فراغ سياسي متواصل: اللبنانيون ناقمون على المصارف

مع تواصل تعثّر جهود تشكيل حكومة لبنانية، وتصاعد حدّة الأزمة الاقتصادية والمالية، تزداد نقمة اللبنانيين على الطبقة السياسية الحاكمة والمصارف التي تشهد يوميًا إشكالات مع المودعين الراغبين بالحصول على أموالهم، في خضم أزمة سيولة حادة تنذر بتصعيد الاحتجاجات.

فراغ سياسي متواصل: اللبنانيون ناقمون على المصارف

مع تواصل تعثّر جهود تشكيل حكومة لبنانية، وتصاعد حدّة الأزمة الاقتصادية والمالية، تزداد نقمة اللبنانيين على الطبقة السياسية الحاكمة والمصارف التي تشهد يوميًا إشكالات مع المودعين الراغبين بالحصول على أموالهم، في خضم أزمة سيولة حادة تنذر بتصعيد الاحتجاجات.

وشهد شارع الحمراء التجاري في بيروت، حيث مقر المصرف المركزي ومقرات وفروع عشرات المصارف، مواجهات عنيفة، ليلًا، بين المحتجين الذين كسروا واجهات مصارف، وقوات الأمن التي أطلقت الغاز المسيّل للدموع وأعلنت توقيف 59 شخصًا.

ولجأ عناصر مكافحة الشغب، إلى إلقاء القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين لتفريقهم عن محيط المصرف، وذلك ردا على رشقهم بالحجارة ومحاولة إزالة العوائق الحديدية الموجودة أمام المبنى.

وأصيب عشرات الأشخاص بالاختناق جراء القنابل المسيلة للدموع، التي استخدمها عناصر الأمن لتفريق المحتجين الذين رددوا شعارات منددة بالسياسات المالية التي ينتهجها مصرف لبنان، فيما هرعت سيارات الصليب الأحمر لإسعاف المصابين بحالات إغماء.

ومنذ ساعات الصباح الباكر، انهمك عمال التنظيف، وفق ما إفادات شهود عيان، في إزالة زجاج المصارف المتناثر أرضًا، بينما انصرف عمال صيانة إلى كسر واجهات متصدعة، لاستبدالها بأخرى جديدة أو بألواح معدنية واصلاح الأضرار.

وكسر المتظاهرون الليلة الماضية، الواجهات الزجاجية الصلبة، مستخدمين أعمدة إشارات السير التي اقتلعوها من مكانها وقساطل حديد ومطافئ الحريق. كما حطموا أجهزة الصراف الآلي ورشوها بالطلاء الأحمر وكتبوا على الجدران شعارات مناوئة للمصارف بينها "يسقط حكم المصرف". واستمرت هذه المشاهد لنحو خمس ساعات، تخللها إلقاء المتظاهرين الحجارة على قوات الأمن التي أطلقت الغاز المسيّل للدموع بكثافة.

وأعلنت السلطات الأمنية في لبنان، الليلة الماضية، جرح عدد من أفراد الشرطة بينهم ضابط، جراء أعمال شغب في محيط مصرف لبنان المركزي، بالعاصمة بيروت. وأحصت قوى الأمن الداخلي من جهتها إصابة 47 عنصرًا خلال الصدامات.

وعالج الصليب الأحمر اللبناني، وفق ما قال متحدث باسمه، في وقت سابق اليوم، 37 جريحًا من مدنيين وعسكريين، تم نقل ثلاثة مدنيين منهم إلى المستشفى للعلاج. وأعلن الدفاع المدني من جهته أنه عالج مجموعة من المدنيين والعسكريين في شارع الحمراء، ونقل بعض المصابين إلى مستشفيات المنطقة من دون تحديد عددهم.

وأعلنت قوى الأمن، في بيان صدر عنها اليوم، عن "توقيف 59 مشتبهًا به في أعمال شغب واعتداءات"، ما أثار غضب المتظاهرين وأفراد عائلاتهم الذين تجمعوا أمام ثكنة عسكرية احتُجزوا فيها وحصلت حالات تدافع مع قوات الأمن. وتمّ إطلاق سراح عدد قليل منهم بعد التحقيق معهم، وفق ناشطين.

