شهادات حول استخدام الامريكان للسلاح النووي التكتيتكي في معركة بغداد

المفاجأة بالنسبة إلى القادة العسكريين العراقيين في 5 نيسان كان انصهار جثث بفعل ما يعتقد انه سلاح نووي تكتيكي

شهادات حول استخدام الامريكان للسلاح النووي التكتيتكي في معركة بغداد
وهنا يكشف محدثنا عن أن المعركة التي دارت في المطار قادها صدام شخصيا وولده قصي بمشاركة الفوج الثالث من لواء الحرس الجمهوري الخاص وبمشاركة قوات صواريخ قاعدة الشهيد في منطقة الغزالية ومدفعية الحرس الجمهوري المنفتحة في منطقة أبي غريب.

ويضيف الضابط الكبير في سرد روايته: وما أن انتهت هذه المعركة حتى قامت الطائرات الأميركية بعمليات قصف متواصلة دكت خلالها وعلى مدار يوم ونصف من القصف بأنواع مختلفة من القذائف "ليل الخميس ونهار الجمعة وليلها" منطقة المطار ومنطقة الرضوانية وحي الفرات فضلا عن قاعدة الشهيد لصواريخ أرض أرض في الغزالية وموقع مدفعية الحرس في منطقة أبي غريب.

ولكن المفاجأة بالنسبة إلى القادة العسكريين المكلفين بخوض معركة بغداد هو ما اكتشفوه يوم السبت 5 نيسان من أن بعض القذائف التي أطلقتها القوات الأميركية على مناطق الرضوانية ليلة الخميس ويوم الجمعة "3 - 4 نيسان " كانت من القذائف والقنابل غير المعروفة ويعتقد أنها من أنواع القنابل النووية التكتيكية. وتأكد كبار العسكريين من الحرس الجمهوري والجمهوري الخاص أن جثث المقاتلين في هذه المنطقة صهرت بالكامل ولم يبق منها سوى الهيكل العظمي. وهنا برز الإرباك على هؤلاء القادة العسكريين، فاتخذ رئيس الأركان لقوات الحرس الجمهوري الفريق الركن سيف الدين فليح الراوي قرارا بسحب الكثير من ألوية الحرس الجمهوري من مواقعها بغية إعادة التنظيم وأنهم سيبلغون بالمواقع التي سيتم مركزتهم فيها. وبعد أن أعطى الأوامر بذلك، ذهب الفريق سيف الدين الراوي إلى قصي في مقره البديل الذي كان غرفة إمام جامع بلال الحبشي في ساحة قحطان قرب مستشفى اليرموك مخبرا إياه بأهمية إعادة تنظيم قوات الحرس شبه المنهارة بسبب ما تعرضت له من قصف كثيف واستخدام القنابل النووية التكتيكية. وانه في حال شيوع خبر استخدام القوات الأميركية لهذه القنابل النووية فإن الحرس الجمهوري في مجمله سينهار، لذلك أمر ألوية الحرس في الرضوانية والمطار وفي أبوغريب واليوسفية القريبة من الرضوانية بالانسحاب بغية إعادة التنظيم. وهنا سأله قصي وبأمر من فعلت ذلك؟ فأجابه الفريق الركن سيف الدين الراوي بأمري أنا. فما كان من قصي إلا أن بادره بكلمات حادة مثل " خائن .. جبان " ، وقال له " أنت معزول وتحال إلى محاكمة وتعدم " .

ويعتقد محدثنا بأن الفريق سيف الراوي أعطى الأوامر بإعادة التنظيم من دون الرجوع إلى قصي بصفته مشرفا على الحرس الجمهوري، لأن قصي في واقع الأمر كان يتنقل بين أماكن وجود أبيه التي لا أحد يعلم بها سوى ثلاثة أشخاص وهم عدي وقصي والفريق عبد حميد حمود. وطبعا كان لا يمكن الاتصال الهاتفي بقصي لأن ذلك يمكن أن يجعل الاستدلال على مكان وجوده أمرا سهلا بالنسبة إلى القوات الأميركية. فاجتهد الرجل بإعطاء أوامر الانسحاب بغية إعادة التنظيم فنال أوصاف الخيانة والجبن من قصي ، وهو أراد من خلال عملية إعادة هيكلة القوات المنسحبة دفعها من جديد إلى المعركة.

