جدل المساواة في الميراث يستعر بالمغرب

لم تمر توصية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب، بتعديل القوانين لضمان المساواة بين الرجال والنساء في الإرث، دون أن تثير جدلًا كبيرًا في أوساط المجتمع.

جدل المساواة في الميراث يستعر بالمغرب

تشهد الساحة المغربية حراكات سياسية عديدة (أ.ف.ب)

لم تمر توصية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب، بتعديل القوانين لضمان المساواة بين الرجال والنساء في الإرث، دون أن تثير جدلًا كبيرًا في أوساط المجتمع.

وفي تقرير له بعنوان "وضعية المساواة والمناصفة بالمغرب، صون وإعمال غايات وأهداف الدستور"، عرضه، الثلاثاء الماضي، في مؤتمر صحفي بالعاصمة الرباط، أوصى المجلس بـ"تعديل مدونة الأسرة (قانون الأسرة) بشكل يمنح المرأة حقوقًا متساوية مع الرجل فيما يتصل بانعقاد الزواج وفسخه، وفي العلاقة مع الأطفال، وكذا في مجال الإرث".

واعتبر أن المقتضيات القانونية "غير المتكافئة" المنظمة للإرث، تساهم في الرفع من هشاشة وفقر الفتيات والنساء.

وبنى المجلس موقفه على الفصل الـ19 من الدستور المغربي، الذي ينص على أنه "يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في الدستور، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها".

وكذلك بنى موقفه على المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي صادق عليها البرلمان في مايو/ آذار الماضي.

موقف لم يكن ليمر دون أن يثير الكثير من الجدل بين من يوصفون بـ"الحداثيين"، الداعين إلى المساواة الكاملة في الإرث، وبين الإسلاميين، والعلماء، وقطاعات عريضة من المغاربة الذين يعتبرون أحكام الإرث من قطعيات وثوابت الدين الإسلامي، الذي ينص الدستور على كونه دين الدولة الرسمي، ولا يمكن مراجعتها.

فقد انبرى حزب "الاتحاد الاشتراكي" اليساري المعارض، للدفاع عن موقف المجلس، وقال في بيان له، الخميس، إنه "ينوه بتقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول المناصفة والمساواة بين المرأة والرجل"، واعتبره "تجاوبًا مع توصيات المؤتمر السابع للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات".

في مقابل ذلك، قال حزب العدالة والتنمية، في بيان له، الخميس الماضي، إن هذه التوصية "دعوة غير مسؤولة، تتضمن خرقًا سافرًا لأحكام الدستور، وتتعارض تعارضًا بيّنًا مع أحكامه، وخاصة مضمون الفصل 19 نفسه الذي تحيل عليه التوصية المذكورة".

وأضاف الحزب أن "الفصل المذكور يؤطر المساواة بين المرأة والرجل ضمن أحكام الدستور نفسه والثوابت الدينية والوطنية للمملكة".

موقف العدالة والتنمية لم يقف عند هذا الحد، بل اعتبر توصية المساواة في الإرث "تجاوزًا لمؤسسة إمارة المؤمنين ومنطوق الخطاب الملكي السامي في افتتاح السنة التشريعية لسنة 2003، الذي أكد فيه جلالة الملك أنه بوصفه أميرًا للمؤمنين ’لا يمكن أن يحل ما حرم الله أو يحرم ما أحل الله’، مشددًا على أن هذه التوصية "تفتح جدلًا عقيمًا حول مواضيع تنظمها نصوص قرآنية قطعية الثبوت والدلالة كموضوع الإرث".

وفي هذا الصدد، اعتبر رئيس حركة التوحيد والإصلاح، عبد الرحيم شيخي، الذراع الدعوي للحزب الحاكم، إن أحكام الإرث "أمر محسوم من الناحية الشرعية قديمًا وحديثًا، وفي المذهب المالكي، (المذهب الرسمي بالمغرب)، ولا مجال لمراجعته".

