أحمد قعبور يتحدى قديمه .. وجمهوره

أحمد قعبور يتحدى قديمه .. وجمهوره
بالتأكيد تقف اليوم تجربة الأغنية <<الجديدة>> (أو الملتزمة أو السياسية، مثلما أطلق عليها في فترة من الفترات، أو حتى أغنية الناس، مثلما يقول عنها أحمد قعبور)، تقف على مفترق كبير، إذ تظهر حائرة في كثير من الأحيان: لا هي تريد ان تبقى امتداداً لذاكرتها القديمة، ولا تريد أيضاً ان <<تسقط>> في الأغنية الأخرى الرائجة التي تسميها <<الهابطة>>. وما بين الأمرين تأتي المحاولة غير مختمرة بعد وغير مكتملة، إذ لا تنجح في فرض تطلعاتها الجديدة، فهي دائماً مجال مقاربة مع بداياتها.

هذا الشعور هو الذي يشير إليه حفل أحمد قعبور، ليلة أمس، في قصر الأونيسكو. وهو أول حفل له، على مسرح، منذ فترة طويلة. في حديثه أمس مع <<السفير>> قال قعبور أنه لا يريد ان يغني بعد تحت سلطة جماهير ما ان تسمع اسم <<غيفارا>> حتى تبدأ باسترجاع كل تهويماتها. بيد ان غايته لم تتحقق، على الرغم من المحاولة الجدية في بعض أغانيه الجديدة. فالقاعة الممتلئة بطابقيها، كانت تريد، أكثر ما تريد، استرجاع تلك الذاكرة، وهي ما ان سمعت <<أناديكم>> حتى تمايلت تحت وقع التصفيق والصراخ لدرجة ان كل ما كان يطمح إليه قعبور في تقديم عمل موسيقي جديد، على قوله، <<انهار>> فجأة، ليبدأ الفنان بالبكاء، تحت تأثير الجمهور الذي نهض عن كراسيه، ليردد الأغنية معه، أو بالأحرى ليردم هذا الفراغ الصوتي الذي أحدثه إجهاش الفنان في البكاء. بهذا المعنى، ثمة سؤال أساسي، لا بد ان يطرح نفسه: لمن تتوجه المحاولة الجديدة في هذا النمط الفني؟ هل تستطيع ان تكوّن جمهورها الخاص، في ظل إرث يبدو ثقيلاً عليها، قبل غيرها؟

لا تبدو <<أزمة>> هذه الأغنية في فنانيها. حقيقة، تكمن المشكلة في المستمع إليها، إذ لا يريد ممن يقف
أمامه ان يغادر ضفته الأولى، وهو كلما ابتعد عنها، يحاول ان يعيده إليها. بهذا المعنى، نستطيع ان نردد أيضاً <<ان الجمهور عايز كده>>، وهذا الجمهور لا نعرف حقيقة إلى أي جانب يميل في النهاية، لأنه يرغب في كل شيء يخطر على باله. لا شك ان الأغنية الجديدة نجحت في بداية السبعينات في تكوين ذائقة ما (مهما اختلفت الحجج)، لكنها اليوم، لم تنجح إلا في استعادة الكثير من هذا الإرث الذي يكبلها، إذ كيف نفهم ان شباناً يهتفون بشعارات ويطالبون بأغان كانت نضجت قبل ان يولدوا حتى؟

إذا اعتبرنا ان مقياس نجاح أي حفل موسيقي وفني يكمن في <<تعاطف>> الناس معه إلى أقصى الدرجات، فلا شك ان حفل أحمد قعبور، نهار أمس، كان ناجحاً جداً، بهذا المعنى. لكن هذا التعاطف الشديد منع، بالتأكيد، من ايصال مقترحات قعبور الفنية الجديدة، من حيث الموسيقى كما من حيث الكلمة، لذلك تبدو كلمات محمد العبد الله وعبيدو باشا وعبد الغني طليس، التي تحاول قولاً مختلفاً، وكأنها كلمات <<طائشة>> في هذا الجو الذي لا يريد إلا <<يا نبض الضفة>> و<<الشيخ إمام>>.

ومع ذلك، هل نجح أحمد قعبور أيضاً في تخطي مرحلته الأولى؟ بالتأكيد ثمة أعمال عديدة نجحت في تقديم رؤية فنية مغايرة، إلا ان قسماً آخر منها بدورها، يبدو حائراً ما بين نوعين موسيقيين، لا أقصد فقط التنقل بين الإيقاعات الغربية والشرقية، وإنما أيضاً في هذا التردد بين القطيعة مع <<النشيد>> المباشر الذي عرفناه عنه في بعض أغانيه الأولى، وبين محاولة استعادته، ليس فقط بسبب الحنين، إذ ربما يكون الفنان على دراية ويقين انه لا يستطيع التخلص من... جمهوره دفعة واحدة. أو ربما أيضاً، لأن الفنان نفسه لم يحسم بعد أمره نهائياً وإن كان في جديده الكثير مما أحببناه.

(اسكندر حبش. عن "السفير")

التعليقات