ويستكمل الضابط الكبير في الحرس الجمهوري سرد الرواية بخصوص ما حدث يوم الأحد 6 نيسان ، فيقول في ذلك اليوم ذهب قصي إلى المكان الذي يوجد فيه والده ليطلعه على الجديد الذي حدث بينما كانت القوات الأميركية قامت باندفاع جديد في منطقة الرضوانية وأبي غريب والدورة وذهبت بعض القوات الأميركية إلى منطقة المطار من جهة أبي غريب والرضوانية. وفي الوقت ذاته قامت القوات الأميركية بإنزال في منطقة الزعفرانية وطريق معسكر الرشيد للسيطرة عليه، ولم تكن تجد مقاومة من قوات الحرس الجمهوري بعد الإرباكات التي حدثت نتيجة الانسحاب، وعدم وصول أوامر للضباط القادة والآمرين المنسحبين عن الأماكن الجديدة لقواتهم.

وكان قصي بعد إقالة الفريق سيف الراوي قال لقائد قوات عدنان اللواء الركن ماهر سفيان التكريتي الذي كان حاضرا في تلك الساعة أن يستعد لتولي مهمة سيكلف بها، ولكن عليه الآن أن يبلغ حاليا قادة فرق وألوية الحرس حضور اجتماع مع قصي لاتخاذ التدابير. وأثار هذا الحديث مشاعر عدم الارتياح من جانب اللواء ماهر سفيان التكريتي سيما وأنه أدرك حقيقة الوضع المنهار لغالبية المقاتلين في الحرس الجمهوري.
وقام اللواء ماهر بإبلاغ القادة والآمرين بموعد الاجتماع المطلوب، وحضر في موعد الاجتماع كل القادة والآمرين وكان قد ترددت شائعة بينهم ان الفريق الراوي قد أعدم . وساد الحضور أجواء توجس ووجوم ومخاوف من احتمالات تعرض بعضهم للإعدام خلال الاجتماع المنتظر. غير أن الاجتماع نفسه لم يتحقق لأن قصي ذاته لم يحضر هذا الاجتماع بسبب الهجوم الصاروخي الذي وقع على أحد المواقع الذي كان يجتمع فيها الرئيس السابق مع ولديه وعدد من مسئولي الدولة في منطقة المنصور. وأنفض الاجتماع قبل دقائق من حدوث ذلك الهجوم، الأمر الذي جعل الرئيس صدام أن يشك بحمايته سيما بعض عناصر الحماية الخاصة من الذين لم يكونوا حاضرين بالقرب من الرئيس في موقع الاجتماع أثناء وقوع الهجوم الصاروخي الأميركي على المكان الذي كان الرئيس صدام موجودا فيه. وهذا ما جعل صدام على ما يبدو أن يعطي الأوامر لقصي بالتحقيق السريع في الموضوع وعلى نحو سريع ، وخصوصا أنه كان مذهولا من تكرار محاولة استهدافه بصواريخ كروز لمرتين الأولى في 20 آذار والثانية في 6 نيسان في المنصور. وصار على ما يبدو عصبيا بعد أن سمع ما أعلمه قصي من تطورات وكذلك التقدم الذي أحرزه الأميركيون في السيطرة على المطار وأجزاء من الرضوانية ومعسكر الرشيد. ومع أنه أعطى أوامره بتفجير المطار عبر نسف الشبكة الإلكترونية والكهربائية القائمة تحت باحة المطار، الأمر الذي سيؤدي إلى تدمير المبنى وإبادة كل الموجودين على أرضه. طبعا هول مفاجأة الهجوم الصاروخي على موقع الاجتماع والنجاة بأعجوبة وما كلف به قصي من إجراء تحقيق عاجل مع رجال الحماية أخرت قصي من الوصول إلى موقع الاجتماع الذي كان ينتظره مع قادة وآمري فرق الحرس الجمهوري.

