انتخابات الجزائر: الماضي الدموي والثروة النفطية يحفظان الوضع القائم

ربما يلتمس المرء العذرلأمين كرشاش فيما يشعر به من غضب لأنه لم يستفد شيئا من ثروة الغاز في الجزائر إذ يعيش هو وزوجته الشابة وأطفالهما الثلاثة في بيت بسيط أشبه بالكوخ بأحد الأحياء الفقيرة في العاصمة.

انتخابات الجزائر: الماضي الدموي والثروة النفطية يحفظان الوضع القائم

ربما يلتمس المرء العذرلأمين كرشاش فيما يشعر به من غضب، لأنه لم يستفد شيئا من ثروة الغاز في الجزائر إذ يعيش هو وزوجته الشابة وأطفالهما الثلاثة في بيت بسيط أشبه بالكوخ بأحد الأحياء الفقيرة في العاصمة. لكن بعد انتظار سنوات للحصول على شقة سكنية جديدة من الدولة فإن ذكرياته عن الحرب الأهلية الدموية وحلم الاستفادة من سخاء الدولة مبررات قوية بما يكفي لمواصلة الانتظار.

وفي حين أن مشاعر الاحباط في مصر وتونس وليبيا وسوريا كانت سببا في قيام انتفاضات الربيع العربي عام 2011، فإن الوضع في الجزائر مختلف إذ أن الاستقرار مقدم على مشاعر الغضب إزاء البطالة والمشاكل الاقتصادية في نظام يقول منتقدوه أنه لم يشهد تغيرا يذكر منذ استقلال البلاد عام 1962.

والجزائريون، أمثال كرشاش، يوضحون سبب ترجيح إعادة انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الانتخابات التي تجري يوم الخميس بأصوات من يرون فيه رمزا لانفاق الدولة وضمانة للأمن في بلد مازال يعاني من جراح الحرب الاهلية في التسعينات.

وبعد عام من إصابته بجلطة، يبدو أن بوتفليقة لا يواجه تحديًا يذكر يحول دون فوزه بولاية رابعة، بعد أن أمضى على رأس هرم السلطة في البلاد 15 عامًا، رغم أنه لم يتحدث في مناسبات علنية إلا نادراً منذ مرضه وسفره إلى باريس للعلاج، حيث قضى ثلاثة أشهر في المستشفى. ولا تزال الحرب الجزائرية التي ارتكب فيها متطرفون اسلاميون مذابح وسقط فيها أكثر من 200 ألف قتيل جرحًا غائراً في نظر كثير من الجزائريين، حتى بعد مرور عشر سنوات على انتهائها، وهي ذكريات لا تزال حديثة نسبيًا بما يكفي لبقاء الإحساس بعدم وضوح الصورة.

وقال كرشاش، الذي يعمل حارسا في مشرحة بمدينة هزتها الحرب: "ما شهدته في ذلك الوقت لا أريد أن أشاهده ابداَ مرة أخرى. أنا لا أقول إنّ كل شيء على ما يرام هنا. توجد مشاكل. فهل يكفي (ما لدي)؟ لا. لكنه شيء أفضل من لا شيء".

وعزف حلفاء بوتفليقة وأنصاره على نغمة ذكريات التسعينات في كل فرصة خلال الحملة الانتخابية، التي لم يظهر فيها الرئيس نفسه سوى لمرات وجيزة في التلفزيون وهو يستقبل بعض الشخصيات الزائرة، لكنه لم يحضر أي مؤتمر انتخابي بنفسه. وربما تكون نتيجة انتخابات الخميس تحصيل حاصل لكثير من الجزائريين، لكن ما سيحدث بعد 17 ابريل - نيسان موضع متابعة عن كثب من جانب حكومات غربية ترى في الجزائر شريكًا في الحملة على التشدد الاسلامي في شمال أفريقيا.

