تنحية قاضي التحقيق بانفجار مرفأ بيروت إثر ضغوط سياسية

حيّدت محكمة التمييز الجزائية في لبنان، المحقق العدلي القاضي فادي صوان، عن التحقيقات في قضية انفجار المرفأ المروع، في خطوة انتقدتها منظمات حقوقية كونها تأتي بضغوط سياسية واضحة، في وقت لم يخرج التحقيق بعد ستّة أشهر على المأساة بأي نتيجة معلنة

تنحية قاضي التحقيق بانفجار مرفأ بيروت إثر ضغوط سياسية

الدمار الذي خلفه الانفجار، أب/ أغسطس الماضي (أ ب)

حيّدت محكمة التمييز الجزائية في لبنان، المحقق العدلي القاضي فادي صوان، عن التحقيقات في قضية انفجار المرفأ المروع، في خطوة انتقدتها منظمات حقوقية كونها تأتي بضغوط سياسية واضحة، في وقت لم يخرج التحقيق بعد ستّة أشهر على المأساة بأي نتيجة معلنة بعد.

ويهدد عزل صوان بإعادة التحقيقات إلى المربّع الأول، فيما تتعرّض السلطات لضغوط متزايدة للكشف عن نتائج التحقيق في الانفجار الذي أسفر في الرابع من آب/ أغسطس الماضي، عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة 6500 آخرين بجروح ودمار عدد من أحياء العاصمة.

وفي هذا الشأن، قال مصدر قضائي لبناني أن "محكمة التمييز الجزائية، برئاسة القاضي جمال الحجار، قررت نقل ملف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت من يد القاضي صوان إلى قاض آخر" لم تسمه بعد.

ومنذ تعيينه في 13 أغسطس/ آب، يحقّق صوان في الانفجار الذي عزته السلطات إلى تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم لسنوات في أحد عنابر المرفأ من دون إجراءات وقاية. وتبين أن مسؤولين على مستويات عدة سياسية وأمنية وقضائية كانوا على دراية بمخاطر تخزينها من دون أن يحركوا ساكنًا.

وادعى صوان في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر على رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، وثلاثة وزراء سابقين، هم وزير المالية السابق، علي حسن خليل، ووزيرا الأشغال السابقان، غازي زعيتر ويوسف فنيانوس، إلا أن أحدًا منهم لم يمثل أمامه في جلسات حدّدها لاستجوابهم كـ"مدعى عليهم".

وأثار الادعاء على المسؤولين الأربعة اعتراض جهات سياسية، بينها رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، و"حزب الله".

وتقدّم كل من زعيتر وخليل، المقربين من رئيس البرلمان، نبيه بري، إثر ذلك، بمذكرة أمام النيابة العامة التمييزية طلبا فيها نقل الدعوى إلى قاض آخر، بعدما اتهما صوان بخرق الدستور بادعائه على وزيرين سابقين ونائبين في البرلمان، بينما يتمتع هؤلاء بحصانة دستورية ويفترض أن تمرّ ملاحقتهم بمجلس النواب، وفق معارضي قرار الادعاء.

ورغم ملاحظاتها على أداء صوان ومطالبتها إياه مرارًا بالكشف عن نتائج تحقيقاته، رأت منظمات حقوقية في عزله "خطوة سلبية".

وقال المحامي نزار صاغية، المدير التنفيذي للمفكرة القانونية، وهي منظمة غير قانونية تعنى بشرح القوانين، إن "مجرد أن يرفض الوزراء والطبقة السياسية أن يكونوا موضع محاسبة، فهم بذلك يضعون خطًا أحمر للتحقيق، وهذا أمر خطير للغاية".

وبحسب المصدر القضائي، اعتبرت المحكمة أن "ارتياب" الوزيرين في "حياد المحقق العدلي مشروع" كونه من المتضررين من الانفجار بعد تعرّض منزله لأضرار، واعتبرت أن ذلك "يصعّب عليه اتخاذ القرارات في الدعوى التي يحقق فيها مع المحافظة على تجرده".

