العربي: مفاوضات السلام ولدت ميتة وسأزور رام الله وتل أبيب

نشرت صحيفة "الشروق" المصرية لقاءً مطولاً، اليوم، مع وزير الخارجية المصري، نبيل العربي، استعرض فيه رؤيته للسياسة الخارجية المصرية في ما يتعلق بفلسطين وإسرائيل والسودان وإيران وأفريقيا وغيرها.

العربي: مفاوضات السلام ولدت ميتة وسأزور رام الله وتل أبيب

نشرت صحيفة "الشروق" المصرية لقاءً مطولاً، اليوم، مع وزير الخارجية المصري، نبيل العربي، استعرض فيه رؤيته للسياسة الخارجية المصرية في ما يتعلق بفلسطين وإسرائيل والسودان وإيران وأفريقيا وغيرها.

وقال الصحيفة إنه عندما وصل العربي إلى مكتبه المطل على النيل بمبنى وزارة الخارجية بعد وقوع ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام مبارك، وجد نفسه أمام مهمة مضاعفة، الأولى، وربما هي الأصعب، تتعلق بإعادة صياغة السياسة الخارجية لمصر في مرحلة ما بعد الثورة لتكون متوائمة مع ما وصفه فى محاضرة عشية ترشحه لمنصب وزير الخارجية فى مطلع مارس الماضي بـ«استعادة الروح المصرية» ومع ما يراه العربي نفسه وما تحدث به كثيرا قبل توليه الوزارة عن ضرورة تبوُّء مصر مكانة إقليمية لائقة بدورها وتاريخها.

أما 

المهمة الثانية متعلقة بالتعامل السريع مع ملفات حيوية لا تحتمل الإرجاء أو التردد، بما في ذلك الوضع في الأراضي الفلسطينية، خصوصا قطاع غزة، والوضع في السودان بعد استفتاء تقسيم البلد الأفريقي الأكبر إلى بلدين، ووضع مصر الإقليمي إجمالا، وقبل كل ذلك ملف شائك تتشارك فيه الخارجية المصرية بكل خبراتها العريقة مع جهات أخرى فى الدولة وهو ما يعرف بملف مياه النيل ــ أي حصة مصر السنوية من مياه النيل والتي كانت مستقرة لسنوات وأثير حولها لغط فى العامين الأخيرين مع مطالبة بعض دول المنبع، خصوصا إثيوبيا التى تمد مصر بالجزء الأكبر من الحصة سنويا، بتقليل هذه الحصة.



إلى جانب هذا وذاك، فإن العربي وصل مكتب وزير الخارجية بالدور الثاني بعد أن أدى القسم الدستوري في السادس من مارس ليجد في انتطاره ــ إلى جانب الكثير من الترحاب والتقدير المرتبط بقيمته الدبلوماسية والقانونية الرفيعة ــ العديد من الشكاوى حول أحقيات فى النقل فى الحركات الدبلوماسية وما إلى ذلك.




جدل الجولة الخليجية



متحدثا لـ«الشروق» من مكتبه بمقر وزارة الخارجية، يقول العربي إن هناك آفاقا تتفتح لتأكيد دور مصر الإقليمي والدفع بسياسات التعاون وحسن الجوار على نطاق واسع بما يحفظ مصالح مصر ويتوازن مع مصالح الدول الأخرى على حد سواء. ويؤكد أن الاتصالات التي أجراها خلال ما يقارب الشهرين منذ توليه مهمة حقيبة الخارجية تؤكد أن هناك فرصة لمصر ليس فقط لتحسين علاقتها ولكن أيضا للقيام بدور رائد فى القضايا الرئيسية. ويصر العربي ــ فى رده على سؤال من «الشروق» حول حقيقة الجدل الدائر عن علاقة مصر مع دول الخليج وما تردد من توتر وقع فى هذه العلاقات خصوصا مع المملكة السعودية بسبب رفض القاهرة إيقاف محاكمة مبارك ــ على أن هذه التكهنات ليس لها نصيب من الصحة وأن تأجيل زيارة كان من المقرر أن يقوم بها رئيس الوزراء عصام شرف إلى عدد من دول الخليج التى كانت مقررة الأحد إنما يرجع إلى التزامات داخلية على رئيس الوزراء أن يضطلع بها على وجه السرعة إلى إعادة ضبط جدول الزيارة فى ضوء الالتزامات المتباينة لعدد من المسؤولين في الدول المشمولة بالجولة الخليجية وهي المملكة السعودية وقطر والإمارات والكويت والتي «أبدت كلها الاستعداد التام والاهتمام الشديد لمصر في المرحلة الحالية».






