جماجم قادة المقاومة الجزائرية... في متحف فرنسي

من جديد، عاد إلى السطح الجدل الدائر حول الحقبة الاستعمارية الفرنسية للجزائر، التي استمرت عشرات السنين وانتهت في عام 1962، وما ارتبط بها من اتهامات من قبل منظمات حقوقية لباريس، بارتكاب جرائم عديدة بحق أبناء البلد العربي.

جماجم قادة المقاومة الجزائرية... في متحف فرنسي

1930 (أ ف ب)

من جديد، عاد إلى السطح الجدل الدائر حول الحقبة الاستعمارية الفرنسية للجزائر، التي استمرت عشرات السنين وانتهت في عام 1962، وما ارتبط بها من اتهامات من قبل منظمات حقوقية لباريس، بارتكاب جرائم عديدة بحق أبناء البلد العربي، لا سيما رجال المقاومة الجزائرية.

وما تداولته وسائل إعلام فرنسية، أمس، الأربعاء، حول وجود أكثر من 18 ألف جمجمة محفوظة في 'متحف الإنسان' بالعاصمة الفرنسية باريس، تعود لمواطنين جزائريين، قطعت رؤوسهم على يد الاستعمار الفرنسي، كان أبرز حلقة في هذا الجدل، وكشف عن حقائق أخفاها الاستعمار الفرنسي، وحاولت باريس غض الطرف عنها، وعدم الاعتراف بها منذ عشرات السنين، حسب مراقبين.

وذكرت هذه الوسائل الإعلامية، وفي مقدمتها 'فرانس 24'، أن 500 من تلك الجماجم تم التعرف على هوية أصحابها، من ضمنها 36 جمجمة تعود لقادة في المقاومة الجزائرية، قتلوا وقطعت رؤوسهم من قبل قوات الاستعمار الفرنسي للجزائر، في القرن التاسع عشر، ثم نقلت إلى العاصمة الفرنسية لدوافع سياسية و'أنتروبولوجية (متعلقة بعلم الإنسان)'.

ويعود أوّل اكتشاف لهذه الجماجم ولمكان تواجدها إلى عام 2011، إثر تحرّكات وأبحاث تاريخية طويلة قام بها المؤرخ الجزائري علي فريد بلقاضي، أثبت من خلالها الأخير وجود 36 جمجمة، حاليا، في متحف الإنسان بباريس، تعود لمقاومين جزائريين قادوا المقاومة في الفترة الفاصلة بين عامي 1830 و1870.

وذهب مراقبون إلى أن الحديث عن جماجم عدد من المقاومين الجزائريين، عاد إلى الواجهة من جديد، عقب سلسلة من العرائض التي تقدم بها عدد من المؤرخين سواء من فرنسا أو الجزائر، بينهم المؤرخين الجزائري إبراهيم السنوسي والفرنسي باسكال بلونشار.

قوات الاستعمار الفرنسي في الجزائر 1932(أ ف ب)

وقال المؤرخ الجزائري بلقاضي، 'حصلت على صور لتلك الجماجم إلى جانب بعض التفاصيل المطابقة بشكل كامل لأوصاف هؤلاء القادة، وقد كانت هذه أول خطوة للتعرف على مكان تواجد الجماجم'.

وتابع المؤرخ الجزائري بالقول، إن من بين الذين تم التعرف عليهم هناك جمجمة تعود للشيخ أحمد بوزيان، الذي قاد معركة الزعاطشة عام 1849، ضد الاستعمار الفرنسي، وأخرى لموسى الدرقاوي الذي قتل في نفس المعركة، كما وقع التعرف أيضا على جمجمة شريف بوبغلة، الذي تزعم القتال ضد الجيش الفرنسي في منطقة القبائل، وسط الجزائر، إضافة إلى كلّ من مختار التيطراوي وعيسى حمادي وبوعمر بن قديدة، وجميعهم من قادة المقاومة الجزائرية في تلك المرحلة.

واعتبر بلقاضي، أن المكان الطبيعي للجماجم هي الجزائر، وليس متحف الإنسان في فرنسا، داعيا إلى 'ضرورة إعادتها؛ لأن أصحابها ناضلوا من أجل قضية، ومن أجل تحرير أرضهم، ولذلك ينبغي دفنهم في بلادهم'.

من جانبه، أشار المؤرخ الفرنسي المهتم بالشأن الجزائري باسكال بلونشار، إلى أنّ 'هذه الجماجم وصلت إلى فرنسا لأنها كانت ترسل من قبل الجيش الاستعماري كمؤشّر انتصار على القوى المقاومة، لتتحول إثر ذلك إلى مادّة علمية استقطبت العديد من علماء الإنتروبولوجيا، علاوة على وجود سبب آخر، وهو أن رؤوس زعماء المقاومة كانت تقطع لتعلّق في المدن والساحات العامة كرسالة للجزائريين، مفادها قتلنا قادتكم'.

وأضاف بلونشار، أن 'الجماجم تنذر بأن عهد السكوت عن حقيقة ما وقع خلال الحقبة الاستعمارية في الجزائر ولّى ولن يعود'.

في المقابل، قال رئيس متحف الإنسان، ميشال غوري، في تصريحات إعلامية، إن 'تلك الجماجم تمثل قيمة أخلاقية كبيرة، حيث من الموكّد أن لأصحابها أولاد وأحفاد'.

وأشار إلى أن الجماجم 'لم توضع مع البقية المعروضة في المتحف لما لها من خصوصية ولما تثيره من جدل بين فرنسا والجزائر، ولهذا فهي محفوظة داخل قاعة مغلقة بعيدة عن العرض وأعين زوار المتحف'.

أما الأستاذ في جامعة سيرجي بونتواز في ضاحية باريس الغربية، إبراهيم السنوسي، الذي بادر في أيار/ مايو الماضي، بإطلاق عريضة تطالب بإعادة هذه الجماجم إلى الجزائر، جمعت أكثر من 30 ألف توقيع، فلفت في تصريحات إعلامية، إلى أنّ 'الهدف اليوم هو معرفة الحقيقة، أي معرفة ما الذي حصل بالفعل، والأجيال القادمة من حقها أن تعرف حقيقة التاريخ من أجل التقدّم'.

ودام الاستعمار الفرنسي للجزائر بين 1830 و1962، ويقول مؤرخون ومنظمات متخصصة، إن تلك الفترة شهدت جرائم قتل ضد الجزائريين من قبل القوات الاستعمارية، إلى جانب تهجير مئات الآلاف من السكان.

وتقول الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان (منظمة حقوقية مستقلة)، إن الاستعمار الفرنسي قتل 10 ملايين شخص خلال فترة تواجده بالجزائر.

وتطالب السلطات الجزائرية نظيرتها الفرنسية بالاعتراف بتلك الجرائم وتعويض الضحايا، لكن باريس تقول إنه 'يجب طي صفحة الماضي والتوجه نحو المستقبل'.

التعليقات