العراق: احتجاجات حاشدة وطبقة سياسية عاجزة

واصل العراقيون احتجاجهم، الجمعة، حيث غصت ساحات وميادين بغداد وجنوب ووسط البلاد، بالمتظاهرين ومن مختلف الفئات، مع عودة واضحة أيضا للعنصر النسوي فيها، وسط انتشار واسع للقوات العراقية التي تمركزت على مداخل الطرق الرئيسة والمحيطة بالتظاهرات.

العراق: احتجاجات حاشدة وطبقة سياسية عاجزة

(أ ب)

واصل العراقيون احتجاجهم، الجمعة، حيث غصت ساحات وميادين بغداد وجنوب ووسط البلاد، بالمتظاهرين ومن مختلف الفئات، مع عودة واضحة أيضا للعنصر النسوي فيها، وسط انتشار واسع للقوات العراقية التي تمركزت على مداخل الطرق الرئيسة والمحيطة بالتظاهرات.

واتسعت رقعة التظاهرات في ساحات التحرير والخلاني والطيران وجسري الجمهورية والسنك، لتمتد باتجاه شارع أبو نواس على نهر دجلة. ووصل المتظاهرون إلى مباني عدد من الأحزاب السياسية قرب ساحة كهرمانة في حي الكرادة، في رسالة موجهة للقوى السياسية المدعومة من إيران والتي تتركز مقراتها في تلك المنطقة.

ونوع من التفاوت في وجهات النظر، برز بردود فعل العراقيين على تلويح الرئيس برهم صالح بالاستقالة، في مواجهة المعسكر الموالي لإيران الذي يصر على تسمية رئيس وزراء من رحم السلطة. وبينما اتهمه البعض بـ"خرق الدستور"، اعتبر آخرون أن ما قام به "فعل وطني" ردًا على ضغوط "الأحزاب الفاسدة".

وأعلن برهم صالح، الخميس، بعد أيام من مقاومته لتسمية وزير في الحكومة المستقيلة أولًا ومحافظ محط جدل ثانيًا (الاثنان مدعومان من حلف طهران)، استعداده لتقديم استقالته، معلنًا رفضه هاتين الشخصيتين تماهيًا مع الشارع المنتفض.

وكان البعض يأمل أن يوضح المرجع الديني الشيعي الأعلى في خطبته المعتادة مستقبل الأزمة الضبابية التي تتعمق في البلاد. لكن آية الله السيستاني أشار إلى أنه لن يتطرق هذه المرة إلى الوضع السياسي، نائيًا بنفسه عن جدال الطبقة السياسية التي يندد بها حراك شعبي عفوي غير مسبوق يستعد لدخول شهره الرابع، رغم سقوط نحو 500 قتيل وإصابة 25 ألفًا بجروح.

ورُفعت لافتة جديدة ليلًا في ساحة التحرير، مركز الاحتجاجات في وسط بغداد، إلى جانب أخرى تحمل صور جميع المرشحين لمنصب رئاسة الوزراء وعليها إشارات حمراء تعبيرًا عن رفضهم، وتحت اللافتة الجديدة التي تحمل صورة رئيس الجمهورية، كتب المتظاهرون "شكرًا برهم على وقوفك مع مطالب الجماهير وعدم الاستجابة لمرشحي الأحزاب المرفوضين. أخرج من دائرة الأحزاب الفاسدة".

لكن لا يتفق جميع المتظاهرين مع هذا الرأي؛ فبالنسبة للمدرس علي محمد الذي يتظاهر في محافظة بابل جنوب بغداد فإن "الاستقالة ستؤدي إلى فوضى عارمة وزيادة سيطرة الأحزاب على مقدرات البلاد"، وأضاف محمد لوكالة "فرانس برس" أنه يجب على الرئيس "العدول عن الاستقالة ومواصلة التصدي للأحزاب، لأن وجوده يمثل صمام أمان لتأمين وطنية المرشح الجديد" لرئاسة الوزراء.

وفي معسكر المتظاهرين في الديوانية، جنوبًا أيضًا، يأمل محمد مهدي من جانبه أن "تكون استقالة الرئيس برهم صالح فعلية حقيقة وجادة لننتقل بعدها إلى حل البرلمان، بعد مرور شهر، وتجري بعدها انتخابات مبكرة ونتخلص من كل هذه الوجوه الفاسدة".

وأكد مهدي: "نرحب بهذه الاستقالة، وهي أحد المطالب الرئيسية للمتظاهرين من البداية باستقالة الرئاسات الثلاث" في إشارة إلى رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان.

وتتواصل الاحتجاجات في العاصمة بغداد ومحافظات وسط وجنوبي البلاد، وهتف المتظاهرون في أرجاء البلاد، الجمعة، ضد مرشحي الأحزاب لرئاسة الحكومة.

متظاهرون يقطعون شارعا حيويا في البصرة

وقطع عشرات المحتجين العراقيين، الجمعة، شارعا رئيسيا وسط مدينة البصرة أقصى جنوبي البلاد، تعبيرا عن رفضهم لأي مرشح تتقدم به الأحزاب لرئاسة الحكومة.