وما ضاعف الوضع بمزيد من الإرباك المعقد، بحسب رواية ضابط الحرس الجمهوري، شيوع خبر تعرض الرئيس صدام وولديه وعدد من المسئولين العراقيين لهجوم صاروخي قتل الجميع فيه. ومع شيوع هذا الخبر إلى قادة وآمري فرق وألوية وكتائب الحرس الجمهوري، أصبح انتظار قصي بلا جدوى وأنفض الاجتماع من دون أن يتفق الحضور على شيء، خصوصا بعد أن أكد أمين سر قوات الحرس الجمهوري اللواء كمال مصطفى عبد الله الذي كان مقربا من صدام وقصي "اللواء كمال شقيق جمال مصطفى عبد الله زوج صغرى بنات الرئيس صدام حلا" خبر تعرض صدام وولديه للهجوم الصاروخي الأميركي ومقتلهم بحسب ما شاعت وكالات الأنباء.

وبعد أن خرج الجميع من مكان الاجتماع اتفق اللواء سفيان ماهر التكريتي مع قائد قوات النداء الفريق رعد الحمداني على ضرورة تجنيب المقاتلين مزيدا من الموت والتفاوض مع الأميركيين على دخول بغداد من دون قتال. وسمع هذا الحديث بين الرجلين سكرتير قصي "علي حسين رشيد التكريتي" الذي يتولى والده الفريق حسين رشيد التكريتي منصب أمين سر القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية، وعندما علم هذا الأخير من ابنه بما حدث ودار بين الحمداني وماهر التكريتي وفي وقت لم يظهر الرئيس أو مرافقوه وولداه، اثر هو الآخر "الفريق الركن حسين رشيد التكريتي أمين سر القيادة العامة للقوات المسلحة" أن يعمم برقيتين إلى جميع عناصر القوات المسلحة بالانسحاب من مواقعها وبأمر من صدام حسين، وما أن علم مدير المخابرات الفريق طاهر جليل الحبوش بذلك سارع هو الآخر بالطلب من عناصره إخلاء مواقعها. وحدث ذلك كله ليلة 7 و8 نيسان . ولا اعرف إذا كان الفريق رعد الحمداني واللواء سفيان ماهر قد ذهبا للقوات الأميركية وطلبا التسليم منهما مقابل سحب قواتهما من المعركة. ولكن ما أعلمه أن اللواء سفيان أعطى فعلا أوامره لقواته التي كانت متمركزة بين بغداد وتكريت بالانسحاب وعدم القتال، بينما شوهد الفريق رعد الحمداني وهو يستقل طائرة مروحية أميركية مناديا عبر مكبرات الصوت على قواته بعدم القتال والذهاب إلى منازلهم، الأمر الذي أدى إلى تسلم قوة قتالية مهمة تعدادها 2600 مقاتل وعدد مهم من الدبابات والمدفعية الأمر الذي جعل القوات الأميركية تسيطر بيسر على منطقة قصر التلة وتعزيز قواتها في المطار ومنطقتي أبي غريب والدورة. وهكذا دخلت القوات الأميركية إلى بغداد صباح يوم الثامن من نيسان من دون أن تواجهها سوى مقاومة محدودة للغاية من قبل العناصر التي لم تصلها التبليغات، ولاسيما من عناصر الفدائيين وعناصر الحزب، وتمكنت القوات الأميركية من السيطرة وبسرعة على النقاط الحيوية في منطقة القصر الجمهوري.

