لبنان: الانتفاضة مستمرة.. ولا بوادر لحل سياسي

مع إتمام التظاهرات المطالبة برحيل الطبقة السياسية شهرها الأول، منذرة باستمرارية تخسر أمامها ما راهنت عليه الطبقة السياسية من قصر نفس اللبنانيين بالتالي، تراجع تدريجي لانتفاضتهم، تراوح الأزمة السياسية مكانها في لبنان من دون أي بوادر لحل قريب.

لبنان: الانتفاضة مستمرة.. ولا بوادر لحل سياسي

(أ ب)

مع إتمام التظاهرات المطالبة برحيل الطبقة السياسية شهرها الأول، منذرة باستمرارية تخسر أمامها ما راهنت عليه الطبقة السياسية من قصر نفس اللبنانيين بالتالي، تراجع تدريجي لانتفاضتهم، تراوح الأزمة السياسية مكانها في لبنان من دون أي بوادر لحل قريب، خصوصًا بعد سحب اسم وزير سابق من التداول لتشكيل حكومة جديدة تحت ضغط الشارع.

وكشف مكتب رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، سعد الحريري، اليوم الأحد، أن وزير الخارجية جبران باسيل، الذي عبّر الحراك اللبناني جليا عن رفض ممارساته، هو من اقترح وبإصرار ترشيح وزير المالية الأسبق محمد الصفدي، لتشكيل الحكومة المقبلة.

وبهدف ممارسة المزيد من الضغط، يستعد اللبنانيون للخروج مجددًا إلى الشارع بعد مساء اليوم، الأحد، تحت عنوان "أحد الشهداء"، تكريمًا لمتظاهرين قتلا منذ بدء الاحتجاجات، آخرهما الثلاثاء برصاص عسكري خلال مشاركته في قطع طريق حيوي جنوب بيروت، بناء على الإستراتيجية التي اعتمدها الحراك، لشل الدولة وإجبار الطبقة السياسية للرضوخ لمطالبهم، ما أثار غضبًا شعبيًا واسعًا.

وفي مدينة طرابلس شمالا، التي شكلت مركزًا رئيسيًا للتظاهر منذ شهر، اعتبر المتظاهرون أنه "بعد مرور شهر كامل على الانتفاضة الشعبية وفشل كل مساعي السلطة للالتفاف على مطالب المتظاهرين، نحن اليوم أمام مرحلة جديدة من التحديات، والوضع بحاجة إلى حنكة وحذر شديدين من الثوار".

وأضاف "علينا قطع الطريق أمام مشاريع السلطة لتفريق صفوفنا وتأكيد إصرارنا على مطالبنا، وعدم التراجع عنها مهما ارتفع منسوب الضغط، إلى حين تحقيق الشعب لانتصاره كاملًا على هذه السلطة".

ومن بين المطالب؛ تسريع عملية تشكيل حكومة تكنوقراط، وإجراء انتخابات مبكرة، واستعادة الأموال المنهوبة، ومحاسبة الفاسدين داخل السلطة، إضافة إلى رحيل بقية مكونات الطبقة الحاكمة، التي يرون أنها فاسدة وتفتقر للكفاءة.

وطالب الصفدي مساء السبت، سحب اسمه من بين المرشحين لتشكيل الحكومة المقبلة، عقب لقاء مع باسيل، آملًا أن يتم تكليف سعد الحريري مجددا، وذلك في أعقاب تفاقم النقمة الشعبية بعد تسريبات وتصريحات قبل أيام، أشارت إلى توافق القوى السياسية الرئيسية في البلاد على تكليف الصفدي، قبل بدء الاستشارات بموجب الدستور.

وتجمع متظاهرون غاضبون أمام منزل الصفدي في طرابلس وكذلك في بيروت تعبيرًا عن رفضهم له واصفين إياه بـ"الفاسد". كما اتهموا السلطة بالسعي إلى الالتفاف على مطلبهم بتشكيل حكومة تضم اختصاصيين بعيدًا عن الوجوه السياسية التقليدية.

تراشق بالمسؤولية: من يتحملها حقيقة؟

وقال المكتب الإعلامي للحريري في بيان صدر عنه اليوم، إنّ "باسيل هو من اقترح وبإصرار مرتين اسم الصفدي، وهو ما سارع الحريري إلى ابداء موافقته عليه، بعد أن كانت اقتراحاته تتعلق بأسماء من المجتمع المدني"، وأضاف أنه "منذ أن طلب الصفدي سحب اسمه كمرشّح لتشكيل الحكومة الجديدة، يمعن التيار الوطني الحر (يتزعمه الرئيس ميشال عون، ويرأسه باسيل)، في تحميل الحريري مسؤوليّة هذا الانسحاب، بحجّة تراجعه عن وعود مقطوعة للوزير الصفدي".

