المغرب: توترات بين أحزاب الأغلبية وتعديل حكومي محتمل

أتي ذلك وسط تصاعد حدة التوتر بين كفتي ميزان الحكومة، ممثلتين في حزبي "العدالة والتنمية" الذي يقود الائتلاف الحكومي بزعامة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، و"التجمع الوطني للأحرار" (المشارك في الائتلاف الحاكم) الذي يرأسه وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش.

المغرب: توترات بين أحزاب الأغلبية وتعديل حكومي محتمل

توضيحية (أرشيفية - أ ف ب)

سرعان ما تنعكس التصريحات الصادرة عن سياسيين مغربيين على الخارطة السياسية في البلاد وسط أجواء سياسية تنذر بتغيرات محتملة تتأرجح بين تعديل حكومي موسع، خاصة بعد إعفاء عاهل البلاد الملك محمد السادس عدد من الوزراء في وقت سابق، كان آخرهم وزير الاقتصاد والمالية محمد بن سعيد مطلع آب/ أغسطس الماضي، وبين انتخابات مبكرة لا يزال الكثير من المراقبين يستبعدون إجراءها في الوقت الراهن.

يأتي ذلك وسط تصاعد حدة التوتر بين كفتي ميزان الحكومة، ممثلتين في حزبي "العدالة والتنمية" الذي يقود الائتلاف الحكومي بزعامة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، و"التجمع الوطني للأحرار" (المشارك في الائتلاف الحاكم) الذي يرأسه وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش.

وتظهر مؤشرات اجتماعية واقتصادية وصفتها بعض التقارير بـ "المقلقة"، بتزايد نسبة البطالة والفوارق الاجتماعية، وتفاقم الفقر بين المغاربة.

وفي 17 آذار/ مارس 2017، عيّن الملك محمد السادس، سعد الدين العثماني (61 عاما) رئيسا للحكومة، خلفا لعبد الإله بنكيران (63 عاما)، وضمت حكومته أحزابا كان سلفه يرفض دخولها للتشكيلة الوزارية، ويعتبرها سبب "إفشال" تشكيل الحكومة بقيادته.

نيران صديقة

في 24 أيلول/ سبتمبر الماضي، انتقد النائب الأول للأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي، سليمان العمراني، في تدوينة على حسابه الرسمي بموقع "فيسبوك"، تصريحات كان قد أدلى بها وزير الشباب والرياضة المغربي رشيد الطالبي العلمي، الذي وصف مشروع حزب العدالة والتنمية، بـ "الدخيل"، معتبرا أن هذا الحزب "يريد تخريب البلاد ليسهل عليه وضع يده عليها"، وفق قوله.

وكان العلمي، القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، قد انتقد بشدة في 18 أيلول/ سبتمبر الماضي "العدالة والتنمية"، خلال كلمة ألقاها في افتتاح الجامعة الصيفية لشبيبة الحزب بمراكش.

ووصف سليمان العمراني تصريحات العلمي بـ "الخطيرة والمسيئة وغير المقبولة، التي تنتهك بشكل سافر ميثاق الأغلبية"، الذي وقعته أحزاب الائتلاف الحكومي في 19 شباط/ فبراير الماضي، ويشكل مرجعية لعمل الحكومة.

وتابع العمراني قائلاً: "حزب التجمع الوطني للأحرار لم يتجاوز بالكاد 37 مقعدا (من أصل 395 خلال الانتخابات البرلمانية عام 2016)، لكنه تحكم بقدرة قادر في مفاوضات تشكيل الحكومة التي أسندت مهمة تشكيلها للأستاذ عبد الإله بنكيران الذي نال حزبه بقيادته 125 مقعدا وعمل (التجمع الوطني للأحرار) على ليِّ الذراع وأثمرت مساعيه غير الحميدة في خلق البلوكاج (تعثر تشكيل الحكومة على مدى 6 أشهر ما انتهى بإعفاء بنكيران من منصبه وتكليف الملك للعثماني بتشكيل الحكومة)".

لم يتوقف التراشق اللفظي والاتهامات المتبادلة بين الحزبين عند هذا الحد، حيث أصدر "العدالة والتنمية" بيانا انتقد فيه تصريحات العلمي، ليرد هذه المرة الأمين العام لـ "التجمع" عزيز أخنوش، على البيان، في 26 من الشهر الماضي، قائلا إنه لم يعد ممكنا استهداف حزبه.

ويمثل حزب "التجمع الوطني للأحرار"، الشريك الأقوى في الائتلاف الحكومي بـ7 وزراء من أصل 38 وزيرا.

استباق التعديل الحكومي

وفي هذا السياق، نقلت "الأناضول" عن المحلل السياسي المغربي، رشيد الزرق، قوله إن "تبادل الاتهامات والصراع الحالي بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع، أعاد النقاش السياسي القوي إلى اللعبة السياسية".

