الجزائر: السلمية ركيزة الحراك المتواصل حتى رحيل كل رموز النظام

شددت السلطات الجزائرية الإجراءات الأمنية على مداخل العاصمة، ونشرت للأسبوع الثاني على التوالي حواجز للدرك عند مداخل العاصمة خاصة من الناحية الشرقية، للحد من دخول أعداد من المتظاهرين للمشاركة في الجمعة التاسعة من الحراك الشعبي

الجزائر: السلمية ركيزة الحراك المتواصل حتى رحيل كل رموز النظام

(أ ب)

يبدو تغيير رئيس المجلس الدستوري بالجزائر، الطيب بلعيز، بمثابة تنازل جديد من السلطة لمطالب الشارع. لكن هل سيكون ذلك كافيًا لتهدئة الاحتجاجات التي ما زالت تطلب رحيل كل رموز "النظام" الحاكم؟ المؤشرات تدل على أن الحراك الشعبي متواصل، وسط ترسيخ واضح لفكرة سلميته.

إلى جانب رئيس الدولة الانتقالي، عبد القادر بن صالح، ورئيس الوزراء، نور الدين بدوي، كان الطيب بلعيز أحد "الباءات الثلاثة"، من المحيط المقرب لعبد العزيز بوتفليقة، الذين يطالب المحتجون باستقالته.

وكان بلعيز، الذي شغل منصب رئيس المجلس الدستوري للمرة الثانية ووزيرا للعدل والداخلية لفترة طويلة، وفيّا لبوتفليقة. وعندما استلم مهامه في شباط/ فبراير الماضي، وأدى اليمين كرئيس جديد لأعلى هيئة قضائية مكلفة بمراقبة احترام الدستور، أقسم بالولاء لرئيس الدولة.

وقال مدير مركز الدراسات والبحوث في العالمين العربي والمتوسطي في جنيف، حسني عبيدي، "كان بلعيز شخصية محورية في الصرح السياسي والمؤسساتي الذي أنشأه بوتفليقة لإغلاق النظام السياسي الجزائري".

وفي عام 2013، بينما تم نقل بوتفليقة إلى المستشفى في باريس لمدة 80 يومًا بسبب جلطة في الدماغ، ثم مرة أخرى في آذار/ مارس الماضي، تجاهل طلبات بدء الإجراء لعزل الرئيس بسبب "المانع الصحي"، فهو كرئيس للمجلس الدستوري كان الوحيد القادر على القيام بذلك.

وباعتباره وزيرا للداخلية نظم الانتخابات الرئاسية عام 2014 التي فاز بها بوتفليقة في الجولة الأولى بحصوله على 81% من الأصوات، رغم أنه لم يظهر طوال الحملة الانتخابية.

لذا، كان الأمر محسوما لدى المحتجين بعدم قبول شخص مثله لتسيير الهيئة المكلفة بالتحقق من صحة الترشيحات ومراقبة الانتخابات الرئاسية التي ستختار خليفة بوتفليقة.

ورغم أن بلعيز لا يمكن تنحيته نظريًا، فإن بعض المراقبين يعزون رحيله إلى رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، الذي أصبح بحكم الأمر الواقع الرجل القوي في الجزائر منذ استقالة بوتفليقة.

وبما أنه ينتمي إلى الفريق المقرب من بوتفليقة الذي دخل في نزاع مع قايد صالح، يمكن أن يكون بلعيز دفع ثمن رفضه في نهاية شهر آذار/ مارس اتخاذ إجراء دستوري لإعلان "حالة المانع" لرئيس الدولة بناء على اقتراح الجيش.

وقال عبيدي "كان بلعيز في وضع غير مريح (...) فضغوط الشارع ونفاد صبر الجيش نالا منه".

ويسمح رحيله أيضًا للفريق قايد صالح الذي يستهدفه المتظاهرون أيضا، بإعطاء الانطباع بأنه يستمع إلى مطالبهم.

وتبقى أسباب رحيل بلعيز "مجرد تفصيل بسيط"، بحسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، محمد هناد، حيث يعتبر ذلك "قربانا" للشعب "لتهدئة غضبه" الذي بدأ في 22 شباط/ فبراير الماضي.