العلاقات مع إيران



من ناحية أخرى، ينفي العربي أن تكون هناك حساسية خليجية مبالغ فيها بالنظر إلى ما أعلنه عن توجه مصر لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بشأن إيران في وقت ما زالت فيه دول الخليج المجاورة لإيران تعرب فيه عن هواجس بعضها سياسي وبعضها أمني حول المواقف التى تتخذها طهران إزاءها.



ويقول وزير الخارجية إن مصر تفتح صفحة جديدة مع جميع الدول وإن كانت لم تقرر بعد رفع العلاقات دبلوماسية مع إيران لتكون شأنها في ذلك شأن دول الخليج العربي ذاتها، وأن أي تقارب يقوم بين القاهرة وبين أي عاصمة أخرى لا يمكن أبدا أن يأتي انتقاصا من التزام مصر بدعم القضايا والحقوق العربية، مشيرا إلى أن هذا الموقف واضح وبلا أي لبس أمام دول الخليج.



فى الوقت نفسه، يقول العربي إنه يعتزم لقاء نظيره الإيراني الشهر المقبل على هامش أعمال مؤتمر لوزراء خارجية دول عدم الانحياز، وأن هذا اللقاء سيكون فرصة لنقاش حول الخطوات المقبلة فى العلاقات بين البلدين.




شمال السودان وجنوبه



ينتقل الحديث مع وزير الخارجية المصري إلى ما يوصف بالمسؤولية الملحة أمام الدبلوماسية المصرية لتدعيم وتقوية الأواصر «التاريخية والأزلية» للعلاقات مع السودان وتجاوز ما يمكن أن يكون قد علق بها من سوء تفاهم «لفتح صفحة جديدة» مع السودان الجديد بشماله وجنوبه.



ويشدد وزير الخارجية على أن الزيارة التى قام بها رئيس الوزراء لشمال وجنوب السودان في السابع والثامن والعشرين من الشهر الماضى أكدت رغبة قوية لدى الشماليين والجنوبيين على حد سواء بتقوية وتوسيع مجالات التعاون مع مصر والتي شهدت احتفاء واضحا بالوفد المصري الذي ترأسه عصام شرف وضم عددا من الوزراء المصريين من بينهم وزير الخارجية نفسه.

وقال العربي: «من المطار إلى الفندق اصطف علي جانبي الطريق مواطنون سودانيون يحملون الأعلام ويهتفون لمصر وهذا أمر لم يحدث منذ زيارات عبدالناصر للسودان».



ويضيف العربي أن وفدا من كبار المحامين الذين التقاهم خلال زيارة قام بها الوفد المصري للخرطوم أكدوا له الحرص الكبير في إطار المجتمع المدني السوداني على تجسير التقارب مع مصر «بل إن نقيب المحامين أكد لي أنه إذا ما كان هناك من مطلب سوداني ملح على مصر فهو يتعلق بالوحدة بين الشعبين الشقيقين».

ويضيف «أن هذا يمثل مدى عمق وقوة العلاقات بين شعبي وادي النيل».

ويلفت العربي على الفور، ومن دون أن ينتظر سؤال «الشروق»، إلى أن القدر نفسه «من المشاعر الطيبة تجاه مصر الرغبة نفسها في تدعيم العلاقات» بدت واضحة في جوبا كما فى الخرطوم.

وقال: «في جوبا بالفعل لمسنا تأثير القوة الناعمة لمصر حيث وجدنا أن 6 من أصل 11 من وزراء جنوب السودان قد درسوا وتخرجوا فى جامعات مصرية بما في ذلك جامعة القاهرة وجامعة الإسكندرية وجامعة الزقازيق». 

وبحسم يؤكد العربي أن «التفاهم تم على رفع التنسيق»، مشيرا إلى أن آفاق التعاون المستقبلي ستكون محل دراسة «خلال أيام عندما يقوم وزير خارجية السودان بزيارته» المرتقبة للقاهرة وذلك فى غضون الشهر نفسع الذى قام فيه وزير الدولة للشؤون الخارجية السودانى بزيارة للقاهرة.



ويشير وزير الخارجية أيضا إلى أنه من دلائل العزم المصري على إعطاء المزيد من الاهتمام للعلاقات مع السودان القرار الذي تم تنفيذه منذ أيام قلائل بترفيع منصب مدير إدارة السودان إلى مساعد وزير الخارجية لشؤون السودان في خطوة قد تبدو للبعض بروتوكولية ولكنها فى الواقع لها دلالة رمزية مهمة حيث إن مساعدي الوزير فى وزارة الخارجية يعملون فى نطاق واسع يغطي القارات بأكملها.