وعندما سألته عن الرشاوى التي تحدث عنها الجنرال تومي فرانكس وتلقاها عدد من كبار الضباط والقادة في الجيش والحرس الجمهوري، أجابني لا علم لي بذلك. وما حصل من بعض كبار الضباط وأعلمه أوضحته. أما أن تكون هناك اتصالات مسبقة بينهم وبين الأميركيين، فلا أستطيع تأكيده. ولكن علمنا بعد محاولة الهجوم الذي تعرض له صدام وكبار المسئولين في الدولة يوم 20 آذار ، جرت عمليات اعتقال طالت يومي 25 و26 آذار 76 ضابطا بين الجيش والحرس الجمهوري والحرس الخاص والأمن الخاص. ولا أعرف إذا كانوا أعدموا أم لا. ولكن حدثت أخطاء في إدارة المعركة من قبل قوات الحرس الجمهوري، فقد أرسلت فرقة المدينة المنورة إلى كربلاء للقيام بهجوم مضاد على القوات الأميركية وسحبت قوات النداء من كربلاء لكي تحل محل قوات المدينة المنورة في منطقة القصر الأوسط المتاخمة لحدود العاصمة بغداد في الوقت الذي كانت قوات النداء فقدت معظم قوتها الضاربة بعد أن قاتلت في كربلاء. وهذا في اعتقادي خطأ ارتكب وساهم بارتكابه أمين سر قوات الحرس الجمهوري اللواء كمال مصطفى عبد الله بعد إقناع قصي بصحته.

أما ما قيل من شائعات تتناقلها الألسن في بغداد عن خيانات لمسئولين عراقيين مثل مدير المخابرات طاهر الحبوش ووزير الخارجية ناجي صبري، فهذا لا علم لي به. وقد سمعت أن ناجي صبري غادر العراق بصحبة أفراد عائلته مع طاقم السفارة النمساوية في بغداد في 7 أو 8 نيسان وربما بتسهيل من قبل قوات التحالف. على كل حال ظلت في الأمن الخاص الذي كان يديره قصي شكوك وشبهات عن صبري، سيما وأن شقيق ناجي الأكبر محمد لقي حتفه على يد صدام في العام 1979 أو .1980 كما أن هناك اتهامات صوب ناجي بإقامة علاقة مع ضباط في المخابرات البريطانية منذ سبعينيات القرن الماضي عندما كان مستشارا إعلاميا للعراق في بريطانيا. لكن كل ذلك كان مجرد شكوك من دون وجود أدلة عليها. وسمعت أيضا أن مدير المخابرات الفريق الحبوش سهلت القوات الأميركية مغادرته العراق مع عائلته. وفي كل الأحوال ربما يكون كل ذلك الحديث عن الخيانات مجرد هراء ، وربما يكون بعضه صحيحا ، السنوات القادمة ربما تكشف الحقائق .

إلى هنا انتهت الرواية التي أباح بها الضابط الكبير في الحرس الجمهوري.وبغية الوصول إلى تفاصيل أكبر عن حقيقة ما جرى كان لابد من التدقيق فيما قاله الضابط الكبير في الحرس الجمهوري، وفي سؤال الخبير العسكري العميد المتقاعد محمد أحمد عن حقيقة استخدام القوات الأميركية الأسلحة النووية التكتيكية في معركة بغداد، أكد احتمال استخدام هذا النوع من الأسلحة في معركة بغداد. وعدد الخبير العميد محمد أحمد الأسباب التي ترسخ لديه مثل هذا الترجيح، وقال:

أولا: في صيف العام 2002 سربت آنذاك وزارة الدفاع "البنتاغون" أخبارا إلى وسائل الإعلام الأميركية مفادها أن لجنة من وزارة الدفاع أعدت دراسة أوصت فيها برفع الحظر عن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية الصغيرة الحجم ضد عدد من دول العالم، وكان من ضمنها ثلاث دول عربية، هي: العراق وسورية وليبيا. وعندما سأل الصحافيون وزير الدفاع دونالد رامسفيلد تعليقه على هذا الموضوع مر عليه مرور الكرام، وذكر أن وزارة الدفاع تعد الكثير من الدراسات وبشكل دوري. وان هذه مسألة روتينية يجب عدم الاهتمام كثيرا بها.

