الحراك الشعبي الجزائري يُطلق مبادرة لإعادة العلاقات مع المغرب

يبدو أن استمرار الحالة الثورية في الجزائر بات يؤثر على كل شيء فيها، فرغم الانسداد الجزئي للأفق السياسي، إلا أن الجزائريين يحاولون تغيير جميع مشاكل الماضي، بما في ذلك، التوتر مع المغرب المستمر منذ أكثر من عقدين

الحراك الشعبي الجزائري يُطلق مبادرة لإعادة العلاقات مع المغرب

(أ ب)

يبدو أن استمرار الحالة الثورية في الجزائر بات يؤثر على كل شيء فيها، فرغم الانسداد الجزئي للأفق السياسي، إلا أن الجزائريين يحاولون تغيير جميع مشاكل الماضي، بما في ذلك، التوتر مع المغرب المستمر منذ أكثر من عقدين.

وكان لنجاح المنتخب الجزائري لكرة القدم، بالفوز بكأس أمم أفريقيا عام 2019، في تموز/ يوليو الماضي، الأثر الأكبر الذي دفع بمثقفين جزائريين إلى إطلاق مبادرة أملا في تحريك العلاقات الرسمية بالفاترة بين الجانبين، متأثرين باحتفال آلاف المغاربة على الحدود المغلقة بين البلدين.

وأكدت الاحتفالات الثنائية على الحدود أنه ما من خلاف بين الشعبين الشقيقين، لتجدد الآمال بإعادة الدفء للعلاقات الرسمية بين البلدين، فكان أن جاءت المبادرة في محاولة لإيصال هذه التطلعات إلى مسؤولي البلدين.

ووفق عريضة، اعتبر الموقعون على المبادرة أن الحراك الشعبي المستمر بالجزائر، يشكل دافعا لاستنهاض إرادة الموقعين للدفع قدما نحو تأسيس علاقات مميزة، تفضي أولا إلى فتح الحدود البرية المغلقة بين البلدين منذ 1994. 

وتعيش الجزائر، منذ 22 شباط/ فبراير الماضي، على وقع احتجاجات شعبية، دفعت بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إلى التنحي مطلع نيسان/ أبريل الماضي، فيما تستمر المظاهرات للمطالبة باستبعاد رموز نظامه من المرحلة الانتقالية. 

والحدود بين المغرب والجزائر مغلقة منذ العام 1994، وسط خلافات سياسية بين البلدين، أبرزها ملف إقليم الصحراء الذي تتمسك الرباط بالسيادة عليه، بينما تدعم الجزائر "جبهة البوليساريو" المطالبة باستفتاء على الاستقلال.

الثقافة بعد الرياضة

قبيل أيام من إطلاق المبادرة، عاشت الحدود المغربية الجزائرية حالة فريدة من نوعها، إذ توافد آلاف من المغاربة على الحدود، عقب تتويج المنتخب الجزائري، وعبروا عن مشاعر الفرحة، حتى أن المرء يخال وهو يرى تلك الحشود المجتمعة فرحا، أن منتخبها هو الذي نال التتويج وليس الجيران.

وأكد الكاتب الجزائري وأحد الموقعين على المبادرة، سعيد هادف، أن "المبادرة جاءت في سياق النداءات الشعبية التي سبق أن طالبت بفتح الحدود في مناسبات متفرقة".

وأضاف أنها تأتي أيضا "تتويجا لدعوات أطلقها مؤخرا فاعلون من المجتمع المدني الجزائري، بهدف التأسيس لعلاقة جزائرية مغربية منفتحة على التعاون الخلاق".

من جانبه، يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول في وجدة شمال شرقي المغرب، خالد شيات، أن "نداء مثقفي الجزائر يتماشى مع الطموحات التحررية للحراك الشعبي، ويصب في خانة تعزيز التواصل بين الشعوب المغاربية التي تعاني من حالة فريدة لغلق الحدود البرية بين المغرب والجزائر". 

ووصف شيات المبادرة بـ"الطبيعية في ظل حالة الاختناق الذي تعاني منه المنطقة اقتصاديا، وحالة التنافي مع التطلعات الشعبية". 

بارقة أمل 

اعتبر شيات أن "المثقف والإعلامي الحر، هو أقرب الناس إلى هموم الأمة وتطلعاتها، ومستقبل المنطقة مرهون بالتوجه الاندماجي التكاملي بعيدا عن نعرات التقسيم والانفصال اللذين لن يكونا سوى إيذانا بخراب شامل وتعميق الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية".

وبخصوص مستقبل الخطوة التي أطلقها المثقفون والإعلاميون بالجزائر، قال سعيد هادف، إن "الإشكال في تقديره ناجم عن قصور النخبة وتقاعسها في الاضطلاع بمهامها". 

ولفت إلى أن "ضعف الطبقة السياسية وسوء تدبيرها للشأن السياسي بالبلدين، ناجم عن ضحالة دور النخبة الثقافية وجهلها بمحيطها المحلي والإقليمي، وخوفها من الأشباح التي تسكن خيالها الجمعي". 

واستدرك قائلا: "لكن الجيل الجديد بالبلدين ستخرج منه نخبة متحررة وأكثر براغماتية، وهي من سيعيد مياه البلدين إلى مجراها الطبيعي". 

الرياضة تتحدى الفتور الرسمي 

الشهر الماضي، احتفل عشرات من المغاربة والجزائريين على الحدود بين البلدين، في أكثر من مناسبة، وذلك كلما حقق المنتخب الجزائري فوزا بمبارياته ضمن البطولة القارية المقامة بمصر.

وشهدت الاحتفالات ذروتها بعد فوز المنتخب الجزائري باللقب، حيث لم تقتصر الاحتفالات على مدينة وجدة والسعدية المغربيتين القريبتين من الحدود، بل امتدت إلى باقي مدن المغرب. 

ومع بداية البطولة، أطلق جمهور البلدين حملة افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي، تحت اسم "خاوة خاوة" (إخوة)، وجدت طريقها نحو أرض الواقع، على الملاعب والمدن المصرية، التي استضافت البطولة في الفترة من 21 حزيران/ يونيو الماضي حتى 19 تموز/ يوليو الماضي. 

وتتمثل فكرة الحملة في مساندة جماهير الجزائر للمنتخب المغربي، ووجودها في الملاعب التي تستضيف مباريات "أسود الأطلس"، والعكس أيضا بالنسبة للجماهير المغربية، التي يتعين عليها التواجد في الملاعب التي ستستضيف مباريات "ثعالب الصحراء". 

وتصدر هاشتاغ "خاوة خاوة" قائمة "الهاشتاغات" في أبرز الصفحات الرياضية بالبلدين، وانتشرت الفكرة على نطاق واسع. 

كما أثارت أيضا انتباه وسائل الإعلام في المغرب والجزائر وكافة البلدان العربية، في تحركات شعبية عفوية تأمل بلوغ صداها إلى المسؤولين.

 

التعليقات