وأضاف "ممكن أن يكون هذا الصراع داخل أحزاب الأغلبية استباق لتعديل حكومي، حيث يطمح كل حزب للظفر بأكبر حصة من الوزارات"، ومضى قائلا "هناك جانب سلبي لهذا الصراع، وهو أن الأحزاب انخرطت في صراع بينها، ونسيت الأهم وهو النقاش حول نموذج التنمية بالبلاد".

واعتبر أن "هناك سيناريوهات لمستقبل الحكومة، إما تعديل حكومي موسع، أو إعادة تعيين العثماني، الذي سيختار الأغلبية من جديد".

صراع متشعب

التوتر بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، ليس الوحيد الذي يسود الائتلاف الحكومي في المغرب، فمؤخرا اندلع خلاف بين "العدالة والتنمية" وحزب التقدم والاشتراكية (يساري).

وقال التقدم والاشتراكية (12 مقعدا في البرلمان)، الشهر الماضي في بيان، إن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني لم يتجاوب مع مطلبه الخاص بتقديم توضيحات حول ملابسات إلغاء حقيبة "كتابة الدولة المكلفة بالماء"، والتي كانت على رأسها القيادية البارزة بالحزب شرفات أفيلال.

وفي 20 آب/ أغسطس الماضي، وافق العاهل المغربي على اقتراح العثماني بإلغاء حقيبة "الدولة المكلفة بالماء"، وفق بيان للديوان الملكي آنذاك.

وبدأت أزمة داخل أحزاب الأغلبية الحكومية، عقب ما راج حول "الغياب الجماعي" لوزراء "التجمع الوطني للأحرار" برئاسة أخنوش، عن اجتماع مجلس الحكومة في 8 شباط/ فبراير الماضي، والذي اعتبر "مقاطعة".

وتأتي هذه المقاطعة بعد تصريحات بنكيران، التي أدلى بها في الثالث من شباط/ فبراير الماضي، حيث انتقد بنكيران، وهو أحد رموز "العدالة والتنمية" أخنوش، في تصريحات قال خلالها: "أحذرك أن زواج المال والسلطة خطر على الدولة"، في إشارة إلى أن الأخير يعتبر أيضا من رجال الأعمال البارزين بالبلاد.

ويضم الائتلاف الحكومي أحزاب "العدالة والتنمية" (124 مقعدا من أصل 395)، و"التجمع الوطني" (37 مقعدا)، و"الحركة الشعبية" (27 مقعدا)، و"الاتحاد الاشتراكي" (20 مقعدا)، و"الاتحاد الدستوري" (19 مقعدا)، و"التقدم والاشتراكية" (12 مقعدا).

مؤشرات "مقلقة"

يأتي تصاعد التوتر داخل الائتلاف الحكومي المغربي في وقت لم يعد انتقاد الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالبلاد حكرا على النقابات أو المؤسسات غير الرسمية، بل انخرطت المؤسسات الرسمية بالبلاد في قاطرة الانتقاد، ما يعتبره مراقبون مؤشرا على تعديل حكومي وشيك.

وخلال الشهر الماضي، دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي، في تقريره السنوي الذي قدمه للملك محمد السادس، إلى الحـد مـن حجـم الفـوارق، ومحاربــة الفســاد.

ودعا المجلس إلى "اسـتعادة ثقــة المواطنيــن فــي قــدرة المؤسســات والسياســات العموميــة علــى تحســين ظــروف عيشـهم، والحـد مـن حجـم الفـوارق (الاجتماعية)، وذلـك مـن خـلال تركيـز الجهـود علــى محاربــة الفســاد، وتعميــم مبــدأ ربــط المســؤولية بالمحاســبة، وزجــر الممارســات المنافيــة للتنافــس".

وخلص إلى أن "الحـركات الاجتماعيـة (الاحتجاجات) المسـجلة خـلال الفتـرة الأخيـرة، أبـرزت أن الفقـر والبطالـة فـي صفـوف الشباب والإقصـاء والفـوارق، أضحـت ظواهـر ينظـر إليهـا المواطنـون بشـكل متزايـد بصفتهـا شـكلا مـن أشكال الحيف (الظلم)". وحذر من أن "تفاقـم الفـوارق ينعكـس علـى التماسـك الاجتماعـي للبـلاد".

وقال المجلس في تقريره إن "الشـباب لا يـزالون يعانـون مـن صعوبـات كبيـرة فـي الحصـول علـى منصـب عمل، حيـث يتجـاوز معـدل البطالـة فـي صفوفهـم معـدل البطالـة علـى الصعيـد الوطنـي بــ 6.2 مـرة. كمـا يفـوق معــدل بطالــة الشــباب 40 فــي المائــة فــي الوســط الحضــري (المدن). وتحيــل هــذه الوضعيــة علــى التأثيــر المحــدود لمختلــف برامــج إدمــاج الشــباب".

وسجل معدل البطالة بالمغرب تراجعا طفيفا خلال الربع الثاني من 2018 مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، حيث انخفض من 9.3 بالمائة إلى 9.1 بالمائة.

التعليقات