ساعات البشير الأخيرة في السلطة

في الساعة الخامسة صباحا غير الجيش الحراسة حول بيت البشير، وشوشوا على هاتفه النقال. وذهب ضابطان للحديث مع البشير الذي كان مرتبكا وغاضبا، و"شعر أن الناس خانوه" ولام مدير المخابرات صلاح قوش

ساعات البشير الأخيرة في السلطة

(أ ب)

بيّن تقرير، نشر اليوم الأربعاء، تناول الساعات الأخيرة للرئيس السوداني المعزول عمر البشير في السلطة، أنه فوجئ بالانقلاب عليه، وأنه اتهم مدير المخابرات السابق، صلاح قوش بتدبير ذلك.

ونقل التقرير، الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، عن قائد سلاح الجو السوداني، صلاح عبد الخالق، قوله إن الاعتصام أمام مقرات الجيش السوداني جعل الجيش يغير من موقفه الموالي للبشير.

وأقر عبد الخالق، عضو المجلس العسكري، أنه قام مع زملائه من قادة الجيش بالإطاحة بالبشير في فجر الحادي عشر من نيسان/ إبريل، وأثاروا غضبه عندما قاموا بالتشويش على هاتفه النقال، وخاصة بعد أن أدرك أنه هزم.

وأشار التقرير إلى أن البشير يقبع في سجن أمني سيئ السمعة في الخرطوم، ويخضع لتحقيق في غسيل أموال وجرائم أخرى، بعد أن صادر المحققون، نهاية الأسبوع الماضي، 112 مليون دولار من مقر إقامته.

ويشير  التقرير أيضا إلى أن ابن الجنرال عبد الخالق، كان بين المحتجين أمام مقرات الجيش، بسبب "حالة الإحباط من تراجع السودان في ظل البشير".

وبحسب معد التقرير للصحيفة، فإن الإطاحة بالبشير ربما كان الجزء الأسهل من الثورة السودانية، فالأعداد المحتشدة أمام مقرات الجيش ترفض المغادرة حتى يستجيب العسكر لمطالبهم، وأهمها تسليم السلطة للمدنيين. وحتى هذا الوقت فالاعتصام كان مليئا بالبهجة وسلميا وجذب إليه الشباب والمغنين والراقصين والخطباء الذين شعروا بالراحة لنهاية حكم البشير القمعي.

يشار إلى أن المفاوضات بين المجلس العسكري وتجمع المهنيين السودانيين قد انهارت نهاية الأسبوع. وفي يوم الأحد تجمع أكبر حشد من المتظاهرين حيث حملوا هواتفهم النقالة التي خلقت بحرا من الأضواء الراقصة، وجلس المحتجون على حافة جسر لسكة الحديد وهم يهتفون بصوت واحد. فيما شجب بعضهم رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان ووصفوه بـ"القذر".

وكان البرهان قد دعا يوم الإثنين إلى الابتعاد عن نقاط التفتيش التي تحيط بمنطقة الاعتصام والتي يتم فيها تفتيش المتظاهرين خشية أن يكون بحوزتهم أسلحة، وقال إن الأمن هو مسؤولية الجيش.

ورأى المتظاهرون في تصريحات البرهان محاولة منه لإضعاف التظاهر وربما إنهائه. وقال الجنرال عبد الخالق إنه يدعم حكما مدنيا في النهاية، ولكنه حذر من النتائج الخطيرة لو استمر القادة المدنيون للتظاهر الضغط على الجيش تسليم السلطة مباشرة وحذر قائلا: "هذه الفكرة تقودنا للحرب الأهلية".

ومع تزايد التظاهرات ووصول المحتجين إلى القيادة العامة في 6 نيسان/ إبريل، بدأ الجنرال بتغيير موقفه. ويقول إنه بدأ يشعر بالخيبة من حالة الفساد، ولم يستطع السفر لعدة دول عربية وأفريقية وأوروبية بسبب العقوبات الأميركية. وبعدها فقد السيطرة على قواته. فعندما قامت قوات موالية للبشير بإطلاق النار على المتظاهرين ترك عدد من جنود سلاح الجو أماكنهم للدفاع عن المتظاهرين مما أدى لمناوشات خارج أبواب القيادة العسكرية.