وفي ضوء الأزمة الأوكرانية التي تهدد إمدادات الغاز الروسية، ازدادت أهمية الكيفية التي ستدير بها الجزائر انتاج الطاقة الثابت حاليًا والطلب على جولة استكشافات جديدة. وتزود الجزائر أوروبا بخُمس وارداتها من الغاز. ويقول مراقبون إنّ  الحياة السياسية في الجزائر يديرها من وراء الستار نخبة جبهة التحرير الوطني وكبار قادة الجيش الذين يرون في أنفسهم حماة الاستقرار.

ويقول خصوم بوتفليقة إنّ الرئيس أضعف من أن يدير البلاد. وقد قاطعت عدة أحزاب النظام الذي ترى أنه فاسد ويميل لصالح بوتفليقة الذي فاز بنسبة 90 في المئة من الأصوات في عام 2004، و85 في المئة في انتخابات 2009.

وبتأييد جبهة التحرير الوطني والأحزاب المتحالفة معها والاتحادات العمالية والجيش يتوقع أن يخرج بوتفليقة من الانتخابات فائزاً. ويقول حلفائه إنه بحالة تسمح له بحكم البلاد.

لكن الحالة الصحية لبوتفليقة البالغ من العمر 77 عامًا تثير تساؤلات بشأن مستقبل الجزائر، وتغذي ما يتردد عن فترة انتقال سياسي خلال ولايته الرابعة ومزيداً من التشاحن بين مراكز القوى. وقال رئيس وزرائه السابق عبد المالك سلال لرويترز: "الهدف الوحيد من (وجود) الرئيس هو تحقيق السلام والأمن للبلاد. فهذا أهم من أي شيء آخر".

التوترات الاجتماعية

وما زال بوسع الجزائر التي تبلغ احتياطياتها الخارجية نحو 200 مليار دولار، أن تزيد الإنفاق بما يخفف من حدة التوترات الاجتماعية مثلما فعل بوتفليقة عام 2011، لتحاشي امتداد موجة الربيع العربي إلى بلاده. ويعد نقص الوحدات السكنية والبطالة والمشاكل السياسية مزيجًا قابلاً للاشتعال، لكن الاحتجاجات في الجزائر تميل إلى التركيز على مشاكل المجتمعات المحلية.

وفي عام 2011 زادت الجزائر الإنفاق في ميزانيتها بنسبة 25 في المئة مع التركيز على زيادة الأجور للعاملين في القطاع العام، وذلك في أعقاب أعمال شغب بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية. ومن المقرر أن يصل الإنفاق العام في 2014 إلى 98 مليار دولار بزيادة 11.3 في المئة عن العام الماضي. ويوجه جانب كبير من الإنفاق لدعم أسعار السلع والخدمات. ويزيد الدعم في 2014 بمبلغ 1.35 مليار دولار ليصل إلى 22 مليار دولار. ويمثل الإنفاق على السلع الغذائية الأساسية 12.8 في المئة من إجمالي الانفاق. ويتيح أحد برامج الدولة قروضًا للشباب لبدء مشروعاتهم كأحد الوسائل لمكافحة البطالة بين الشباب.

وقال محمد مكيدش، الذي أقام مركزا للعلاج الطبيعي في العاصمة: "سيكون من الغباء ألا تستفيد من المشروع. سأكون صادقا. أنا مع بوتفليقة. فقد قدم لي قرضا رغم أنني لن أمنحه صوتي لانه ليس بخير".

ويشكك البعض في المدى الذي يمكن أن يستمر عليه سخاء الدولة. فحتى الحكومة نفسها تعترف بضرورة الاصلاح. ويقول صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إن الجزائر عرضة للتأثر بانخفاض أسعار النفط العالمية في المدى الطويل. لكن رئيس الوزراء السابق، سلال، قال إن الحكومة تتوقع أن تبقى أسعار النفط أعلى من 75 دولاراً للبرميل في السنوات القليلة المقبلة على الأقل، وأضاف: "نحن لا نهدر أموالنا. نحن نساعد شبابنا، وسنواصل ذلك في المستقبل، سنواصل مساعدتهم على بدء مشروعاتهم."

