هل يكون 2019 عام نهاية عهد محمد بن سلمان؟

وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، بدأ العام 2018، بوصفه رجل السعوديّة القوي، رغم موجات الاعتقالات الكبيرة التي عمّت البلاد وطالت رجال أعمال وأمراء بارزين نهاية 2017، وظلّ يُنظر إليه، ضمن حملة العلاقات العامّة الكبيرة التي تروّج لها السعودية.

هل يكون 2019 عام نهاية عهد محمد بن سلمان؟

السيسي وبن سلمان (أ ب)

شهدت المنطقة العربية في العام الماضي تطوّرات عديدة، مثل الانتخابات المصريّة وما سبقها من اعتقالات بالجملة للمرشحين الرئاسيين، وانتخابات في لبنان أسفرت عن فوز كبير لحزب الله اللبناني وحلفائه، وأخرى في العراق أطاحت برئيس الوزراء العراقي السابق، حيدر العبادي، بالإضافة إلى سيطرة النظام السوري على مناطق جديدة في سورية، وتظاهرات الأردن العارمة التي أطاحت برئيس الحكومة السابق، هاني الملقي، غير أن التحوّل الأكبر شهدته السعوديّة، بعد جريمة اغتيال الصحافي البارز، جمال خاشقجي، داخل القنصليّة السعوديّة في إسطنبول.

فوليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي بدأ العام 2018، بوصفه رجل السعوديّة القوي، رغم موجات الاعتقالات الكبيرة التي عمّت البلاد وطالت رجال أعمال وأمراء بارزين نهاية 2017، وظلّ يُنظر إليه، ضمن حملة العلاقات العامّة الكبيرة التي تروّج لها السعودية، على أنه "إصلاحي"، مستفيدًا من موجة اعتقالات لرجال دين سعوديين، وسماحه للمرأة بقيادة السيارة وفتح دور سينما في السعوديّة ومؤتمرات اقتصادية دعا إليها عشرات الشركات الكبرى حول العالم.

ورغم الانتقادات التي وجّهت لبن سلمان بعد حصار قطر عام 2017، والحرب المستمرّة على اليمن منذ العام 2015، التي أودت بحياة آلاف المدنيين، وملاحقته معارضيه وسجنهم، إلا أنها ظلّت "على استحياء" وأقرب إلى تسجيل موقف منها إلى موقف حقيقي معارض، حتى جاءت جريمة اغتيال خاشقجي، وفتّحت الأعين إلى "ذلك المتهوّر الذي يحكم السعوديّة"، بتعبير مجلّة الـ"فورين بوليسي" الأميركيّة المشهورة.

لن ينسى محمّد بن سلمان العام 2018، على الأرجح، حتى لو "نجا" بنفسه من العزل، إذ سيذكره طويلًا على أنه العام الذي بدأه رجلًا قويًا وأنهاه شبه معزول، حتى من أقرب حلفائه.

باتت قضيّة اغتيال خاشقجي واضحة جدًا: بن سلمان أمر بإعادته إلى الرياض بأي ثمن، وشقيقه، السفير السعودي لدى واشنطن، خالد بن سلمان، قام باستدراج خاشقجي إلى القنصلية السعوديّة في إسطنبول حيث انتظره طاقم من أبرز مساعدي ومقربي بن سلمان لتنفيذ الجريمة.

ببساطة، هذا ما حدث، دون الخوض في تفاصيل التسجيلات الصوتية التي تشير إلى ضلوع محمد بن سلمان بالجريمة بشكل مباشر، وفق مسؤولين أميركيين اطّلعوا على تقرير المخابرات الأميركيّة حول الجريمة.

بعد أيام من جريمة الاغتيال انتقل ثقلها إلى واشنطن التي يعمل خاشقجي في أبرز صحفها، الـ"واشنطن بوست"، حيث دارت (ولا زالت تدور) معركةٌ بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وبين وسائل الإعلام والحزبين الأكبرين، الديمقراطي والجمهوري (الذي ينتمي إليه ترامب).

أصبحت الجريمة رأيًا عامًا أميركيًا، خصوصًا أن أحد المشاركين فيها هو سفير السعودية لدى واشنطن، وأن علاقة وطيدة ومريبة تجمع صهر ترامب، جاريد كوشنير، ببن سلمان، توصف بأنها علاقة "برومانس" وطيدة للغاية، حتى أنها، في مرحلةً ما، أصبحت استفتاءً على أداء ترامب نفسه.

على مدار أسابيع، وقف ترامب مدافعًا عن بن سلمان بشكل كبير جدًا، حتى أن الـ"واشنطن بوست" وصفته بأنه "مدافع عن أكاذيب ابن سلمان"، لكن مجلس النواب الأميركي أصرّ على تحميل بن سلمان مسؤولية الجريمة، وهو قرار من المفترض أن تكون لها تبعات بعد الأول من كانون الثاني/ يناير المقبل، بعد دخول سيطرة الديمقراطيين الفعليّة على مجلس النواب حيّز التنفيذ.

ليست واشنطن وحدها، وليست جريمة اغتيال خاشقجي، ما أشغل الرأي العام العالمي، فكأنما فتحت الجريمة البشعة الباب واسعًا على ملفّ بن سلمان، وعاد ساسة العالم إلى التدقيق في جرائمه المتنوعة، بدءًا من اليمن، التي من المتوقع أن تشهد تخفيفًا لأزمتها الإنسانية التي سببتها الحرب السعوديّة - الإماراتيّة، نتيجة للضغط الدوليّ على بن سلمان.

فتحت الملفّات وأصبح بن سلمان، ومن ورائه السعوديّة، في مأزق كبير جدًا.

أما أبرز ما كشفته تغطيات الصحف الأميركيّة للقضيّة، بالإضافة إلى وحشية بن سلمان نفسه، علاقاته الوطيدة جدًا بإسرائيل، إذ أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن رئيس جهاز الموساد، يورام كوهين، زار السعوديّة أكثر من مرّة سرًا، بالإضافة إلى رجال أعمال إسرائيليين أصدرت لهم السلطات السعوديّة أوراقًا خاصّة لزيارتها، كما أن السعوديّة اشترت من إسرائيل تقنية "بيغاسوس" للتجسس، بموافقةٍ من الحكومة الإسرائيلية ومحاولتها الاستثمار في قطاع الهايتك الإسرائيلي بمبلغ قد يصل إلى مئة مليون دولار.

أمّا أبرز من كانوا "كبش فداء" لبن سلمان، فهما المستشار في الديوان الملكي، سعود القحطاني، ونائب رئيس الاستخبارات العامة، أحمد عسيري، اللذان عزلا من منصبهما فداءً لبن سلمان، وانكشف مع ذلك دورهما في ملفات عديدة، أبرزها أنهما عرابا العلاقات مع إسرائيل.

"بن سلمان ضعيف... ضعيف... ضعيف" بتعبير الـ"فورين بوليسي"، تسعى أسرته إلى عزله، لأول مرّة منذ صعوده السريع إلى ولاية العهد، ويثير قلق العالم، حتى أن الرئيس الفرنسي وبّخه أمام الكاميرات.
فهل سيكون عام 2019 عام النهاية... أم عام استعادة القوّة؟

التعليقات