وعندما زادت أعداد المحتجين وصلت رسالة هاتفية للجنرال صلاح من ابنه عبد الخالق الذي قال له إنه انضم للمتظاهرين. ويعرف عبد الخالق البشير عبر علاقته مع والده. ويتذكره رجلا يحب المزاح مع أي شخص. لكن عبد الخالق أصبح قلقا من البؤس والعزلة التي أصبحت علامة حكم البشير.

وأشار التقرير إلى ارتفاع أسعار الطعام وقلة السيولة النقدية. كما فرغت آلات الصرف الآلي، ولم تستطع شركة الطيران الخاصة التي يعمل بها الحصول على قطع الغيار بسبب تصنيف الولايات المتحدة السودان كدولة راعية للإرهاب. وفي العام الماضي تقدم بطلب للحصول على البطاقة الخضراء من خلال اللوتري. ويقول: "أعرف أن والدي في الداخل، ولكنني سوداني وعلي أن أكون مع شعبي".

وتقول الصحيفة إن القيادة العليا للجيش التقت في منتصف ليلة 10 نيسان/ إبريل، لمناقشة مصير البشير. واتفقوا بعد ساعة على الإطاحة به. وفي الساعات التي سبقت العملية تحدث عبد الخالق مع ضباطه الصغار حول الأحداث القادمة "عليك أن تتحدث معهم، ومن الخطورة أن لا تخبرهم بما يحدث".

وفي الساعة الخامسة صباحا غير الجيش الحراسة حول بيت البشير، وشوشوا على هاتفه النقال. وذهب ضابطان للحديث مع البشير الذي كان مرتبكا وغاضبا، و"شعر أن الناس خانوه" ولام مدير المخابرات صلاح قوش.

وعندما خرجت الأخبار بدأت الاحتفالات، وتبنى الجيش لهجة تصالحية مع المتظاهرين، واستجاب لعدد من مطالبهم وتم نقل البشير إلى سجن كوبر، الذي كان يسجن أعداءه فيه. وظهرت صور نشرها الجيش وتظهر كميات كبيرة من المال مرصوصة على طاولة. وتم التحفظ على عدد من مساعدي البشير في بيوتهم مثل قوش وعلي عثمان طه الذي هدد بإطلاق ميليشيات "ظل" إسلامية ضد المتظاهرين.

وقال البرهان إن بعض المعتقلين في سجن كوبر والبعض الآخر في أماكن أخرى. ولاحظ الكاتب أن قادة السودان الجدد يبدو أنهم مرتاحون في القيادة، حيث بدأ البرهان بالعمل من مكتب البشير في القصر الرئاسي على ضفة النيل.

وبحسب التقرير، فإن عبد الخالق يعتقد أن المطالب بحكم مدني تأتي من "الشيوعيين" داخل المتظاهرين. و"هم أقلية ولكنهم يتحدثون بصوت عال" و"هؤلاء يعارضون من هو في السلطة أيا كان".

ويقول معد التقرير إن حديث الجنرال عبد الخالق عن الديمقراطية له حدود، فقد دافع عن الجيش السوداني ضد انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور وجبال النوبة التي اتهم فيها سلاح الجو السوداني بضرب مواقع المدنيين.

ويرفض إرسال البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، وبحسبه "نستطيع محاكمتهم هنا" متحدثا عن المسؤولين السودانيين المتهمين بجرائم حرب و"لكنك لا تستطيع تسليمهم للرجل الأبيض كي يحاكمهم، الرجال السود، سنحاكمهم هنا".

وعندما سئل عن مشاعره حول البشير أجاب: "أنا سعيد أنني لست في مكانه"، مضيفا: "لا أعرف ماذا ستكون مشاعري لو كنت في الشارع، ولكنني الآن في القصر".

 

التعليقات