"السودانيون لن يتراجعوا قبل تشكيل حكومة مدنية"

"يتضح أكثر فأكثر أن الثورة لم تُستكمل وأن المجموعة الأمنية التي ما زالت في السلطة تقاوم بوضوح المطالب التي يمكن أن تجبرها على التخلي عن السلطة". والسودانيون يواصلون الضغط على المجلس العسكري بإقامة حكم مدني

(أ ب)

احتشد السودانيون في العاصمة الخرطوم، اليوم الخميس، بعد أسبوع على إطاحة الجيش السوداني بالرئيس عمر البشير، عازمين على إكمال "ثورتهم" المطالبة بإقامة حكم مدني.

وبعد مرور سبعة أيام على الإطاحة بالبشير، تعج الساحة الواسعة خارج مقر القيادة العامة للجيش بالمتظاهرين المطالبين بحل المجلس العسكري الذي تولى السلطة مكانه.

واحتشد الآلاف في الساحة، على مدار اليوم، بينما يتوقع أن تنضم إليهم مجموعات معنية بشؤون المرأة ونقابيّون ومهندسون وطلاب في ساعات المساء. وشدد المتظاهر الساب أحمد، الذي قدم إلى موقع الاعتصام منذ صباح اليوم، "رسالتنا هي أننا لن نغادر هذا المكان قبل تحقيق هدفنا".

ودعت قوى "إعلان الحرية والتغيير" إلى تسيير موكب مليوني، اليوم، ينضم للاعتصام الشعبي في محيط قيادة الجيش السوداني لـ"مزيد من الضغط على المجلس العسكري "، ودعت كيانات مهنية ونسوية للمشاركة.

وفي البداية، تولّى الفريق أول ركن عوض بن عوف، وهو وزير الدفاع في عهد البشير، قيادة المجلس العسكري الانتقالي. لكنه استقال بعد 24 ساعة بضغط من الشارع. وحل محله الفريق الركن عبد الفتاح البرهان، الذي لم يكن يعرف عنه الكثير خارج دوائر الجيش.

ويشير قادة الاحتجاجات إلى أنهم طالبوا بمجلس عسكري مدني مشترك، لكن كل ما حصلوا عليه كان مجلسا عسكريا بالكامل يضم شخصيات عدة من النظام القديم. وعلى إثر ذلك، رفعوا سقف مطالبهم.

وقال محمد ناجي، وهو من قادة "تجمع المهنيين السودانيين" الذي نظّم الحركة الاحتجاجية منذ اندلاعها، "نريد إلغاء المجلس العسكري الحالي واستبداله بمجلس مدني مع تمثيل للعسكريين". حيث يؤكد المتظاهرون ومنظمو التظاهرات بأنهم لن يتراجعوا حتى يفسح هذا المجلس المدني الطريق أمام تشكيل حكومة انتقالية تتولى مهامها لأربع سنوات.

مجموعة السلطة الأمنية... تقاوم دعوات الحرية

وفي سياق متصل، قال المحلل آلان بوسويل، من "مجموعة الأزمات الدولية": "يتضح أكثر فأكثر أن الثورة لم تُستكمل"، وأضاف أن "المجموعة الأمنية التي ما زالت في السلطة تقاوم بوضوح المطالب التي يمكن أن تجبرها على التخلي عن السلطة".

وإلى جانب البشير وبن عوف، استقال كذلك صلاح قوش، رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني الذي يهابه السودانيون. وأشرف قوش على الحملة الأمنية التي استهدفت المتظاهرين وأسفرت عن مقتل أكثر من 60 شخصا وإصابة المئات بجروح وسجن الآلاف.

(أ ب)

والآن، سيحمل رد فعل المجلس العسكري على الضغوط المتزايدة من المتظاهرين والمجتمع الدولي أهمية كبيرة. وقال بوسويل "لا أعتقد أننا اقتربنا حتى من نهاية الطريق"، محذرا "نقترب من وضع خطير".

وضغطت الحكومات الغربية والإفريقية على حد سواء لإحداث تغيير أكبر في السودان. حيث حضت الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج، المجلس العسكري، على إطلاق حوار "شامل للجميع" يمهد الطريق أمام إقامة حكم مدني.

بدوره، هدد الاتحاد الأفريقي الذي يضم 55 دولة، الإثنين الماضي، بتعليق عضوية السودان ما لم يسلم المجلس العسكري السلطة للمدنيين في غضون 15 يوما. مؤكدا أن "قيادة الجيش للمرحلة الانتقالية تتناقض تماما مع تطلعات الشعب السوداني".

