه، وامتدح أَداءهم. وجاءت زيارة أوباما هذا المسرح مشاركةً منه في احتفالات بريطانيا في إحياء الذكرى الأربعمائة لوفاة وليم شكسبير. واستوفت "رويترز" خبر الزيارة بالتذكير بقولٍ للرئيس الأميركي، مرّة، إن مسرح الكاتب الإنجليزي الشهير أحدُ أكثر ثلاثة أعمال أدبيةٍ كبرى ألهمته في حياته. ولمّا كان أوباما رئيساً مثقفاً، على ما يوصف، فإن الواحد منا يصدّق قولَه ذاك، وكذا إعجابَه بما شاهد في المسرح اللندني، غير أن سؤالاً يجوز رميه عمّا يعنيه هذا "الإلهام"، وما هو بالضبط أثرُه على أداء شخصٍ يتولى رئاسة الولايات المتحدة. لا يغيّب سؤالٌ كهذا ما هو معلوم عن "مؤسّسيّة" السياسة الأميركية، والبنية الصلبة لكيانات الحكم والسلطة في هذا البلد، عظيم الأهمية في العالم. ولكنْ، للرئيس في واشنطن صلاحياتٌ واسعة، وفي مقدوره أن يطبع الأداء السياسي العام، داخلياً وخارجياً، بسمْته أو نزعته. وها نحن، في شهور أوباما الأخيرة من ولايتيْه رئيساً، نُراجع ما فعل وما لم يفعل، ونُحاول، نحن العرب وغيرنا، أن نرى حصادَه فيما يخصّنا. ومؤكّدٌ أن خيبتنا منه وحدها هي حُكمنا عليه، إذ لم يتقدّم خطوةً جوهريةً ملحوظةً باتجاه أيٍّ من وعوده، العرجاء طبعاً، والتي بعثرها قدّامنا لمّا دخل البيت الأبيض، في غير شأنٍ يخصّنا، في فلسطين مثلاً. وها هي المحنة السورية، يتفرّج عليها أوباما، ويثرثر بكلامٍ عنها لا فاعلية له، ولا "يلوّح" بشيء يمكن أن يرجّ ثقة بشار الأسد في الليونة الأميركية معه، والتي يراها رخصةً مضافةً لمزاولة القتل، في حلب وغيرها.

سأل أستاذٌ للأدب الإنجليزي في جامعةٍ أميركية: كيف يمكن لمحبي شكسبير أن يَقتُلوا؟ كان سؤاله في معرض استهجانه حادثةً وقعت في عام 1849، موجزها أن أعمال شغبٍ جرت نتيجة منافسةٍ بين ممثليْن، أميركي وبريطاني، على أداء دور ماكبث، البطل الشكسبيري إياه، وقضى في الأثناء عشرون وجرح مائة. هل في الوسع طرح سؤالٍ مشابه على أوباما: كيف لك، وشكسبير قد ألهمك في حياتك، أن تصمت على القتل، في سورية؟ ألا تعتقد أنك تخون شكسبير، وأنت تمارس فرجةً على واحدةٍ من أفظع تراجيديات القرن الواحد والعشرين، في سورية؟ ليس في وسع تعليقٍ مرتجلٍ أن يحسم، هنا، ما إذا كان حبّ أوباما مسرح شكسبير متصلاً بما قاله رئيس أميركا الأسبق، بيل كلينتون، إن شكسبير جزءٌ من نسيج الحياة في أميركا.. ولكن، هل هذا القول صحيح؟ لا أعرف، غير أنك عندما تطالع ما نشر، أخيراً، عن ولعٍ الأميركان، تاريخياً، بالمسرحي والشاعر الإنجليزي الشهير، ستميل إلى تصديق هذا الكلام. وهذا معرض "شكسبير أميركا" يقام في واشنطن، حالياً، يوضح أن توظيفاً كبيراً جرى لصاحب "الملك لير" في الإعلانات لترويج منتوجاتٍ أميركية، ذلك أن شكسبير يُحيل إلى الرقي والأناقة والوداعة الإنسانية. وهكذا، فإنه ظهر بائعاً متجولاً يبيع ماكينات خياطة وسراويل جينز وهواتف خلوية وسيارات وكحولاً. وعلى ما قرأنا، ليس ذلك جديداً، بل يعود إلى أزيد من مئتي عام.

التفاصيل وفيرة ومثيرة، عن شكسبير والأميركان، وإذ تقول مسؤولةٌ عن مهرجانٍ كبير عنه في الولايات المتحدة إن شكسبير هو الحل الوسط الذي يستطيع الأميركيون من خلاله التحدّث عن أزمة العنصرية، هل يمكن تخمين أن شيئاً من هذا الأمر يعود إليه "الإلهام" الذي حازه باراك أوباما من الكاتب الشهير؟ إذا كان الرئيس الأميركي القديم، أبراهام لينكولن، (1809- 1865)، والذي اشتهر بمحاربته الرّق، مولعاً بشكسبير إلى حد أنه كان يردّد عباراتٍ من "هاملت" و"الملك لير"، وهو يتجوّل في البيت الأبيض. هل لهذا الأمر أثرٌ ما في شغف أوباما، أول رئيس أميركي أسود، بالكاتب "المُلهم" له؟ لا أعرف. لكن، ما هو معروف أن رئيساً للولايات المتحدة يتفرّج على "تراجيديا" دامية في سورية، لم تعبر مثلُها في مخيلة ملهمه شكسبير، ولا يبدو أن ذلك "الإلهام" أحدث شيئاً فيه بشأنها.

اقرأ/ي أيضًا للكاتب| دارفور.. الحق على الشيطان