قضية خاشقجي بعد 100 يوم: بن سلمان ومعظم مستشاريه في مناصبهم

السعودية أنفقت ملايين الدولارات لتنمية مصالحها في الولايات المتحدة وتحسين صورتها وصورة ولي العهد، بعد "الهزة" التي أصابتها في أعقاب الجريمة * التعديلات التي أجرتها السعودية عززت مكانة بن سلمان * معظم مستشاريه لا يزالون في مناصبهم

قضية خاشقجي بعد 100 يوم: بن سلمان ومعظم مستشاريه في مناصبهم

من الأرشيف

بعد مرور مائة يوم على مقتل الصحافي جمال خاشقجي في مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول، في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي 2018، يتبين التعديلات التي أجرتها السعودية، لتبرير جريمة القتل باعتبارها "خطأ" تهدف إلى تعزيز مكانة ولي العهد، محمد بن سلمان، كما أن معظم مستشاريه لا يزالون في مناصبهم، بينما يحتفظ هو بمناصبه الأمنية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.

في المقابل، فإن السعودية قد تدفع ثمنا إذا لم تتدارك تبعات مقتل خاشقجي، يكون أقله تحجيم دورها الإقليمي والدولي، الذي تلعبه بفضل ثروتها النفطية.

وفي إجراء يبدو لتأكيد ما تريد السعودية ترويجه، من أن مقتل جمال خاشقجي جاء نتيجة "خطأ" في تقدير الاستخبارات العامة لتوجيهات ولي العهد بجلب المعارضين في الخارج إلى البلاد، أجرت حكومة المملكة تعديلات شملت رئاسة الاستخبارات العامة في 21 كانون الأول/ ديسمبر، وتلتها تعديلات وزارية في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2018، بهدف تعزيز مكانة ولي العهد إثر الهزة التي أحدثتها جريمة قتل خاشقجي.

وخلافا لتوقعات كثير من الخبراء، احتفظ معظم مستشاري ولي العهد محمد بن سلمان بمواقعهم، فيما كانت توقعات سابقة تشير إلى احتمالات إجراء تغييرات واسعة في حلقة المستشارين المحيطين به بعد مقتل خاشقجي على يد مقربين من ولي العهد، والذي لا يزال، بعد مرور مائة يوم على الجريمة التي هزت الضمير العالمي، يحتفظ بجميع مناصبه الرئيسية في ما يتعلق بالشؤون الأمنية والسياسية والاقتصادية، ووزارة الدفاع وما يتعلق بالشؤون العسكرية والدفاعية.

يستمد ولي العهد بعض قوته من الصلاحيات الواسعة التي خوله إياها الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي لعب أدوارا كبيرة في سيطرة ولي العهد على المنافسين له داخل الأسرة الحاكمة.

وفي الواقع، وحتى بعد مرور كل هذه المدة على قتل جمال خاشقجي، لا تزال جميع المؤسسات الأمنية تخضع مباشرة لسلطات ولي العهد، إضافة إلى وزارة الدفاع، وما يشبه السلطة المطلقة على الحرس الوطني الذي يُنظر إليه على أنه بمثابة الجهاز الأمني الداخلي المسؤول أمنيا وعسكريا عن القصر الملكي، وتم تسليم مسؤوليته في التعديلات الوزارية الأخيرة للأمير (الشاب) عبد الله بن بندر بن عبد العزيز، المقرب من ولي العهد.

ولا توجد إلى الآن أي إشارات يمكن أن تقود إلى "فرضية" استبدال ولي العهد محمد بن سلمان على خلفية الضرر الذي لحق بسمعة المملكة ومصالحها بعد مقتل جمال خاشقجي.

ويحتفظ الملك سلمان بن عبد العزيز وحده بقرار استبدال ولي العهد أو الإبقاء عليه، لذلك سيتعين على الملك سلمان بن عبد العزيز بعد حادثة مقتل جمال خاشقجي، الإمساك بزمام المبادرة لإدارة المخاوف المتزايدة بشأن تداعيات الحادثة على ولي العهد بشكل خاص، ومراقبة أكثر دقة لسلوكه وقراراته لمنع انهيار نظام الحكم القائم.

بيد أن الملك السعودي لم يتخذ أي إجراءات تحد من سلطات ولي عهده الذي يهيمن على القرار السعودي السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي، والاجتماعي أيضا.

على المنظور القريب، يمكن للدعم المستمر وزيادة صلاحيات ولي العهد بدعم مباشر من الملك السعودي، أن تخلق حالة من عدم الاطمئنان داخل الأسرة الحاكمة، المعنية بالحفاظ على نظام الحكم القائم، ومن شأن هذا أن يدفع باتجاه ممارسة بعض الضغوط (نصائح) على الملك لتدارك تبعات مقتل جمال خاشقجي، بعد زيادة الإصرار الدولي على محاسبة المسؤولين عن الجريمة، والتي تتمسك الكثير من دول العالم، وتيار واسع في الولايات المتحدة، بضرورة تحميل ولي العهد المسؤولية ومحاسبته.