وأوضح الملازم أول في شرطة البصرة غدير المدلولي، أن العشرات من المتظاهرين أغلقوا الشارع التجاري الحيوي وسط مدينة البصرة وأضرموا النيران في إطارات السيارات. وأضاف أن قوات الأمن تنتشر في المكان لكن لم تتدخل لإبعاد المتظاهرين خوفًا من وقوع صدامات بين الجانبين.

وأشار المدلولي إلى أن متظاهرين آخرين أغلقوا صباح الجمعة، الطرق المؤدية إلى ميناء أم قصر، أكبر موانئ العراق، قبل إعادة فتحها مجددا بعد ساعات.

من جانبه، قال الناشط في احتجاجات البصرة رشيد ضرغام، إن الحراك يضغط باتجاه قبول مطالبه بترشيح شخص مستقل لرئاسة الحكومة المقبلة. وأضاف أن المتظاهرين لن يقبلوا بأي شكل من الأشكال مرشحا تتقدم به الأحزاب الحاكمة، وخاصة تحالف "البناء" المدعوم من إيران.

وتابع ضرغام أن المحتجين يقدرون موقف الرئيس برهم صالح برفض مرشح تحالف "البناء" محافظ البصرة أسعد العيداني. وأردف، "لا نريد أن نرى هؤلاء يحكوننا مجددًا. إنهم فاسدون ويعملون للغير وليس للعراق".

انقسام بين السياسيين حول استقالة صالح

وحول استقالة صالح، انقسمت الآراء كذلك في أوساط السياسيين. فدعا التحالف الموالي لإيران في البرلمان، والذي يقدم نفسه على أنه الكتلة الأكبر التي يحق لها تسمية رئيس الوزراء، النواب إلى "اتخاذ الإجراءات القانونية بحق رئيس الجمهورية لحنثه باليمين وخرقه للدستور".

 أما قائمة "النصر" التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، المعارض حاليًا، فدعت صالح إلى التراجع عن الاستقالة، وحضّت القوى السياسية على "ترك عقلية التخوين والاستقواء والهيمنة"؛ وأضاف بيان هذه القائمة التي حلت ثالثة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وانقسمت في ما بعد إذ انضم نصف نوابها تقريبًا إلى المعسكر الموالي لإيران، أنه يجب "إجراء تغيير جوهري على معادلة الحكم الحالية".

من جهته، اعتبر "ائتلاف الوطنية" الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق، إياد علاوي، ويضم بغالبيته نوابًا سنّة، أن ضغط الموالين لطهران "هائل"، مرحبًا بـ"الموقف الوطني" لصالح، وداعيًا إياه في الوقت نفسه إلى تشكيل "وزارة مصغّرة بالتنسيق مع الأمم المتحدة وتعيين مفوضية جديدة للانتخابات (...) على أن لا تتجاوز مهمة هذه الحكومة سنة كاملة".

ولا يزال العراق، ثاني أكبر منتجي النفط في منظمة أوبك، عالقًا بين عناد المؤيدين لإيران وتصميم المتظاهرين، الذين يواصلون إغلاق المدارس والدوائر الرسمية في كل المدن الجنوبية تقريبًا، متوعدين بأن الحياة لن تعود إلى طبيعتها حتى تحصيل مطالبهم التي خرجوا من أجلها في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، وعلى رأسها إصلاح شامل لنظام المحاصصة القائم على الطائفية، وإنهاء احتكار نفس السياسيين للسلطة منذ 16 عامًا.

رئاسة البرلمان العراقي تتراجع: صالح لم يقدم استقالته رسميًا

قال نائب رئيس البرلمان العراقي بشير الحداد، الجمعة، إن رئيس البلاد، صالح، لم يقدم طلبًا رسميا للاستقالة، وإنما كانت رسالته الموجة للبرلمان "بيان موقف ليس إلا".

ويعد هذا الموقف تراجعًا من الحداد الذي قال في وقت سابق، الجمعة، لوسائل إعلام محلية، إن الرسالة التي وجهها الرئيس صالح إلى البرلمان، الخميس، بمثابة استقالة وإنه يعتبر مستقيلًا بعد أسبوع إذا لم يقم بسحبها.

وقال الحداد في بيان، إن "خطاب رئيس الجمهورية إلى رئاسة مجلس النواب (البرلمان) هو بيان موقف وليس طلبا رسميًا للاستقالة"، وأضاف أن "ما ذكره صالح في رسالته، هو تفسير لما جرى من ضغوط واستعداده لتقديم الاستقالة بسبب ما حصل من خناق سياسي وعدم الاتفاق على مرشح لرئاسة الوزراء، وهي أزمة حقيقية معقدة في المشهد السياسي".

ودعا الحداد في بيانه "الجميع إلى تغليب المنطق ولغة العقل والحكمة لتجنيب البلاد مزيدًا من المآسي والمشاكل"، وتابع بالقول: "على القادة السياسيين ورؤساء الكتل والأحزاب الوطنية التعاون مع رئيس الجمهورية لحسم مرشح الكتلة الأكبر لرئاسة الوزراء وفق معطيات المرحلة الحالية واستمرار المظاهرات الشعبية في بغداد وعدد من المحافظات".

وأكد على ضرورة أن "ينال المرشح رضى وقبول الجماهير، وعلى أساس الاتفاق السياسي، وبما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا للبلاد، سيما ونحن نمر اليوم بمرحلة مفصلية وأزمة سياسية".

التعليقات