وقدم المجلس العسكري تنازلات للمحتجين بما في ذلك إقالة النائب العام. لكن مطالب المتظاهرين الذين غنّوا ورقصوا خارج مقر القيادة العامة للجيش بقيت واضحة.

وقالت أريج صلاح (23 عاما) إن "البشير هو رمز النظام لكننا ما زلنا في منتصف الطريق"، وأضافت "علينا أن نكافح إلى أن نتخلص من هذا النظام".

المعارضة ماضية في تشكيل حكومة مدنية

من جهتها، أكدت قوى "إعلان الحرية والتغيير" المعارضة، أنها ماضية في تسمية ممثليها في المجلس الرئاسي الذي تقترحه، وتسمية أعضاء الحكومة المدنية والمجلس التشريعي، حتى دون موافقة المجلس العسكري الانتقالي، حسب ما نقل "العربي الجديد" عن مصادر خاصة.

وكان تحالف "الحرية والتغيير"، الذي يضم تجمع المهنيين السودانيين ونداء السودان وقوى الإجماع الوطني والتحالف الاتحادي، قد سلم، أمس الأربعاء، ورقة للمجلس العسكري تقترح هيكلة الحكم خلال الفترة الانتقالية المقبلة، تضمن تشكيل مجلس رئاسي من مدنيين وعسكريين، ومجلس وزراء من مدنيين فقط، تختارهم قوى "الحرية والتغيير"، إضافة إلى تشكيل مجلس تشريعي يكون للشباب والمرأة النصيب الأوفر فيه.

وتنتظر قوى "إعلان الحرية والتغيير"، رد المجلس العسكري على المقترحات التي سلموها أمس، وأكد مصدر "العربي الجديد" أنه "وفي حال أي تأخير أو تسويف، فإن التحالف لن يتردد في إعلان حكومته وممثليه في المجلس الرئاسي والمجلس التشريعي، استناداً إلى الشرعية الثورية التي تجد الدعم الكامل من الشعب السوداني الذي يجمع على إسقاط نظام البشير".

وفيما لم يؤكد أو ينف القيادي بتجمع المهنيين السودانيين وعضو لجنة الاتصال مع المجلس العسكري، مدني عباس مدني، حقيقة ذلك التوجه، إلا أنه أكد، أن "قوى الحرية والتغيير تأمل في استجابة المجلس العسكري للمقترحات التي سلمت له أمس الأربعاء، وأن تأتي الحلول بتوافق تام، حتى لا يضطر التحالف إلى اللجوء إلى خيارات أخرى غير متوافق عليها".

البشير إلى لاهاي؟

وفي 11 نيسان/ أبريل، أقصت المؤسسة العسكرية البشير، بينما اعتصم عشرات آلاف المتظاهرين خارج مقر القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم مطالبين برحيله.

وقال طارق أحمد، المهندس البالغ من العمر 38 عاما، "إنه أول أسبوع في حياتي أعيشه من دون البشير"؛ وأضاف "أشعر بالفخر بما فعله أبناء جيلي بالديكتاتور".

يذكر أن البشير (75 عاما) تولّى السلطة عبر انقلاب دعمه الإسلاميون عام 1989 وترأّس نظاما عرف بقسوته على مدى ثلاثة عقود. وشهدت البلاد في عهده نزاعات في مناطق عدة حيث انفصل الجنوب ليتحول إلى دولة مستقلة بينما نفّذت عمليات اعتقال طالت قادة في المعارضة وناشطين وصحافيين.

وفي بدايتها، انطلقت التظاهرات في 19 كانون الأول/ ديسمبر للرد على قرار الحكومة رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف، لكنها سرعان ما تحولت إلى حركة احتجاجية واسعة في أنحاء البلاد ضد حكم البشير. وتردد صدى هتافات "حرية، سلام، عدالة" و"ارحل" في المدن والقرى والبلدات.

وصدرت بحق الرئيس المخلوع مذكرات توقيف من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بتهم ارتكاب إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إطار النزاع في دارفور.

ورغم أن المجلس العسكري الانتقالي الذي تسلّم الحكم قام باعتقاله، إلا أنه يرفض تسليمه إلى لاهاي حتى الآن مشيرا، إلى أن البت في هذه المسألة يعود إلى الحكومة المدنية التي تعهد تشكيلها. وليل الثلاثاء، نُقل البشير إلى سجن كوبر في العاصمة، بحسب ما أفاد مصدر من عائلته.

 

التعليقات