تجمع المهنيين السودانيين يكسر طوق البشير

"المشهد كان يفتقد سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا إلى قائد. القوى السياسية المفترض بها أن تقود الحراك منقسمة على نفسها بين معسكرين: قوى الإجماع ونداء السودان. وبالتالي، كانت الغالبية في السودان تبحث عن قائد، وقرر تجمع المهنيين أن يكون مركز العمل"

تجمع المهنيين السودانيين يكسر طوق البشير

احتجاجات في الخرطوم (أ ب)

تمكن "تجمع المهنيين السودانيين" من كسر الطوق وقيادة احتجاجات ضد نظام الرئيس السوداني، عمر البشير، الذي عمل لثلاثة عقود على قمع المعارضة لنظامه وتشتيتها.

وكانت مجموعات صغيرة، غالبيتها من الشباب، وتضم أساتذة جامعات وأطباء ومهندسين، قد بدأوا التحرك، وأطلق على التحرك "تجمع المهنيين السودانيين". ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية في السودان، نظموا تظاهرات ضد نظام البشير بدأت في أواسط كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وبات السودان يشهد، اليوم، إحدى أكبر موجات الاحتجاجات في تاريخه الحديث.

وقد هزت الاحتجاجات الدامية أنحاء السودان، عقب قرار الحكومة رفع سعر الخبز ثلاثة أضعاف، أدى تفريقها إلى 30 قتيلا بحسب أخر حصيلة رسمية، في حين تحدثت منظمات غير حكومية عن أربعين. وكان من اللافت أن "تجمع المهنيين السوادنيين" هو المحرك الرئيسي للشارع، رغم وجود نحو 100 حزب سياسي في السودان بين معارض وموال للحكومة.

وفي اتصال هاتفي مع وكالة "فرانس برس" من الخرطوم قال المتحدث باسم تجمع المهنيين، محمد يوسف المصطفى، إن "المشهد السوداني كان يفتقد سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا إلى قائد".

وتابع أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة الخرطوم، والبالغ من العمر 68 عاما، أن "القوى السياسية المفترض بها أن تقود الحراك منقسمة على نفسها بين معسكرين: قوى الإجماع ونداء السودان. وبالتالي، كانت الغالبية في السودان تبحث عن قائد".

وتابع أن تجمع المهنيين قرر أن يكون "مركز العمل، وأن ينظم ما يقوله الناس، ويضفي عليه معنى معينا، لكن القائد هو الشعب".

ليس للتجمع هيكل تنظيمي مثل الأحزاب، إذ يستلهم قوته من "العمل الجماعي"، وفقا للمتحدث باسمه، كما لا توجد إحصاءات مسجلة بعدد المنضوين في صفوفه.

ونظرا لحظر القانون تشكيل نقابات مهنية مستقلة، وإنما نقابات تضم جميع العاملين بالمؤسسات دون فصل، قال المصطفى إن 200 أستاذ بجامعة الخرطوم شكلوا تجمعا مهنيا غير رسمي.

وكانت تلك البداية التي شجعت المهنيين في كافة أنحاء العاصمة على تشكيل تجمعات مشابهة.

وعام 2016، قررت ثمانية من التجمعات المهنية المنفصلة ضمنها البيطريين والإعلاميين والصيادلة والمعلمين والمحامين، تأسيس "تجمع المهنيين السودانيين".

وأضاف أن ذلك كان مخالفا للقانون "ولا تعترف الحكومة به، لكنه يتماشى مع الدستور في مادته الـ40"، حسب قوله.

وتنص المادة 40 من الدستور على أنه "يُكفل الحق في التجمع السلمي، ولكل فرد الحق في حرية التنظيم مع آخرين، بما في ذلك الحق في تكوين الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية أو الانضمام إليها حمايةً لمصالحه".

وكان تجمع أساتذة جامعة الخرطوم الذي يضم 200 أستاذ، وفقا للمصطفى، هو البداية في عام 2012.

وأكد المصطفى على وجود تجمع  للمهنيين، اليوم، في كل مدن السودان.

من جهته، قال الكاتب الصحافي السوداني فيصل محمد صالح لـ"فرانس برس" إن "الطريقة التي يتبع بها المتظاهرون هذه المجموعة (التجمع) غريبة"، مشيرا إلى التزام المتظاهرين بالساعة التي يحددها التجمع للتظاهر، وعادة ما تكون الواحدة ظهرا.

وأضاف صالح "إنه إنجاز لهذه المجموعة، آخذين في الاعتبار أن المتظاهرين لا يعرفون حتى من هم القادة الرئيسيين لها، أنهم فقط يثقون بها".

يذكر أنه وفي 25 كانون الأول/ ديسمبر، كانت الدعوة الأولى من تجمع المهنيين لتظاهرة نحو القصر الجمهوري "لتسليم مذكرة لرئاسة الجمهورية تطالب بتنحّي الرئيس فورا عن السلطة استجابة لرغبة الشعب السوداني وحقناً للدماء".

واقترح التجمع أنه في حال وافق البشير على التنحّي "فستتشكّل حكومة انتقالية ذات كفاءات وبمهام محدّدة ذات صبغة توافقية بين أطياف المجتمع السوداني".

ونفى المصطفى وهو عضو الحركة الشعبية لتحرير السودان المعارضة وجود نية لتحويل التجمع إلى كيان سياسي.

وقال "ليس هناك تفكير في تحويل الكيان المهني لحزب سياسي أو كيان سياسي خصوصا وأن لدينا العديد من المهنيين هم بالفعل أعضاء في أحزاب سياسية".

بدوره، يقول محمد الأسباط أحد متحدثي التجمع المقيم في باريس، إن التجمع "نجح في جذب قوى المعارضة الرئيسية في البلاد: الإجماع ونداء السودان، لتلتف حوله وتوقع معه ميثاق الحرية والتغيير مطلع الشهر الجاري".

وأضاف "انضم، اليوم، الى الميثاق 19 تنظيما وحركة ومؤسسة من سياسية إلى شبابية إلى فئوية، ويهدف إلى إسقاط النظام وإقامة الديمقراطية".

وكان قد أعلن زعيم حزب الأمة المعارض، الصادق المهدي، في خطبة الجمعة وبحضور مئات من مناصريه "نؤيد هذا الحراك الشعبي. وندعمه".

وقال "قتل أكثر من 50" شخصا منذ اندلاع حركة الاحتجاج في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2018.

وأضاف المهدي أن أهم مطالب هذا الحراك الشعبي هو "أن هذا النظام يجب أن يرحل، وتحل محله حكومة انتقالية".

وتعد مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب وسائل الإعلام الرئيسية التي يعوّل عليها شباب التجمع في التواصل والتعبئة.

وأضاف الأسباط أن "حفاظ التجمع على السلمية والتواصل الناعم هو سبب الالتفاف الجماهيري حوله".

 

التعليقات