السودان: معركة حامية الوطيس ضد سطوة الجيش

بعد أن قادت المظاهرات التي أطاحت بالرئيس المخلوع، عمر البشير، تقف الجماعة المعارضة الرئيسية في السودان في مواجهة مع الحكام العسكريين الجدد، في ما يمثل اختبارًا لقدرتها كقوة سياسية.

السودان: معركة حامية الوطيس ضد سطوة الجيش

(أ ب)

بعد أن قادت المظاهرات التي أطاحت بالرئيس المخلوع، عمر البشير، تقف الجماعة المعارضة الرئيسية في السودان في مواجهة مع الحكام العسكريين الجدد، في ما يمثل اختبارًا لقدرتها كقوة سياسية.

ونال "تجمّع المهنيين السودانيين" تأييدًا واسعًا خلال أكثر من أربعة أشهر من الاحتجاجات التي نسقها وساعد من خلالها في الحصول على سلسلة من التنازلات من المجلس العسكري الانتقالي، الذي يحكم البلاد منذ أن عزل البشير يوم 11 نيسان/ أبريل الماضي.

لكن، بينما يحاول أعضاء النقابات والناشطون في "تجمع المهنيين السودانيين" رسم طريق إلى الديمقراطية متكاملة الأركان، فإنّهم أمام منافس قوي لم يظهر، إلى الآن، بادرةً تذكر على استعداده لإفساح الطريق أمام عملية انتقالية بقيادة مدنية.

ولخيبة الأمل الناتجة عن عدم إحراز تقدّم، دعت قوى إعلان الحرية والتغيير، وهي ائتلاف واسع من جماعات المعارضة يقوده "تجمع المهنيين السودانيين"، يوم الأربعاء، إلى حملة عصيان مدني لزيادة الضغط على الجيش.

وقال العضو القيادي في "تجمع المهنيين السودانيين"، أحمد ربيع، "جميع خياراتنا مفتوحة من الآن فصاعدا"، وأضاف "إذا صمّم (المجلس العسكري الانتقالي) على التمسك بالسلطة سنعتبر هذا انقلابا عسكريا وسنصعد أساليبنا سلميا".

وقال "تجمّع المهنيين السودانيين" إنّ من المرجح أن تركز مثل هذه الحملة على الإضرابات العامة التي حققت نجاحا في انتفاضات سابقة بالسودان بعد الاستقلال. ولاقت الإضرابات التي دعا لها تجمع المهنيين، قبل الإطاحة بالبشير، استجابة محدودة، لكن العمال قد يكونون أقل خوفا بعد عزله.

ومن الممكن أن تدعو قوى إعلان الحرية والتغيير، أيضًا، إلى مقاطعة السلع غير الأساسية والخدمات العامة في محاولة لحرمان الحكومة من إيرادات الضرائب، وأن تدعو كذلك لتكثيف المظاهرات والاعتصامات في أنحاء البلاد. وصار الاعتصام المستمر الذي بدأ في السادس من نيسان/ أبريل الماضي، خارج القيادة العامة للقوات المسلحة، النقطة المحورية للانتفاضة.

وقال المجلس العسكري الانتقالي إنه لن يستخدم القوة لإنهاء الاعتصام، لكن من الممكن تقويض "تجمّع المهنيين السودانيين" من خلال المناورة لافتقاره للخبرة السياسية.

وقال المحلل السوداني مجدي الغزولي "حان وقت السياسة. وهذا ملعب قد لا يكون تجمع المهنيين جاهزا له كما يبدون".

تنازلات

وفي محاولة منه لتهدئة المحتجين، غيّر المجلس العسكري الانتقالي أول رئيس له بعد يوم واحد من تشكيله، وأطاح كذلك بحلفاء رئيسيين للبشير، وأعلن إجراءات لمكافحة الفساد، كما تحرك لإعادة هيكلة أجهزة الأمن والمخابرات.

وينزل البشير، وهو مطلوب، أيضًا، من المحكمة الجنائية الدولية لمزاعم جرائم حرب في دارفور، في سجن في العاصمة الخرطوم.

لكن، بينما تريد قوى إعلان الحرية والتغيير مجلسًا انتقاليًا يقوده مدنيون لإدارة فترة انتقالية مدتها أربع سنوات، أشار المجلس العسكري إلى أنه يريد الاحتفاظ بكامل السيطرة على أي مجلس سيادي يضم عسكريين ومدنيين.

