حكومة لبنانية مرتقبة: نظام المحاصصة الطائفية قد يلجأ إلى الحريري مجددا

في ظل نظام المحاصصة الطائفي تبدو الخيارات المتعلقة بالحكومة اللبنانية المستقبلية محدودة، على الرغم من نبض الشارع الذي يغلي للمطالبة بإسقاط النخبة الحالية الفاسدة الحاكمة في لبنان أو معظمها، إضافة إلى إسقاط اتفاق الطائف الذي أتى بها إلى الحكم عام 1989

حكومة لبنانية مرتقبة: نظام المحاصصة الطائفية قد يلجأ إلى الحريري مجددا

مظاهرات مطالبة برحيل الثلة الحاكمة الفاسدة في لبنان (أ ب)

في ظل نظام المحاصصة الطائفي تبدو الخيارات المتعلقة بالحكومة اللبنانية المستقبلية محدودة، على الرغم من نبض الشارع الذي يغلي للمطالبة بإسقاط النخبة الحالية الفاسدة الحاكمة في لبنان أو معظمها، إضافة إلى إسقاط اتفاق الطائف الذي أتى بها إلى الحكم عام 1989.

وشهدت الساعات الماضية تحركات مكوكيّة واجتماعات بعيدة عن الأضواء بين أقطاب السياسة اللبنانيّة، بعد قبول رئيس الجمهورية، ميشال عون، الإثنين، استقالة حكومة حسان دياب، على خلفية انفجار ضخم بمرفأ العاصمة بيروت، في 4 آب/ أغسطس الجاري.

واستقالة دياب جاءت بعد أيّام من زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، التفقديّة، الخميس الماضي، على خلفيّة الانفجار، الذي خلف 171 قتيلا وأكثر من 6 آلاف جريح، وعشرات المفقودين، بجانب دمار مادي هائل، بخسائر تُقدر بنحو 15 مليار دولار، وفقا لأرقام رسمية غير نهائية.

وبانعدام الأفق الذي يكرسه النظام الطائفي، عاد اسم الرئيس الحكومة السابق، زعم "تيار المستقبل"، سعد الحريري، إلى التداول مجددا كمرشح لرئاسة الحكومة المقبلة، مع استقالة دياب، وذلك بضوء أخضر فرنسي، بحسب مراقبين.

وثمة أحاديث عديدة عن مساعٍ دوليّة لإيجاد حلّ في موضوع تشكيل الحكومة في بلد يعاني من أزمات متراكمة، بينها أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث.

وبموجب اتفاق الطائف، توجد في لبنان 3 رئاسات، هي رئاسة الجمهورية ويتولاها مسيحي ماروني (ميشال عون حاليا)، ورئاسة مجلس النواب (البرلمان)، ويتولاها مسلم شيعي (نبيه بري حاليا)، ورئاسة الحكومة ويتولاها مسلم سُني (دياب يصرف أعمالها حاليا).

وحكومة دياب هي الثالثة التي تستقيل في عهد عون، الذي تولى السلطة عام 2016، ويستمر في الحكم 6 سنوات.

الحريري "غير متحمس"

وفي تصريحات نقلتها وكالة "الأناضول"، قال عضو المكتب السياسي لـ"تيار المستقبل"، راشد فايد، إن "الحريري لا يبدو متحمّسا للعودة إلى السرايا رئيسا للحكومة".

وكانت احتجاجات شعبية ترفع مطالب اقتصادية وسياسية أجبرت حكومة يترأسها الحريري على الاستقالة، في 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وحلت محلها حكومة دياب، في 11 شباط/ فبراير الماضي.

وتابع: "لا بدّ من الرجوع إلى يوم 17 تشرين الأوّل المنصرم (بداية الاحتجاجات الشعبية)، حين أعلن الحريري تأييده لبنود الانتفاضة، وعندها اشترط أن تكون الحكومة من مستقلين، وألّا تشارك فيها القوى السياسيّة، وبالتالي هذه الشروط لم يتراجع عنها الحريري لغاية الآن".

وفي ظلّ أحاديث صحافيّة عن تريث سعودي لعودة الحريري، أجاب فايد: "ليس على علمي أنّ تشكيل الحكومة يمرّ عبر السعودية أو غيرها"؛ واستطرد: "الأهم من هذا هو ماذا ستفعل الحكومة الجديدة (؟) وإذا لم يكن لديها حقّ اشتراع (تشريع) ومراسيم تنظيميّة، لن يكون هناك إصلاحات سريعة".

وحول ما إذا كان هناك بحث عن اسم قريب من الحريري، وهي النائبة السابقة بهيّة الحريري (عمته)، ردّ فايد: "كلا، هذا استباق للأمور، وهذا ليس همّ الحريري، إنّما همّه إنقاذ البلد من الكارثة الكبرى التي حلّت به".

وادعى فايد أنه "طالما الاستشارات النيابية (يجريها رئيس الجمهورية لتكليف شخصية بتشكيل الحكومة) لم تنعقد، فلا قيمة لأي كلام عمن سيكون رئيسا للحكومة".

وقال مصدر مقرّب من رئيس الجمهوريّة، طلب عدم نشر اسمه، إن "موعد الاستشارات النيابيّة لم يُحدّد لغاية الآن، والمشاورات لا تزال جارية لتحضير الأجواء‎".