ويتقلد رئيس المجلس الدستوري منصب رئيس الدولة بالوكالة في حالة اقتران شغور منصبه مع منصب رئيس مجلس الأمة، وهي الحالة المتوقعة إذا استقال عبد القادر بن صالح، كما يطالب المحتجون.

وكان الرئيس المؤقت بن صالح قد عيّن، الثلاثاء، كمال فنيش رئيسا للمجلس الدستوري، خلفا للمستقيل بلعيز. 

ويعتبر فنيش قاضيًا غير معروفًا لدى الرأي العام، عمل في بداية مسيرته في النيابة العامة قبل أن يصبح مستشارا في المحكمة العليا، ثم أصبح قاضيا ورئيس غرفة في مجلس الدولة الذي يمثل الهيئة القضائية العليا للقضاء الإداري في الجزائر. ومنذ 2016 أصبح عضوا في المجلس الدستوري بعد توسيع عدد أعضائه من 9 إلى 12 منهم، اثنان من مجلس الدولة.

وبالنسبة لأستاذ الاتصال بجامعة الجزائر 3، رضوان بوجمعة، فإن فنيش "قاض غير معروف لا يحظى بكاريزما أو خبرة أو كفاءة" لتولي المرحلة الانتقالية، فحتى وإن كان بلا انتماء حزبي باعتبار أن القضاة غير مسموح لهم بممارسة السياسة، فإن المناصب التي تقلدها تجعله جزءا من "النظام" منذ 20 عاما.

وعاد ماضيه كوكيل للجمهورية في النيابة العامة إلى الظهور مجددا بعد تعيينه. فقد اتهمه نشطاء سابقون في الحركة الأمازيغية بالمشاركة في محاكمتهم ممثلا عن النيابة، وطلب سجن طلاب وتلاميذ مدارس ثانوية شاركوا في تظاهرات أيار/ مايو 1981 في بجاية.

ويبدو أن رحيل بلعيز يؤكد أن المحتجين يحصلون على تنازل أو سقوط رأس جديد بعد كل يوم جمعة من التظاهرات. لكن ذلك يبقى بعيدا عن تلبية الطلب برحيل جميع شخصيات "نظام" بوتفليقة، وقيام مؤسسات انتقالية تتولى مرحلة ما بعد بوتفليقة.

الحراك يتواصل... وسلميته سلاح في وجه التعزيزات الأمنية

وشددت السلطات الجزائرية الإجراءات الأمنية على مداخل العاصمة، ونشرت للأسبوع الثاني على التوالي حواجز للدرك عند مداخل العاصمة خاصة من الناحية الشرقية، للحد من دخول أعداد من المتظاهرين للمشاركة في الجمعة التاسعة من الحراك الشعبي، والتي تتزامن مع ذكرى الربيع الأمازيغي (20 نيسان/ أبريل 1980)، الذي تتناغم مطالبه في الديمقراطية والعدالة والحريات مع مطلب الحراك الشعبي في الجزائر.

وحفاظًا على سلمية الحراك، توجهت مجموعة من الشباب الجزائري الناشط إلى تنفيذ مبادرة شبابية لتأطير وحماية الحراك الشعبي خلال مسيرات الجمعة التاسعة، وتحضير سترات برتقالية مكتوب عليها "سلمية"، بهدف تثبيت السلوك السلمي ومنع أية انزلاقات ورصد مجموعات من المنحرفين باتت تتسلل إلى قلب الحراك الشعبي وتثير فوضى في نهاية مسيرات كل جمعة، خاصة في العاصمة الجزائرية.