البشير والمحكمة الجنائية



ولكن أليس من تعارض بين رغبة مصر تقوية وتطوير علاقاتها مع السودان وعزمها المضي قدما الانضمام إلى اتفاقية روما المؤسسة لعمل المحكمة لجنائية الدولية التي تطالب تسليم الرئيس السوداني عمر البشير جراء اتهامات موجهة إليه بارتكاب جرائم ضد الانسانية في دارفور؟.

يقول العربى إنه لا يوجد تعارض لأنه في حال انضمام مصر للمحكمة الجنائية الدولية فهي لا تصبح ملزمة بالضرورة بتسليم الرئيس السوداني، لأن النظام الأساسي للمحكمة وحسب المادة 98 تسمح للدول المنضمة لها أن توقع اتفاقات ثنائية بعدم التسليم وهو ما فعلته، حسبما يذكر وزير الخارجية، الولايات المتحدة الأمريكية مع العديد من الدول ــ ذلك إلى جانب تحفظ يبديه الوزير، صاحب الخلفية القانونية الرفيعة التي أهلته للانضمام لمحكمة العدل الدولية لخمس سنوات على بعض المواد المنظمة لعمل المحكمة الجنائية الدولية التى تبيح لمجلس الأمن، أن يكون صاحب القرار فى إحالة حالات إلى المحكمة الجنائية الدولية ووقف إجراء حالات بصورة مسيسة لا يراها متوافقة مع القواعد القانونية الدولية المقبولة.




تخفيف المعاناة عن غزة



وبالإلتزام ذاته، وربما أيضا التفاؤل الذى يتحدث به العربي، حول مسؤولية مصر لتطوير العلاقات مع السودان، يشير أيضا إلى الالتزام إزاء الإسهام فى تخفيف المعاناة الإنسانية عن أبناء الشعب الفلسطيني المحاصر من قبل إسرائيل في غزة والعمل كذلك ومن دون إبطاء نحو دعم المصالحة الفلسطينية بأقصى سرعة.



ويقول العربي إن «الحكومة المصرية الجديدة جاءت لتواجه معاناة غير انسانية للشعب الفلسطينى في غزة وهي المعاناة الناجمة بالأساس عن الاحتلال الإسرائيلي ومخالفة الاحتلال لمسؤولياته حسب اتفاقية جنيف الرابعة». 



ويضيف أن إسرائيل التى تعلن عن انسحابها من غزة مازالت تحاصر القطاع بما يجلب المعاناة وتفاقم الفقر لأبناء الشعب الفلسطيني بينما مصر، حسبما يؤكد العربي «لا يمكن أن تتجاهل هذا الوضع الإنساني فى غزة» ليس فقط لأنها تحترم مسئولياتها المقررة بمقتضى القانون الدولي ولكن أيضا لأنها لا يمكن أن تتخلى على مسئولياتها إزاء «الشعب الفلسطيني الشقيق».



وقال: «مصر ترى أن عليها أن تقوم بما يلزم لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني الشقيق في غزة»، وأضاف «أنه ربما يشهد الأسبوع المقبل بعض الخطوات التى تهدف للإسهام في رفع المعانة عن الشعب الفلسطيني» وذلك بعد أن تتنهي الجهات المصرية المعنية، بما في ذلك الجهات الأمنية، من اتخاذ جميع الترتيبات اللازمة.




مؤتمر دولي للسلام



ولا يتردد وزير الخارجية المصري في أن يسارع بالإضافة إلى أن «ما يهم حقا هو العمل على إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية». ويضيف «إن الإطار العام الذى ينبغي أن يتم العمل فيه وبجدية هو حل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي بصورة نهائية حلا يتفق مع قواعد العدالة الدولية وما يحقق الأمن والسلام لجميع دول المنطقة بما في ذلك إسرائيل وفلسطين ومصر وباقي دول المنطقة».



ويؤكد العربي أن الدبلوماسية المصرية تعمل لتحقيق هذا الهدف من خلال الإعداد لدبلوماسية جادة وفاعلة تتجاوز مفاوضات السلام بالشكل الذس أديرت به خلال السنوات الأخيرة والتس لم تؤد إلى شيء بل أصبحت هي وليس السلام محط الاهتمام والعمل.

وبحسب وزير الخارجية فإن «ما يطلق عليه عملية السلام قد ولدت ميتة وليس من سبيل لإحيائها والحل يكمن فى اتخاذ منحى جديد». 

المنحى الجديد الذى يراه العربي واجبا هو مؤتمر دولي يسمح بالتفاوض نحو اتفاقية للسلام، مشيرا إلى أن أي مؤتمر قادم يجب أن يأخذ فى الاعتبار أخطاء الماضي فى التعامل مع ملف النزاع العربي - الإسرائيلي تفاديا لتكرارها.