وتابع بالقول إنه "كان من الأولى بالمجلس الوطني عدم الخوض في هذا الموضوع، وهو لا يتوفر على دراسات موضوعية تمكنه من إصدار مثل هذه الأحكام، الموكولة لمؤسسات دستورية أخرى".

ورأى شيخي أن قراءة المجلس الوطني لقضية الإرث والوقف "انتقائية وأيديولوجية، ولم تستحضر الدستور في شموليته والذي ينص على أن الالتزام بالاتفاقيات الدولية يكون في إطار الثوابت الوطنية والدين الإسلامي، وأن مطالبة المجلس بتعديل مدونة الأسرة، لا يجب أن يتعارض مع نص الدستور في فصله 175، على أنه لا يمكن مراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي والنظام الملكي للدولة".

أما نائب الأمين العام للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان (كبرى الجماعات الإسلامية بالمغرب) المعارضة، عمر أحرشان، فقد أخذ النقاش إلى مربع شديد الحساسية في البلاد، فتساءل قائلًا "لماذا سكت المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن الدعوة وجوبًا إلى تعديل الفصل 43 من الدستور الذي ينص على أن وراثة العرش تنتقل إلى الولد الذكر دون الأنثى؟ أليس هذا ضرب للمساواة والمناصفة حسب معايير المجلس؟".

 واعتبر أحرشان في تدوينة له على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن ما أسماه "سكوتًا" للمجلس عن هذه النقطة يجعل تقريره "سياسيًا بعيدًا عن الاعتبارات الحقوقية، ويجعل توصياته غير موضوعية، وغير مستحقة لنقاش عمومي"، وأن "صدور هذه التوصية بشكل انفرادي، وبدون تشاور مع جهات أخرى ذات اختصاص يطرح الاستغراب".

 وحذر من الانجرار وراء من "يريد إلهاء المغاربة عن قضايا أخرى ذات أولوية تُمَرَر خلال هذه الفترة".

واستبق المجلس العلمي الأعلى (مؤسسة رسمية للعلماء مختصة بالفتوى العمومية، يرأسها العاهل المغربي الملك محمد السادس) أي حديث عن تعديل أحكام الإرث، إذ قال في تقرير له، نشرته وسائل إعلام محلية، إنه "لا مجال للرأي في طلب التسوية بين الرجل والمرأة في الإرث، في الحالات المنصوص فيها، على التفاوت بينهما، كما ورد في الآية القرآنية ’يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين’، وغيرها، إذ لا اجتهاد مع وجود النص، كما هو مقرر في القاعدة الفقهية عند علماء الشريعة".

بل إن لحسن السكنفل، رئيس المجلس العلمي لمدينة تمارة (قرب الرباط)، قال إن "الإرث يدخل ضمن الأحكام القطعية"، معتبرًا أن "من يقول إن أحكام الإرث في الإسلام ليست قطعية فهو يكذب على الله"، وأن الدعوة إلى المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة "لا تستحضر النص الشرعي الذي يفصل في قضية الإرث تفصيلاً محكمًا، وقائمة على جهل فظيع بعلم المواريث".

ومن بين ما تنص عليه المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، أن الدول المصادقة على الاتفاقية تتخذ جميع التدابير اللازمة، للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية، وبوجه خاص علاقات المساواة بين الرجل والمرأة.

وبحسب المادة نفسها، تُعطَي هذه المساواة للمرأة، نفس الحق في عقد الزواج، ونفس الحقوق والمسؤوليات في أثناء الزواج وعند فسخه، وأيضًا نفس الحقوق والمسؤوليات كأم، بغض النظر عن حالتها الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالها، وكذا نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم.

وتأسس المجلس الوطني لحقوق الإنسان (حكومي) بعد اعتماد دستور 2011، وقبل إجراء الانتخابات التشريعية في العام نفسه، والتي بوأت حزب العدالة والتنمية الصدارة وقيادة الحكومة، ويضم المجلس شخصيات أغلبها من اليسار، ويتهمه الإسلاميون بإقصائهم من عضويته.

التعليقات