وفي الوقت الذي طال فيه أمد المحادثات بين الجانبين، اتّهم تجمع المهنيين قادة الجيش بتوسيع سلطاتهم. وقال المجلس العسكري إنه مستعد لمزيد من الحوار، وإن الانتخابات يمكن أن تجرى خلال ستة أشهر إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق على حكومة مؤقتة. وهذا يسبق بكثير الفترة الانتقالية التي قال المجلس إنها يمكن أن تصل إلى سنتين.

ويمكن أن يفرض العصيان المدني الذي دعا إليه "تجمّع المهنيين السودانيين" ضغوطا على المجلس العسكري بالنظر إلى ضعف الاقتصاد.

لكن المجلس العسكري لديه داعمون أقوياء وأثرياء.

فرئيس المجلس العسكريّ، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ونائبه، الفريق أول محمد حمدان دقلو، تربطهما علاقات بالسعودية والإمارات اللتين تعهدتا بثلاثة مليارات دولار للسودان لدعم البنك المركزي وتمويل مشتريات الوقود والقمح والأدوية.

ويقود دقلو، الذي يعرف باسم حميدتي، قوات الدعم السريع مرهوبة الجانب والتي قاتلت في دارفور وتشارك في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. وتنتشر هذه القوات أيضا في أنحاء الخرطوم.

وقالت الكاتبة والمعلقة السودانية، ريم عباس، "هذه مؤسسة جيش وهم لا يريدون أن يفقدوا السلطة"، وأضافت "هناك الكثير من الأشياء قد يخسرونها. الموارد والأراضي والحصانة من جرائم الحرب".

* نقابات ظل

على النقيض من ذلك، تشكل تجمع المهنيين السودانيين في 2016 من نقابات مهنية موازية غير رسمية خارج أجهزة الدولة. ويمثل التجمع أطباء ومحامين وصحافيين وغيرها من المهن.

وكان التجمع يطالب بزيادة الأجور عندما اندلعت المظاهرات ضد البشير في أنحاء السودان، ابتداءً من 19 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. ودفعت المظاهرات بتجمع المهنيين إلى دور منسق الاحتجاجات. ومنذ ذلك الوقت اتسع التجمع ليضم أكثر من 20 نقابة.

وقال ربيع، وهو مدرس فيزياء في مدرسة ثانوية ويقيم في منطقة الحاج يوسف في ضواحي الخرطوم، إن الصفة غير السياسية للتجمع كانت السبب في نجاحه في الإطاحة بالبشير بعد 30 عاما قضاها في الحكم.

وعلى الرغم من التأييد الواسع الذي يتمتع به تجمع المهنيين الآن، يقول إنه لن يتحول إلى حزب سياسي. وليس للتجمع قائد أو هيكل قيادي صارم. وكان يعمل في السر بشكل كبير حتى وقت قريب. وقد يحدث فراغ سياسي نتيجة ذلك.

وخلال حكم البشير، كانت أنشطة أحزاب المعارضة محدودة كما تراجعت العضوية فيها. ويقول محللون إن أمام أحزاب المعارضة الكثير من العمل لتصبح قوى سياسية فاعلة.

وتواجه المعارضة، أيضًا، تحديا يتمثل في تشكيل جبهة موحدة. وتتكون قوى إعلان الحرية والتغيير من مجموعة واسعة من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والجماعات المسلحة من أنحاء السودان، وأصدرت بالفعل بيانات متعارضة عن مواقفها في المفاوضات.

ويعتقد كثير من المحتجين أنه كان على تجمع المهنيين ألا يتفاوض إطلاقا مع الجيش. ويهتف هؤلاء "المدنية خيار الشعب". وسعى التجمع إلى طمأنتهم إلى أنه سيكون ضمانة للثورة والديمقراطية خلال الفترة الانتقالية.

وقال ربيع، الذي سجن من الرابع من كانون الثاني، إلى ما قبل سقوط البشير بقليل "دائما نجتهد للحصول على الديمقراطية في هذا البلد ثم نفقدها". وأضاف "لقد اجتهدنا للحصول عليها وإن شاء الله يمكننا حمايتها" هذه المرة.

التعليقات