وشدّدت الباحثة في منظمة "هيومن رايتس ووتش" في بيروت، آية مجذوب، على أن إبعاد صوان بسبب مذكرة تقدّم بها وزيران سابقان ادعى عليهما "استهزاء بالعدالة وإهانة لضحايا الانفجار والشعب اللبناني". واعتبرت أن "المحاكم رسمت الخطوط الحمراء: لا يخضع السياسيون لسيادة القانون"، مضيفة "بعد أكثر من ستة أشهر، عدنا الى نقطة الصفر".

ويتعيّن على القضاء اللبناني الآن أن يبادر إلى تعيين قاض جديد لتولي التحقيق سيكون عليه الاطلاع على الملفات التي أعدها صوان وبدء بعضها ربما من جديد.

وتتعرض الطبقة السياسية بأكملها في لبنان لاتهامات بالفساد واستغلال النفوذ. وقامت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، تحركات احتجاجية طالبت بمحاسبة وتنحي كل الطبقة السياسية استمرت أشهرا ونجحت في إسقاط حكومة آنذاك برئاسة سعد الحريري، لكن لم يتغير شيء في الأداء السياسي.

ولم تسفر التحقيقات في الانفجار عن أي نتيجة معلنة حتى الآن رغم توقيف 25 شخصًا على الأقل، بينهم مسؤولون عن إدارة المرفأ وأمنه. وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن هؤلاء ما زالوا "رهن الاحتجاز دون توجيه اتهامات واضحة، في ظروف تنتهك حقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة".

وقالت مجذوب: "يجب أن تنتهي هذه المسرحية. نحتاج إلى إجابات أظهر لبنان أنه غير قادر على توفيرها"، مجددة المطالبة بـ"تحقيق دولي مستقل في أقرب فرصة ممكنة".

ورفض لبنان إجراء تحقيق دولي في الانفجار، إلا أن فريق محققين فرنسيين ومن مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي شارك فيه. ولا يزال لبنان ينتظر تسلم التقرير الفرنسي حول أسباب الانفجار.

ويركّز التحقيق المحلي على ملاحقة المسؤولين عن الإهمال لتغاضيهم عن ترك كميات نيترات الأمونيوم في المرفأ، في وقت أجّج الانفجار غضب الشارع الذي بات يحمل الطبقة السياسية أيضًا مسؤولية الكارثة.

ونفّذ العشرات من أهالي ضحايا الانفجار وقفة احتجاجية أمام قصر العدل مساء الخميس، بعد تنحية صوان، وحملوا لافتات جاء في بعضها "نفذ صبرنا، نريد الحقيقة".

وصرخت سيدة قتل شقيقها بانفعال، وفق ما نقل بث تلفزيوني مباشر، "لا ثقة لنا بأي منكم.. أنتم تتلاعبون بنا. ولن ننتظر 15 عامًا لنأخذ حقنا". فيما قال والد فقد ابنه الشاب "لقد خسرنا الغالي، وعندما أراد القاضي صوان وضع يده على الجرح نقلوا الملف منه".

وفي وقت سابق من الشهر الحالي، وبناء على طلب من لبنان، عمّم الإنتربول النشرة الحمراء بحق ثلاثة أشخاص أفاد القضاء اللبناني بأنهم مالك السفينة التي نقلت نيترات الأمونيوم إلى بيروت، وقبطانها والتاجر الذي اشترى حمولتها.

وسطّر صوان مطلع الأسبوع الجاري، استنابات إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية، طلب بموجبها تبيان كامل هويات ثلاثة رجال أعمال سوريين يحملون أيضًا الجنسية الروسية، والتثبت مما إذا لهم مكان إقامة في لبنان تمهيدًا لاستدعائهم إلى التحقيق، بعد تقارير إعلامية أفادت بوقوفهم خلف صفقة شراء شحنة نيترات الأمونيوم من جورجيا بواسطة شركة يُعتقد أنها وهمية مقرها بريطانيا.

التعليقات