ثانيا: في آب 2002 وفي خضم الحملة الإعلامية الأميركية الواسعة والمتصاعدة على العراق والتهديد باستخدام القوة لإزالة أسلحة الدمار الشامل فيه التقى في بغداد أحد الصحافيين الأميركيين مسئولا عراقيا وتبادل الرجلان أثناء اللقاء، الذي عقد في مطعم "نادي الصيد" في بغداد، عما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة من عمل عسكري تجاه العراق. وكانت مفاجأة كاملة للمسئول العراقي، وهو يستمع إلى رأي الصحافي وهو يعرض عليه السيناريو الأكثر احتمالا بأن الولايات المتحدة ستقصف بغداد بالقنابل الذرية. وعندما تمالك المسئول العراقي أعصابه وبدا بمحاورته كانت إجابة الصحافي الأميركي أن الولايات المتحدة ستحاول اقتحام بغداد وان القوات العراقية ستقاوم الهجوم، وإذا ما وجدت الولايات المتحدة أن قواتها ستفرض عليها حرب شوارع ذات كلفة بشرية ومادية عالية، آنذاك سيكون الحل الوحيد هو قصف بغداد بالقنابل الذرية. وان الهدف الأكثر احتمالا سيكون وسط بغداد وتحديدا منطقة جسر الجمهورية ووزارة التخطيط. ولم يعلق المسئول العراقي على هذه الآراء واعتبرها جزءا من الحرب الإعلامية الأميركية للضغط على الحكومة العراقية من أجل قبول عمليات التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل..

ثالثا: قامت الولايات المتحدة في فترة الحشد في الكويت بإرسال 138 ألف جندي. ويضم هذا الرقم العاملين كافة في القوات الجوية والبرية ومشاة البحرية والصنوف المساندة. وواقع الحال أن مجموع القطعات المقاتلة كان لا يتجاوز سبعين ألف رجل موزعين على فرقة المشاة الثالثة وفرقة مشاة البحرية الأولى ومشاة البحرية الثانية والفرقة 101 المحمولة جوا. ولم يستطع الخبراء الأميركيون توضيح الكيفية التي ستتمكن بها هذه القوات القليلة العدد من الانتصار على القوات العراقية والقوات المساندة لها، التي تقدر بحوالي مائة ألف مقاتل... هذا إذا افترضنا أن القوات الأميركية ستواجه قوات الحرس الجمهوري والحرس الجمهوري الخاص فقط، وقبلنا بالافتراض الأميركي من أن القوات المسلحة العراقية ستنهار كليا مع أول طلقة من الحرب. وحاول الإعلام الأميركي طرح فرضية انهيار النظام من الداخل مع بدء العمليات العسكرية، ولكن هذا الافتراض يعتمد على حصول خيانة في القيادة العراقية وعلى مستوى عال جدا... فهل حدث ذلك؟، هذا من الصعب الجزم به الآن وربما رواية الضابط في الحرس الجمهوري أقرب للواقع.

رابعا: مع بدء العمليات العسكرية فجر يوم 20 آذار، وفشل عملية قطع رأس الرئاسة التي جرى تنفيذها باستخدام صواريخ "كروز" وطائرات "الشبح" أصبح لزاما تدخل القوات البرية الأميركية والبريطانية. وبعد أسبوع واحد على بدء العمليات العسكرية ومع الصعوبات الواضحة التي واجهتها القوات المهاجمة في البصرة وأم قصر وسوق الشيوخ والناصرية اجتمع رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير مع الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش لإعادة النظر في الاستراتيجية العسكرية للعمليات كما جرى إعلانها، وكان ذلك أمرا غريبا لأن الاستراتيجيات لا يعاد النظر فيها عادة بعد أسبوع واحد من القتال، فهي عادة تبقى ثابتة وربما يتغير التكتيك. واعترف مسئولون في وزارة الدفاع البريطانية وفي القيادة الأميركية الوسطى في قاعدة السيلية في قطر بوجود حاجة إلى إعادة النظر في الخطط العسكرية وفي كثافة قوة النيران المستخدمة.