وأثار نشر قوات إضافية من الدرك على تخوم العاصمة الجزائرية واقتحام وحدة أمنية مساء أمس الأربعاء كلية الحقوق ببن عكنون في العاصمة الجزائرية دون ترخيص من إدارة الكلية وبما يخالف قوانين الحرم الجامعي، وقبلها اعتقال ناشطين وسط العاصمة واقتيادهم إلى مركز أمني بعيد، وإطلاق القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين الجمعة الماضية، أسئلة في الجزائر حول طبيعة الدور والجهة التي تدير المؤسسة الأمنية المستمرة في سلوكيات تصفها القوى السياسية والمدنية والهيئات الحقوقية بالمستفزة، عشية الجمعة التاسعة من الحراك الشعبي التي ستشهدها الجزائر.

ونفت إدارة كلية الحقوق ببن عكنون في أعالي العاصمة الجزائرية اليوم الخميس منحها أي ترخيص لأي قوة أمنية للدخول إلى باحة الكلية، وأكدت أنه لم يرد إليها أي اتصال من أية جهة أمنية لطلب الدخول، وأعلنت أنها أبلغت الجهات المعنية بهذا التجاوز لاتخاذ ما تراه مناسبًا من الإجراءات القانونية.

وفيما ذكر شهود عيان أن القوة الأمنية كانت تحاول ملاحقة طلبة يعتقد أنهم ناشطون في الحراك الشعبي، لم تكشف قيادة الأمن العام عن سبب اقتحام العناصر الأمنية المؤسسة الجامعية، وعن مبررات عدم اتخاذ الإجراءات القانونية الخاصة بالعمل الأمني داخل الحرم الجامعي في حال كانت المسألة تخص قضية أمنية أو غيرها.

وتنبّه تكتل أحزاب المعارضة إلى تغير السلوك الأمني وتوجهه إلى حالة قمعية، حيث أخذ ذلك حيزًا من النقاش في الاجتماع الثامن لقوى المعارضة الثلاثاء الماضي، وخصته في بيانها بإدانة "لجوء قوات الأمن إلى أشكال العنف ضد المتظاهرين، لا سيما التجاوزات التي حدثت في مسيرات سابقة، وتثمين التزام المتظاهرين بالسلمية".

دعوات الرئاسة للحوار... مرفوضة

ودعت حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي بالجزائر)، الخميس، إلى مقاطعة "جلسة حوار جماعي" حول الأزمة، مقررة الإثنين القادم، دعا إليها الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح.

وقالت الحركة، في بيان صدر عنها، إنها تلقت دعوة من الرئاسة للمشاركة في هذه الجلسة و"تعلن بأنها لن تحضر هذا الاجتماع، وتدعو جميع القوى السياسية والمدنية إلى مقاطعته".

وأوضحت أن هذا اللقاء هو "ذاته اعتداء على الإرادة الشعبية، وزيادة في تأزيم الأوضاع (..) وتذكّر الحركة النظام السياسي، أن سياسة فرض الأمر الواقع، هي التي أوصلت البلد إلى ما نحن عليه".

ولفتت الحركة، إلى أن "الاستمرار في التعنت في عدم الاستجابة للشعب الجزائري الذي طالب بإبعاد رموز النظام في إدارة المرحلة الانتقالية، والشروع في انتقال ديمقراطي حقيقي عبر الحوار والتوافق الوطني، ستكون عواقبه خطيرة على الجزائر والجزائريين، يتحمل أصحاب القرار الفعليين مسؤوليته".

وفي وقت سابق الخميس، شرعت الرئاسة المؤقتة في توجيه دعوات للأحزاب والشخصيات والمنظمات للمشاركة في "لقاء تشاوري جماعي" حول الأزمة الراهنة في البلاد، مرتقب الإثنين القادم.

وفور توليه منصب الرئيس المؤقت للبلاد بعد استقالة بوتفليقة، وقع بن صالح مرسوما حدد بموجبه تاريخ انتخابات الرئاسة في الرابع من حزيران/ يوليو، تماشيا مع نص دستوري يحدد موعد الّانتخابات خلال 90 يوما بعد استقالة رئيس الجمهورية.

ولاقت الدعوة إلى الانتخابات رفضا لدى المعارضة وأبرز وجوه الحراك الشعبي، بدعوى أن الظروف غير مواتية لتنظيمها، وأن الشارع يرفض إشراف رموز نظام بوتفليقة عليها.

 

التعليقات