وتتضمن شروط جولة عروض التنقيب الجديدة هذا العام خيارات تشمل الغاز الصخري وهو ما قد يفتح الباب لزيادة الانتاج. لكن الشركات قلقة بسبب التكاليف والأمن بعد الهجوم الذي وقع العام الماضي على محطة للغاز وقتل فيه 40 عاملا.

لا خصوم

وفي الوقت الراهن لا يتوقع الدبلوماسيون والمحللون تغيراً يذكر ما لم تواجه الجزائر مشاحنات سياسية وأزمة اقتصادية ومعارضة أكثر فاعلية في آن واحد. وقال دبلوماسي: "الجزائريون لا يتطلعون فعلاً إلى تغيير شامل، بل يتطلعون فقط لمزيد من حرية التعبير عن الرأي".

فحتى إبداء مشاعر الاحباط علانية بسبب التغيير السياسي والاقتصادي على ندرته يبلور المشاكل التي تواجهها قيادات المعارضة الجزائرية في مواجهة بوتفليقة. في أحد شوارع العاصمة نظم عشرات من المحتجين هذا الشهر اعتصاما ورددوا هتافات تطالب بعدم انتخاب بوتفليقة وتحدوا حظرا على الاحتجاجات في العاصمة.

أحاط رجال الشرطة والأمن السري بأعضاء الحركة الجديدة التي يطلق عليها بركات وهي كلمة باللهجة المحلية تعني كفى وهم يرفعون اللافتات ويرددون أناشيد ويلقون خطبا فيما كان المارة يمضون في طريقهم والسائقون يحدقون فيهم باستغراب بل وهتف أحدهم "تحيا جبهة التحرير الوطني."

وبعد أن كانت الشرطة تحتجزهم في البداية، سمحت لهم مؤخراً بتنظيم مظاهراتهم لكن أعدادهم لم تتجاوز قط 100 في العاصمة الجزائرية.

ويقول زعماء المعارضة إن الوقت حان لجيل بوتفليقة أن يترك الساحة لغيره، لكنهم منقسمون ويفتقرون إلى ما يجذب الجماهير إليهم. ولا يبالي جيل الشباب بالسياسة ويشعر بالانفصال عن جيل القادة المخضرمين.

وقد وحدت عدة أحزاب منها حركة مجتمع السلم والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية جهودها للدعوة إلى مقاطعة الانتخابات على أمل النيل من شرعيتها. وقال عبد الرزاق مقري، زعيم حركة مجتمع السلم :"هذه الانتخابات لا تتيح أي فرصة لتغيير حقيقي أو للاصلاح السياسي. فهذه مسرحية انتخابية".

لكن حتى أبرز مرشحي المعارضة وهو علي بن فليس، حليف بوتفليقة السابق، يسلم بأن المعركة في غاية الصعوبة، وقال:: "الناس قالوا لي إنه لا طائل من الترشح، ويقولون إن اللعبة انتهت بالفعل، وردي هو هل الجزائر في سلام وهل هي هادئة وهل هي متقدمة؟".

ومع ذلك فإن الدعوة للتغيير في الجزائر محفوفة بالمخاطر لخصوم بوتفليقة الذين اتهمهم الرئيس بإثارة القلاقل. وهذه الرسالة تلقى صدى في الحي الذي يقيم فيه كرشاش حيث يهتم الناس أكثر بتعهد الدولة بانفاق 60 مليار دولار على مشروعات سكنية جديدة في السنوات الخمس المقبلة. وقال كرشاش: "الفوضى ليست هي الحل. نحن نعرف كل شيء عن المواجهة وجربنا ذلك من قبل. وكل ما نريده الآن حلولا للمشاكل".

التعليقات