خامسا: هناك حديث من قبل الكثير من المقاتلين الذين كانوا في المطار يوم 4 نيسان عن انهم لاحظوا أضواء شديدة التوهج حصلت خلف قصر التلة في الرضوانية، كما أفادت تقارير بأن منطقة ملوثة قرب الرضوانية صارت تتفاداها الحيوانات والطيور. وهذا ما يعزز الاعتقاد بأن قذائف نووية تكتيكية استخدمت، ويعتقد أن القنابل والقذائف النووية التكتيكية بلغت قوتها الانفجارية ما بين0,5 إلى 5 كيلوطن، ويعتقد أن بعضها ربما كان بقوة انفجارية تبلغ 2 أو 2,5 كيلوطن ومثل هذه القنابل من النوع النيوتروني.

وكما هو معلوم للخبراء الاستراتيجيين والعسكريين ينحصر تأثير انفجار هذه القنابل في دائرة ضيقة تصل أحيانا إلى كيلومترين مربعين وهي لا تحدث تدميرا للمباني في الوقت الذي تفتك بالبشر، وهي تسمح في الوقت ذاته للقوات المهاجمة بالدخول إلى منطقة التفجير بعد مرور أقل من 24 ساعة من دون أن تتأثر ببقايا الإشعاع الذي أحدثته هذه الأنواع من القنابل التكتيكية.

سادسا: أعلنت قيادة القوات البريطانية في العراق أنها ستخضع جميع أفراد قواتها الذين تقررت إعادتهم من العراق إلى فحص إشعاعي.

سابعا: في خطاب لنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني في مطلع أيار في مركز الأبحاث المسمى "ذي هيرتيج فاونديشن" أعلن أن القوات الأميركية انتصرت في الحرب على العراق، على رغم استخدامها نصف عدد القوات وثلث عدد الطائرات المستخدمة في عملية "عاصفة الصحراء". وان الانتصار يعود إلى التقنية الأميركية المستخدمة في هذه الحرب.

ويؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي محمد أحمد، أن الأسباب أعلاه توضح أن خيار استخدام السلاح النووي كان ضمن الاحتمالات الموجودة أصلا في الخطة الأميركية، وان اللجوء إلى هذا الخيار أصبح إلزاميا بعد تطور المعارك بشكل لم يكن يتوقعه الأميركيون قبل اندلاع المعارك. وانه عندما أدركت القوات المهاجمة انه لا يمكنها تحمل خسائر مشابهة للخسائر التي تكبدتها في معركة المطار الأولى قامت باستخدام القنابل النووية التكتيكية. وأعطى هذا الاستخدام للقنابل النووية التكتيكية الانطباع للعسكريين العراقيين باحتمال الاستخدام الموسع لمثل هذا النوع من القنابل على مدينة بغداد وخصوصا في المناطق التي ستجابه القوات الأميركية بمقاومة شديدة.

إلى ذلك ذكر العقيد هيثم من "الدفاع الجوي" وكان مسئولا عن أحد بطاريات صواريخ جو - جو من نوع سام في منطقة أبو غريب انه في يوم 30 أو 31 من آذار ، أمر الحرس الجمهوري بالانسحاب من كربلاء والكوت والارتداد إلى بغداد. وأضاف كانت خطة الدفاع عن بغداد في صورة حزامين من المدافعين المنتمين إلى الجيش، أقيم أحدهما على بعد 100 كيلومتر عن المدينة، والآخر على بعد 50 كيلومترا، بينما كانت قوات الحرس الجمهوري تتمترس خلف قطعات الجيش حول بغداد. وعندما سمع الجيش في الجنوب بهذه الأخبار بدأت مقاومته بالانهيار، بعد أن حالت المقاومة دون سقوط مدينة واحدة. وفي السادس من نيسان تلقى الجيش أوامر بالتخلي عن جنوب العراق وإعادة الانتشار للدفاع عن بغداد. وأكد العقيد هيثم أن فرق الحرس الجمهوري بكاملها جرى سحبها من مواقعها. ويشير إلى انه رأى قوات الحرس الجمهوري التي كانت موجودة غرب بغداد تنسحب يوم 7 نيسان بناء على أوامر صادرة من قصي نجل صدام ثم قام جنود تلك الفرق بالتخلص من ملابسهم العسكرية، وانطلقوا إلى بيوتهم. أما بطاريتي فلم يبق بها سوى صاروخ واحد من نوع سام -3 عند ذلك طلبت من جنودي الذهاب إلى منازلهم، وذلك فجر الثلاثاء 8 نيسان .