وتنظر إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى أن المزيد من الإجراءات لإضعاف ولي العهد السعودي، الشريك في مواجهة تهديدات إيران، يمكن أن تساهم في تقويض الإستراتيجيات الأميركية، بما فيها العقوبات، للحد من نفوذ إيران الذي لا خلاف على أنه يزداد اتساعا في العراق ولبنان وسورية واليمن، وفي المنطقة عموما.

إلا أن الولايات المتحدة، وفريق ترامب تحديدا، معنية بمواجهة التهديدات الإيرانية في المنطقة، وفي مضيقي هرمز وباب المندب، وستظل حاجتها إلى السعودية قائمة في شراكة إستراتيجية تبدو في العقل السياسي الأميركي أكبر من تخريبها لمقتل صحفي سعودي بأوامر من ولي العهد أو من دونها.

كانت حادثة مقتل جمال خاشقجي قد أدت إلى تحول سريع في موقف الولايات المتحدة من الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، دفع وزيري الخارجية والدفاع نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2018 للدعوة إلى إجراء مفاوضات بين جماعة الحوثي وممثلي الحكومة الشرعية التي استضافتها السويد بإشراف الأمم المتحدة، وتمخضت عن توقيع اتفاق بين الطرفين لوقف القتال في مدينة الحديدة.

وضعت حادثة مقتل جمال خاشقجي الرئيس الأميركي في دائرة الضوء أمام معارضيه من الحزب الديمقراطي، نظرا للدعم "غير المحدود" الذي تمتع به ولي العهد منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، واستمرار محاولاته بالدفاع عنه حتى بعد أن خلصت وكالة المخابرات المركزية إلى مسؤولية ولي العهد مباشرة عن مقتل خاشقجي، في ما ينظر إليه على أنه ابتعاد من الرئيس الأميركي عن القيم التقليدية للولايات المتحدة، والتزامها بالدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم.

وخلال المائة يوم التي تلت مقتل خاشقجي، أنفقت السعودية ملايين الدولارات لتنمية مصالحها في الولايات المتحدة وتحسين صورتها وصورة ولي العهد، بعد "الهزة" التي أصابتها في أعقاب هذه الجريمة.

ومع ذلك، صوت الكونغرس الأميركي في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2018 على إنهاء الدعم الأميركي لحرب اليمن بدافع "عقابي" على مقتل جمال خاشقجي، مع استمرار الإدانة العالمية حتى مع دخول عام 2019 الذي ليس من المتوقع أن تشهد الأسابيع أو الأشهر القليلة القادمة منه نهاية لتداعيات الحادثة، ما لم تتخذ السعودية ما يكفي من الإجراءات لمحاسبة المسؤولين مباشرة عن الجريمة، وإقناع العالم بسلامة الإجراءات التي يتخذها الجهاز القضائي في المملكة.

وأثار إعلان النيابة العامة المطالبة بإعدام خمسة متهمين من أصل 11 متهما ردود فعل أميركية ودولية عبّرت عن عدم "ثقتها" بمثل هذا الإجراء، منها الولايات المتحدة التي طالبت السعودية بتقديم رواية "موثوقة".

ولا يرغب أركان الإدارة الأميركية في إفساد العلاقات مع ولي العهد الذي "قد" يحكم المملكة لعقود قادمة، أو مع الدولة السعودية التي تقوم على منفعة اقتصادية عالية، وشراكة في الحرب على الإرهاب، والتصدي المشترك لمواجهة التهديدات، والحد من اتساع النفوذ الإيراني في المنطقة، الذي تنظر إليه الولايات المتحدة تهديدا لمصالحها الإستراتيجية في المنطقة، ولمصالح وأمن الدول الحليفة والشريكة، السعودية والإمارات والبحرين ومصر والأردن، وإسرائيل أيضا.

إلا أن ذلك لا يمنع تقبّل الإدارة الأميركية إجراءات داخلية يتبناها الملك سلمان بن عبد العزيز، تفضي إما إلى الحد من صلاحيات ولي العهد وتقليص سلطاته في مركز القرار، أو استبداله دون أن يؤدي هذا إلى تدهور العلاقات بين البلدين، أو زعزعة الأوضاع الداخلية في المملكة.

سيؤدي أي تراجع محتمل الفترة المقبلة في علاقات المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ودول أخرى، إلى تحجيم الدور الإقليمي والدولي الذي ظلت المملكة تلعبه من واقع الثقل الذي تشكله في سوق النفط العالمية، ومكانتها الدينية لدى مسلمي العالم، والشراكة مع الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، ومواجهة التهديدات الإيرانية في المنطقة.

التعليقات