حكومة توافق وطني

واعتبر نائب رئيس مجلس النواب، إيلي الفرزلي، أن "العالم أتى الأسبوع المنصرم إلى لبنان من خلال زيارة الرئيس الفرنسي، وعندما دعا إلى طاولة للحوار كان على رأسهم الحريري".

وتابع الفرزلي: "لم يأتِ الحريري إلى الحوار كرئيس حكومة سابق، وإنّما كممثل لمكوّن أساسي من مكونات المجتمع اللبناني، وهو ما لم يكن مؤمنا في تركيبة الحكم الحاليّة، واستكمال عمليّة التوافق داخل السلطة، عليه أن يكون بتمثيل هذا الشخص تمثيلا صحيحا".

ورأى أن "ماكرون كان واضحا بتبيان أهميّة وجود سعد الحريري كما أهميّة وجود حزب الله، أو القول بطريقة أخرى إنّ توافق هؤلاء يشكّل مدماكا أساسيًا من مداميك التوافق الوطني".

الحريري وعون وبرّي (أرشيفية - أ ب)

وقال الفرزلي "الرئيس الحريري هو ممرّ إجباري لتوافق ينتج حكومة تؤدّي إلى صناعة إصلاحات ملحّة يطالب بها الغرب".

وثمة اتهامات محلية وإقليمية وغربية لحكومة دياب بأنها خاضعة لسيطرة "حزب الله"، حليفة إيران والنظام السوري، وهو ما يحرم لبنان من مساعدات مالية لمعالجة وضعه المتأزم. ونفي دياب مرارا صحة هذه الاتهامات.

وتحدّث الفرزلي عن شكل الحكومة المقبلة، موضحا: "حكومة توافق وطني، أيّ حكومة لمّ شمل".

وعن حصّة تمثيليّة لثوار 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في الحكومة، قال: "برأي يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار شريحة من اللبنانيين لها وجهة نظر أخرى تختلف عن هذه الشريحة السياسيّة، ولا بأس أن تؤخذ بعين الاعتبار". وحول إن كان الحريري قد حسم خياره، قال: "الحريري لم يحسم أمره حتى تاريخه".

ونفى الفرزلي أن يكون رئيس مجلس النواب، نبيه بري، وضع فيتو على الدبلوماسي اللبناني، نواف سلام، قائلا: "لا يعارض اسمه، لكنه ليس موافقا عليه، وبري كان واضحا أنّه لا يضع فيتو على أي اسم".

"التيار" لن يعرقل أي طرح

في المقابل، قال مصدر مقرّب من وزير الخارجية السابق، رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، إن "باسيل يفضّل ألا يشارك في الحكومة المقبلة، ولكنّ حتى الساعة معالم التسوية غير واضحة".

وشدّد المصدر، طالبا عدم نشر اسمه، على أن "التيار الوطني الحرّ لن يكون مُعرقلا لأي طرح، ولن ندخل في أسماء الآن (بشأن رئيس الحكومة المقبلة)".

"عدم ارتياح" سعودي

على خط موازٍ، قال فيصل عبد الساتر، وهو صحافي مقرب من حزب الله: "هناك أسماء عدّة استُحضرت لتولي رئاسة الحكومة، ومن أبرزها الرئيس سعد الحريري، الذي لم يُبدِ مرونة واضحة".

وتابع: "الرئيس الحريري يحظى بدعم فرنسي، أميركي، إماراتي، مصري، والقوى الداخليّة التي يتشكل منها مجلس النواب.. والرئيس الحريري قد يواجه مشكلة في عدم الارتياح السعودي أو عدم الترحيب السعودي في هذا الصدد".

وأضاف عبد الساتر: "بحسب الأوساط السياسيّة، النائب بهية الحريري قد يكون اسمها أيضا مطروحا، لأنها تشكل حالة وسطية ما بين الطروحات، فهي لم تكن صاحبة مواقف قاسية، ولاسيما في الفترات الأخيرة".

سلام "يرفض" المهمة

ويطالب المحتجون في لبنان برحيل كل أركان السلطة الحاكمة، وبينها عون وبري، حيث يتهمونها بالفساد وانعدام الكفاءة، ويحملونها مسؤولية ما آلت إليه أوضاع لبنان.

وعلى خط "الثورة"، قال المحامي والناشط السياسي، أنطوان سعد، إن "أي مشاركة لأي قوى سياسيّة في السلطة هو استمرار للمافيا السلطويّة، والطبقة الحاكمة مسؤولة عما وصلت إليها البلاد". وتابع: "طرح اسم الحريري لا يمكن أن يمر وهو الذي كان شريكا في التسويات والشراكات".

ونقلت تقارير صحافية لبنانية عن "مصادر سياسية مطلعة"، الثلاثاء، ترجيحها أن تكون الحكومة الجديدة "برئاسة نواف سلام، الدبلوماسي والقاضي بمحكمة العدل الدولية في لاهاي، بدعم أميركي فرنسي سعودي مشترك".

وختم سعد بأن "الثوار يبحثون عن شخصية مستقلة.. أجريت أنا ومجموعة من المستقلين اتصالات مع الدبلوماسي نواف سلام حول إمكانية موافقته لتولي هذه المهمّة، لكنه رافض، لأنّه على حدّ قوله لن يترك موقعه في الخارج".

التعليقات