ويقول السفير السابق في ديوان وزارة الخارجية العراقية هاني الياس الحديثي: "لقد ضحكوا علينا ثم باعوا البلد، وزير الخارجية ناجي الحديثي كان يردد على مسامعنا في اليومين الأخيرين أن الموقف ممتاز وانه سيتم اندحار الهجوم على بغداد، ثم بدأ يشيع مقتل صدام وولديه يوم 7 نيسان ولم نعد نراه، وعلمنا فيما بعد انه غادر العراق إلى النمسا بتسهيل من جانب القوات الأميركية".

الملازم نصير هاشم يقول: "إن وحدته التابعة لفرقة من الحرس الجمهوري تلقت الأوامر يوم 5 نيسان بالانسحاب من الصويرة والارتداد إلى بغداد من دون أن يحدد لها موقع للمرابطة فيه"، ويضيف: "عندما وصلنا بغداد انتشرنا في الدورة "16 كيلومترا عن مركز بغداد" ولكن لاحظنا الارتباك يحل ببقية الوحدات القريبة. وفي يوم 7 نيسان تلقينا الأوامر بالذهاب إلى منازلنا ولانزال نجهل ماذا حدث".

قد تكون الحرب النفسية الأميركية نجحت في التأثير على معنويات القوات المسلحة العراقية، إذ قامت القوات المهاجمة بإلقاء المنشورات على المواقع العراقية وكانت مكبرات الصوت الصادرة عن القوات الأميركية تنادي بعض القادة في الحرس الجمهوري وبالأسماء أحيانا وتطلب منهم عدم القتال وتؤكد أن مصلحتهم في عدم المقاومة. كما أن القصف الجوي المكثف أثر بدوره على معنويات المقاتلين ولاسيما أن الأسلحة الأميركية كانت دقيقة التصويب باتجاه أهدافها.

العقيد هيثم من الدفاع الجوي: "ليست هناك مقارنة في القدرة التسليحية بين القوات العراقية والقوات الأميركية، فصواريخ جو جو التي تستخدمها القوات العراقية لا يزيد مداها على 30 كيلومترا في حين مدى صواريخهم يزيد على 120 كيلومترا". منتسبو بعض كتائب الدبابات العراقية قالوا إن نحو ما بين 10 في المائة و25 في المائة ظلت سالمة فقط، بينما معظم الدروع والدبابات العراقية استهدفها القصف من دون أن تدخل هذه الدبابات والدروع في اشتباكات أرضية.

ويقول ضابط الأمن النقيب محمد الدليمي كان واجبه ومجموعته إسناد الحرس في منطقة أبو غريب لكن مجموعته والمقاتلين من عناصر فرقة القدس والحزب كانوا يقصفون خطأ من قبل المدفعية التابعة للحرس الجمهوري التي كانت موجودة في منطقة الغزالية، وهذا دليل على غياب التنسيق والارتباك.

ويؤكد المقدم الركن طه علي حسين الدوري انه على رغم القصف الجوي الأميركي الكثيف تمكنت قوات كبيرة من الحرس الجمهوري من البقاء قريبا من المواقع المحددة لها لحمايتها.
على الأقل كان هناك دافع واحد لهؤلاء، وهو الخلاص من الإعدام الذي كان عقوبة الهاربين من الخدمة مادام صدام في الحكم. ويشير المقدم الركن الدوري "أن قلة نسبية من جنود الحرس الجمهوري قتلوا في المعارك. بينما نجت القوات العراقية من القصف الجوي أساسا ببقائها بعيدا عن الدروع التي كان الطيارون الأميركيون يستهدفونها، وحين بدأ تقدم المدرعات الأميركية، كانت قوات الحرس الجمهوري في معظمها تهرب. الكثيرون منهم تصرفوا من تلقاء أنفسهم بدافع الخوف والحرص على السلامة". ويضيف: "ما حدث صدمني. لقد سمعنا عن المقاومة التي أبدتها قوات الجيش النظامي في البصرة، ولهذا كنا واثقين من إننا نحن الحرس الجمهوري سنكون أكثر شدة في مواجهتهم. لكننا لم نقاتل. أشعر بالخجل مما حصل".