وحضر موظفو غالبية المصارف إلى دوامهم بشكل طبيعي، متفقدين الأضرار التي لحقت بمكان عملهم، قبل أن يستأنفوا استقبال المودعين؛ ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مواطنة لبنانية بعد خروجها من أحد المصارف، "التكسير ليس مقبولًا، لكنني أتفهم غضب الناس الذين باتوا متعبين جدًا"، وتابعت "علي أن أحضر مرتين إلى المصرف أسبوعيًا لأسحب 200 دولار، إذ لدي مريض في المنزل وعلي أن أدفع راتب الممرض"، لافتة إلى أن "القيود التي يفرضونها تجعل حياة المواطن معقدة جدًا".

ومنذ أسابيع، ينتظر المودعون لساعات داخل قاعات المصارف لسحب مبلغ محدود من حساباتهم الشخصية بالدولار، بعدما حددت المصارف سقفًا لا يلامس الألف دولار شهريًا. وتشهد المصارف بشكل شبه يومي إشكالات بين الزبائن الذين يريدون الحصول على أموالهم، وموظفي المصارف العاجزين عن تلبية رغباتهم. كما لم يعد ممكنًا تحويل مبالغ مالية إلى الخارج إلا في حالات محددة.

وتوشك الليرة اللبنانية على خسارة نحو نصف قيمتها عمليًا. ففيما لا يزال سعر الصرف الرسمي مثبتًا على 1507 ليرات مقابل الدولار، لامس الدولار عتبة 2500 ليرة في السوق الموازية.

ودعت مجموعة تطلق على نفسها تسمية "مجموعة شباب المصرف" إلى اعتصام جديد، مساء اليوم، أمام المصرف المركزي، متوعدة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالمحاسبة.

وفي لبنان، يتم استخدام الدولار والعملة المحلية في عمليات الدفع اليومية، إلا أن الحصول على الدولار بات مهمة صعبة منذ أشهر، ويتهم المتظاهرون المصارف بالتواطؤ مع الصرافين والتلاعب بسعر الصرف.

وعمد متظاهرون بعد ظهر اليوم، إلى قطع طريق حيوي يؤدي إلى وسط بيروت، فيما قطع متظاهرون طرقًا رئيسية في شرق البلاد وجنوبها وشمالها. وأقفلت العديد من المدارس أبوابها.

ومنذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر، خرج مئات الآلاف من اللبنانيين إلى الشوارع والساحات وقطعوا الطرق احتجاجًا على أداء الطبقة السياسية التي يتهمها المتظاهرون بالفساد ويحملونها مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي وعجزها عن تأهيل المرافق وتحسين الخدمات العامة الأساسية.

وتسبّبت الاحتجاجات باستقالة رئيس الحكومة، سعد الحريري، ومن ثم تكليف حسان دياب تشكيل حكومة "إنقاذية"، وتعهّد الأخير أن تكون مصغرة ومن التكنوقراط، قبل أن يتحدّث الجمعة عن "ضغوط" يتعرض لها. واصطدم مؤخرًا بدعوة كتل سياسية دعمت تكليفه إلى تشكيل حكومة تكنوسياسية.

ويطالب المتظاهرون بتشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن تضع خطة إنقاذ للاقتصاد المتداعي؛ وخسر عشرات آلاف اللبنانيين وظائفهم أو جزءًا من رواتبهم جراء أسوأ أزمة اقتصادية في البلاد في تاريخها الحديث، بينما ارتفع الدين العام إلى نحو تسعين مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

وطالب رئيس البرلمان، نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال، الحريري، في بيانين منفصلين بمعاقبة المسؤولين عن الاعتداءات على المصارف، معتبرين أن ما جرى "غير مقبول"، في حين وصفته جمعية المصارف بـ"العمل الهمجي".

وانتقد المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، في تغريدة على تويتر، اليوم، أداء السياسيين الذين "يتفرجون على انهيار الاقتصاد" على وقع "تصاعد الاحتجاجات الغاضبة". وخاطبهم بالقول "أيها السياسيون، لا تلوموا الناس، بل لوموا أنفسكم على هذه الفوضى الخطيرة".

التعليقات