معركة الموصل: نقطة التقاء الفرقاء

بدأت معركة الموصل، إذن، بعد انتظار سكان المدينة سنتين ونيّف أن يخلّصهم أحد من المجازر المروّعة التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلاميّة داعش، من تهجير قسري طائفي وعنصري وقتل جماعي للمدنيين. لكن ذلك لا يعني اتفاق العراقيين على منهج واحد.

معركة الموصل: نقطة التقاء الفرقاء

بدأت معركة الموصل، إذن، بعد انتظار سكان المدينة سنتين ونيّف أن يخلّصهم أحد من المجازر المروّعة التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلاميّة داعش، من تهجير قسري طائفي وعنصري وقتل جماعي للمدنيين، وبعد أن طال، كذلك، التحضير لها منذ استعادة القوات الحكوميّة وحلفاؤها من الميليشيات المدعومة إيرانيًا مدينة الفلوجة، وبعدما استعر الجدال حولها ووصل مستوى غير مسبوق، محليًا، من خلال تبادل الاتهامات بين الأفرقاء العراقيين، وإقليميًا، بعد التنابذ بين الرئيس التركي، رجب طيّب إردوغان، ووزير الخارجيّة السعودي، عادل الجبير، من جهة ورئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، من جهة أخرى.

إستراتيجيًا، تكتسب معركة الموصل أهميّة كبيرة، لكونها أكبر المدن الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلاميّة – داعش في أماكن تواجده بعد خسارته مدينة سرت الليبيّة، ففيها كان الظهور المصوّر الوحيد لزعيم التنظيم إبراهيم عواد البدري، المعروف باسم أبو بكر البغدادي، خطيبًا في مسجدها الأكبر، الأمر الذي شكّل تحديًا كبيرًا لأجهزة الأمن العراقيّة، خصوصًا وأن خطبة البغدادي جاءت بعد سقوط الموصل بيد التنظيم بأيامٍ قليلة.

وتراهن السلطات العراقيّة، ومن خلفها المنخرطون في التحالف الدولي لمحاربة التنظيم على أن تكون الموصل آخر معاقل داعش الكبرى، وأن خسارة المدينة تعني انسحاب مقاتلي التنظيم من العراق بالكامل، إلى معاقلهم في محافظة الرقّة السوري، مع يعني حصر عناصر التنظيم في بقعة مرّبعة واحدة، يسهل معها ملاحقة قياداته واستهدافه.

سياسيًا، يراهن العبادي على أن تكون معركة الموصل ضربة قاصمة ضد رفيقه اللدود رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، المفضّل إيرانيًا ولدى النظام السوري وحلفائه، حتى أن أمين عام حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، استقبله في الضاحية الجنوبيّة لبيروت بعد إقصائه من منصبه، ولا زال المالكي كذلك يسطر على مفاصل كثيرة في الدولة العراقية من خلال موظفين وتابعين له، عمل على تثبيتهم في كل مفاصل الحياة السياسية العراقية أثناء شغله منصبه لتسعة أعوام.

فتأتي أهمية الصراع بين العبادي والمالكي من أنه يرتكز على نفس القاعدة الجماهيرية فكلاهما من مؤسسي وقادة حزب 'الدعوة' أكبر أحزاب ائتلاف 'دولة القانون' الحاكم، وكلاهما مدعوم إيرانيًا، لكن المالكي، رغم إقصائه المهين، إلا أنه يتصرّف وكأنه فوق العبادي ويمارس عليه ضغوطًا كبيرة، يسعى العبادي لقلب الطاولة عليها بعد نجاح معركة الموصل، خصوصًا أنه سيظهر بعدها بمظهر محرّر الموصل والفلوجة من أيدي داعش، بعدما خسرها المالكي في مشهد بدا كأنه تسليم للمدن العراقية واستسلام أمام عشرات المقاتلين الذين لا يملكون إلا الأسلحة الخفيفة، وسعى العبادي إلى ربط مشهد الجنود العراقيين الفارين من الموصل عام 2014 بالمالكي، لكن الأخير نجح في تجاوز تلك 'المحنة'، عبر تقويض يد العبادي في الدولة والانقلاب على قراراته.

لكن أهميّة معركة الموصل ليس في مسارها فحسب، إنما في المرحلة التي تتلوها، إذ بدأ الصراع على الجهة التي تحق لها السيطرة على المدينة بعد تحريرها، وهي أسباب طائفية في معظمها وعرقية، فتركيا أعلنت صراحة على لسان إردوغان أنها لن تسمح بتغيير التركيبة الديمغرافيّة للمدينة (أغلب سكّانها من العرب السنّة) ذلك أنها تتحمّل عبء أي تغيير مفترض كونها الملاذ الأقرب للاجئين المحتملين.

المقاتلون الأكراد أعلنوا مرارًا نيّتهم توسيع مناطق سيطرتهم ونفوذهم، أي كردستان العراق، ليشتمل على الموصل، وبذلك يكسبون مدينة قد تضاهي العاصمة بغداد لناحية الأهميّة الإستراتيجيّة، وتعطي كردستان وزنًا أكبر، وبالتالي أوراق ضغط داخلية وإقليمية أكبر. أما إيران، فلا تخفي رغبتها في السيطرة على ما تبقى من مدن العراق بوصفها امتدادًا تاريخيًا وطبيعيًا لمناطق نفوذها، خصوصًا وإن عودة محافظ الموصل السابق، أثيل النجيفي، إلى منصبه، يعني نفوذًا تركيًا مباشرًا على تخوم إيران.

أما الولايات المتّحدة، فتأمل أن تحقق انتصارًا عسكريا يخفف من وطأة إخفاقاتها الإستراتيجية في سورية، ما قد يعطي دفعة للمرشحة الديمقراطية للبيت الأبيض، هيلاري كلينتون، خصوصًا أن معركة الموصل تأتي على بعد أسبوعين من الانتخابات الأميركيّة، وسط تذمّر حتى داخل الإدارة الأميركية حول سياسة أوباما في الشرق الأوسط، استغلها المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، غير مرّة للسخرية من أوباما والنيل من كلينتون.

ميدانيًا، تتوزع الأدوار بدقة بين القوات المشاركة؛ فبينما تقود القوات التابعة لحكومة بغداد الهجوم بغية تحرير مدينة الموصل من مسلحي داعش، يتركز دور قوات البيشمركة (الأكراد)، وعددها 4 آلاف مقاتل، على تطويق محيط الموصل لحماية ممرات المدينة، ومنع هروب مسلحي التنظيم الإرهابي منها؛ حيث تشير التقديرات إلى أن عددهم يبلغ نحو 6 آلاف مسلح.

من جانبه، قام طيران التحالف الدولي بشن ضربات جوية تمهيدية على مواقع التنظيم في الموصل، خلال الأيام التي سبقت المعركة ويتوقع أن ينحصر دوره في هذا الدور خلال المعركة.

اقرأ/ي أيضًا | العبادي يعلن انطلاق عمليات الموصل

في حين صرح رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني، أن القوات العراقية وقوات البيشمركة تمكنت من تطهير نحو 200 كيلومتر مربع من الأراضي، التي كانت تحت سيطرة داعش، في اليوم الأول من حملة 'تحرير' الموصل.

التعليقات