المشهد العام جنوب بغداد يحمل الأدلة على أن القتال لم يحدث أبدا، فعلى جوانب الطرقات ظلت لأسابيع بعد سقوط بغداد تنتشر آلاف الدشم والخنادق والمواقع المحاطة بأكياس الرمل، وكلها منشأة حديثا وموجهة قبالة الجنوب. وبمعاينتها يتضح أن معظمها لا يحتوي على طلقة فارغة أو علامات التعرض لرصاص أو أية إشارة على حدوث قتال.

غير أن أكثر من ضابط في الحرس الجمهوري قال: إن الجنود كانوا يؤمرون فعليا بهجر مواقعهم. ويقول أحدهم رافضا الإفصاح عن اسمه: "رأيت بأم عيني مجموعة من الضباط الكبار وهم يتنقلون من وحدة إلى أخرى طالبين منها ترك مواقعها والتخلي عن سلاحها والذهاب إلى البيوت". وقال إنه "رأى وسمع أيضا عقداء ومقدمين يطلبون من جنود المضادات الجوية التوقف عن إطلاق النيران ضد طائرات العدو".

(عصام العامري-"ايلاف") حقيقة ما جرى ما بين 3 و9 نيسان 2003 في بغداد بات أحجية غير مفهومة... فحوله كثرت التساؤلات، وتعددت التكهنات والشائعات... وما قيل إلى الآن عن أحاجي سقوط بغداد برز من خلال تقارير غربية ظلت في مجملها ناقصة ولا يستدل منها على حقيقة ما جرى في الوقت الذي يبدو فيه الطرف الأميركي كما هو واضح يمتنع عمدا قول الحقيقة.

ضابط كبير في الحرس الجمهوري العراقي المنحل إلتقيته وحاولت أن استوضح منه عن حقيقة ما جرى، فأدلى بروايته وكشف عن السر الذي أربك قوات الحرس الجمهوري والحرس الخاص ودعاهما للانسحاب. وبين هذا الضابط الذي شدد على ضرورة عدم ذكر اسمه ملابسات تفاصيل هذه الأيام والتي تلاها السقوط السريع والمدوي لبغداد.

و بدأ الضابط الكبير حديثه بالقول، إنه بعد أسبوع واحد على بدء العمليات العسكرية ومع الصعوبات الواضحة التي واجهتها القوات الأميركية والبريطانية في البصرة وأم قصر وسوق الشيوخ والناصرية. وعلى إثر ذلك تم فرز أعداد قليلة من القوات الأميركية لمشاغلة القوات العراقية في مناطق الكوت والنجف وكربلاء فيما اندفع الثقل الأساسي من فرقة المشاة الثالثة والفرقة المحمولة جوا "الفرقة 101" باتجاه غرب بغداد في محاولة لاستدراج الفرق المدرعة للحرس الجمهوري إلى معركة دروع صحراوية يكون اللاعب الرئيسي فيها الطيران لتدمير الدبابات العراقية في العراء. وعندما لم تنجر القيادة العراقية إلى فخ المنطقة الصحراوية الذي نصب لها، قررت القيادة الأميركية القيام بعملية للسيطرة على مطار بغداد الدولي باستخدام وحدات من الفرقة 101 التي أنزلت بطائرات مروحية في المطار في حين تقدمت أرتال مدرعة من اتجاه الشمال الغربي والغرب والجنوب الغربي لكي تلتقي بالقوات التي أنزلت في المطار. وفشلت هذه الخطة وأبيدت طلائع القوة الأميركية عصر الخميس في 3 نيسان وتراجعت الأرتال المدرعة من دون أن تحقق أي لقاء بها. وحيت جماهير بغداد ليلتها منتسبي الفوج الثالث من الحرس الجمهوري الخاص حين مرت في شوارع بغداد شاحنات تحمل أعداد الأسرى والجرحى من الأميركيين.

التعليقات