وقال: «يجب على العالم أن يعود للنظر في تاريخ التعامل مع النزاع ليرى أن هذا التاريخ يؤكد أن كل خطوة حقيقية وملموسة جاءت من خلال مؤتمر محدد الاهداف بما في ذلك اتفاقية الهدنة فى رودس في 1949، واتفاقات فض الاشتباك في السبعينيات وكذلك كامب ديفيد».



ويضيف: «لذلك يجب أن يكون الهدف هو عقد مؤتمر دولي لإنهاء النزاع بصفة نهائية بعيدا عن الدخول في طرق المفاوضات اللانهائية التى تصاب حتما بالجمود التام، بل يجب ان يكون الهدف هو اعلان الدولة الفلسطينية قبل نهاية العام الحالي وهو الهدف الذى أشار إليه الرئيس الأمريكى باراك أوباما».




الدولة الفلسطينية



ويلفت وزير الخارجية النظر في هذا الإطار إلى تزايد الادراك الدولي لحتمية قيام الدولة الفلسطينية، مشيرا إلى أن هناك 137 دولة اعترفت بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم بما في ذلك دول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، حسبما تشير الصحف إلى ذلك.

وفيما يقول العربي إن المناقشات والمداولات التى ستشهدها الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر بنيويورك ستكون حاسمة في هذا الشأن، يشير أيضا إلى جهود دبلوماسية تنوي مصر القيام بها بما في ذلك اتصالات وزيارات سيجريها الوزير نفسه فى القريب مع مسئولين أمريكيين وإسرائيليين قد تشمل زيارات مقبلة لواشنطن وتل أبيب، لأن «وزير الخارجية المصرى عليه الذهاب لأي مكان في سبيل العمل الجاد على التوصل لاتفاقية عادلة ونهائية تؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية».



ويؤكد العربي أن الدبلوماسية المصرية تعمل الآن نحو أهداف تتعلق بتأكيد ضرورة العمل على إنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي هذا العام وتعظيم الجهود الهادفة لضمان اعتراف مزيد من الدول بالدولة الفلسطينية والسعى نحو عقد مؤتمر دولي فى أقرب فرصة تحت مظلة الأمم المتحدة وربما برعاية أمريكية. ولكن العربي يستدرك بسرعة ليقول إن الطريق إلى المؤتمر الدولى المأمول يجب أن يسير فيه وفد فلسطيني واحد، فلا يمكن من وجهة نظره أن يستمر الانقسام الفلسطيني بينما العمل جار لضمان الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مشيرا في هذا الصدد إلى اعتزام قيامه بزيارة قادمة لرام الله للدفع بجهود تحقيق المصالحة الفلسطينية بين حماس وفتح، مشيرا إلى تأكيدات وتعهدات تلقاها من السلطة الفلسطينية للتعاون نحو دفع المصالحة الوطنية الفلسطنيية.




ثورات العرب



ولا يرى العربي أن أجواء الثورات العربية الحالية يمكن أن تؤثر سلبا على فرص تحقيق السلام الفلسطيني الإسرائيلي، لأنه يرى أن وقت تحقيق السلام قد حان وأن المطالب بتحقيق الديمقراطية لا تعرقل الدعوة لإقامة الدولة الفلسطينية وإحلال السلام.

فى السياق ذاته يرفض العربي مرة تلو الأخرى التعليق على تطورات تجرى في ليبيا أو سوريا أو غيرها من البلدان العربية التي يرتفع فيها النداء بمزيد من الديمقراطية، وتأتي إجابته متكررة أن «مصر لا تتدخل فى الشؤون الداخلية لأي دولة عربية» وأن حرص مصر على العلاقات العربية قائم ولا يمكن ان يمس به شيء.




أمين عام الجامعة العربية



فى الوقت نفسه يبدو العربي واثقا من أن الدول العربية كلها تبادل مصر هذا الحرص لأنه ــ وبالرغم من تحفظات أبديت في العلن أو في الغرف المغلقة للمشاورات الدبلوماسية، حول ترشيح مصر لمصطفى الفقس امينا عاما لجامعة الدول العربية ــ مازال يصر على أن «مصر مازالت تأمل أن يتم التوافق على انتخاب المرشح المصسى مصطفى الفقى». ولا يدلف العربي إلى احتمالات عدم سحب قطر لمرشحها عبدالرحمن العطية، أمين عام مجلس التعاون الخليجي السابق، ولا لاحتمالات عدم حصول الفقي على ثلثي أصوات الدول الأعضاء في الجامعة العربية، ويكتفي بالقول إن الاتصالات والمشاورات مستمرة.

التعليقات