وكان التيّار، يمتلك أكبر كتلة وزاريّة في حكومة الحريري المستقيلة، تضمّ 11 من أصل 30 وزيرًا. وحمّل مكتب الحريري، التيار الوطني الحر، مسؤوليّة عدم تشكيل الحكومة، واصفا سياسته بأنها "غير مسؤولة، مقارنة بالأزمة الوطنية الكبرى التي يجتازها لبنان"؛ وأردف "لو قام التيار بمراجعة حقيقية، لكان كف عن انتهاج مثل هذه السياسة، ولكانت الحكومة تشكلت وبدأت بمعالجة الأزمة الوطنية والاقتصادية".

والجمعة، أكدت مصادر مقربة من التيار الوطني الحر، أنه تم التوافق مبدئيا على الصفدي، لترأس الحكومة المقبلة على أن تكون "تكنو سياسية"، وتتميز حكومة التكنو سياسية، عن التكنوقراط بدمجها بين وزراء حزبيين، وآخرين اختصاصيين في مواقعهم المهنية.

واقترح الرئيس اللبناني في حوار تلفزيوني الثلاثاء الماضي، تشكيل حكومة "تكنو سياسية". وتكلم بنبرة اعتبرها المتظاهرون "استفزازية"، منتقدًا عدم وجود قياديين يمثلون المتظاهرين ليتحاوروا مع السلطة، في وقت يفخر المحتجون بأن تحركهم عفوي وجامع ويرفضون أي حوار مع السلطة الحالية.

ولا تزال الاحتجاجات في شوارع لبنان مستمرة، منذ حوالي شهر تقريبا، حيث يتظاهر اللبنانيون ضد الفساد وتدهور الأوضاع المعيشية وتردي الاقتصاد.

وفي بيان ليل السبت، طلب الصفدي الذي يعدّ من أبرز رجال الأعمال والأثرياء في لبنان، سحب اسمه من التداول كأحد الاسماء المرشحة لرئاسة الحكومة. وقال "ارتأيتُ أنّه من الصّعب تشكيل حكومة متجانسة ومدعومة من جميع الفرقاء السياسيّين تُمكنّها من اتخاذ إجراءات إنقاذية فورية، تضع حدًا للتدهور الاقتصادي والمالي وتستجيب لتطلّعات الناس في الشارع".

وتعبيرًا عن رفضهم لمواقف عون وإصرارهم على حكومة اختصاصيين مستقلة بعيدًا عن أي ولاء حزبي أو ارتباط بالمسؤولين الحاليين، تدفق المتظاهرون إلى الشوارع وقطعوا طرقات رئيسية في البلاد، قبل أن يتدخّل الجيش لفتحها بالقوة في اليومين الأخيرين ويوقف العديد من المتظاهرين. وقال متظاهران على الأقل بعد إخلاء سبيلهما، إنهما تعرضا للضرب والإهانة بعد اعتقالهما لدى مخابرات الجيش.

وتترافق الأزمة السياسية مع وضع اقتصادي مترد للغاية وأزمة مالية، تجاوز معها سعر صرف الليرة مقابل الدولار في السوق السوداء 1800 ليرة، بعدما كان مثبتًا منذ عقود على 1507؛ وبعد إغلاق أسبوعين على وقع الاحتجاجات التي لم تسلم منها، فتحت المصارف أبوابها بداية الشهر الحالي لأسبوع واحد فقط، فرضت خلاله إجراءات أكثر تشددًا على بيع الدولار، ثم أغلقت ليومين بحجة عطلة رسمية.

وينفذ موظفوها منذ الثلاثاء الماضي، إضرابًا مفتوحًا احتجاجًا على إشكالات مع مواطنين راغبين بسحب مبالغ من ودائعهم. ولم يعد بإمكان المواطنين الحصول على الدولار من الصراف الآلي. كما تفرض المصارف رسمًا إضافيًا على عمليات سحب الدولار المحدودة جدًا مباشرة منها.

والجمعة، خفضت وكالة التصنيف الدولية "ستاندرد آند بورز" تصنيف لبنان إلى "سي سي سي" من "بي سلبي"، مع نظرة مستقبلية سلبية. وحذرت من أن "إغلاق المصارف الأخير (...) والقيود غير الرسمية على تحويل العملات الأجنبية، تطرح تساؤلات حول استدامة سعر الصرف، الأمر الذي يزيد من تآكل الثقة".

وأقفلت المدارس والجامعات أبوابها بشكل كامل خلال أول أسبوعين من التظاهرات، قبل أن تفتحها بتقطع أمام طلابها خلال الأسبوعين الأخيرين.

وأجبرت الاحتجاجات المستمرة، رئيس الحكومة الحريري، في 29 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، على تقديم استقالته، لتتحول إلى حكومة تصريف أعمال، لكن المحتجين يواصلون تحركاتهم للضغط من أجل تنفيذ بقية مطالبهم.

التعليقات