أزمة الحكومة اللبنانية بين أزمتين: صراع الصلاحيات وعوائق الخارج

*فشلت الجهود الأميركية والفرنسية الأخيرة مع السعودية في حلحلة الوضع اللبناني *سعد الحريري اعتذر مؤخرا عن تشكيل الحكومة، في ظل استمرار خلافه مع الرئيس ميشال عون *الحريري يعلم أنه من دون غطاء سعودي لا يمكنه تشكيل حكومة جديدة

أزمة الحكومة اللبنانية بين أزمتين: صراع الصلاحيات وعوائق الخارج

عون والحريري (أ ب)

جاء اعتذار سعد الحريري الأخير عن تشكيل حكومة لبنانية، بعد زيارة قام بها إلى القاهرة التقى خلالها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي. وقالت مصر إنها تدعم الجهود المبذولة لتشكيل حكومة لبنانية؛ في المقابل طارت السفيرتان الفرنسية والأميركية لدى بيروت إلى الرياض للضغط تجاه تشكيل حكومة لبنانية، إلا أن جميع هذه الجهود آلت إلى الفشل وسط أزمات داخلية وعوائق خارجية متصاعد.

"التكليف لا يعني تكليفا أبديا"، جملة قالها البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في أحد تصريحاته مؤخرا، ليعلن رئيس الحكومة المكلف، الحريري، بعدها بأيام، اعتذاره عن تشكيلها.

كلام الراعي جاء خلال قداس 11 تموز/ يوليو الجاري، انتقد فيه استمرار تبادل الشروط وتأخير تشكيل الحكومة من قبل المعنيين بتشكيلها (الحريري والرئيس ميشال عون) وعدم قيامهم بواجباتهم الدستورية والوطنية.

لكن أكثر ما كان لافتا أن موقف البطريرك بشأن "التكليف" جاء بعد 3 أيام فقط من لقائه السفير السعودي لدى بيروت، وليد بخاري، وهو موقف اعتبره مراقبون أنه "غير مسبوق" تجاه الحريري، منذ تعقد الملف الحكومي.

فشل الجهود الدبلوماسية

تزامنا مع لقاء الراعي بالسفير السعودي، كانت السفيرتان الأميركية والفرنسية تخوضان جهودا دبلوماسية مع الرياض في محاولة لحلحلة الوضع، إلا أن النتيجة جاءت معاكسة، فاعتذر الحريري.

وفي 8 تموز/ يوليو الجاري، توجهت السفيرتان الأميركية دوروثي شيا، والفرنسية آن غريو، لدى بيروت، إلى السعودية لإجراء مباحثات مع مسؤولين في الرياض حول الأوضاع المتأزمة في لبنان، وضرورة تشكيل حكومة.

(أ ب)

وتعيد هذه التطورات إلى الأذهان، ما ذكره رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط (حليف الحريري) في أيار/ مايو الماضي، بأن "السعودية لا تريد سعد الحريري رئيسا للحكومة في الوقت الحالي".

ورأى المحلل السياسي فيصل عبد الساتر، أن "الحريري كان يعلم أن الفيتو السعودي عليه حضر منذ اللحظة الأولى لتكليفه (قبل 9 أشهر)، لكنه لم يصارح أحدا لأنه ربما كان يراهن على الوقت لتغير الرياض موقفها منه".

وأضاف عبد الساتر أن "الحريري وبعد كل جولاته في الخارج، وصل في نهاية المطاف إلى طريق مسدود، وهو يعلم أنه من دون غطاء سعودي لا يمكنه تشكيل حكومة جديدة".

وأردف أنه "هذا ما تأكد مؤخرا من خلال حركة السفيرتين الأميركية والفرنسية، حيث كان واضحا من أنه ليس هناك أي إشارة إيجابية من السعودية تجاه الحريري".

وساطة مصر والإمارات لم تنجح

ولفت عبد الساتر إلى أن "الحريري كان يراهن على تغيير في الموقف السعودي تجاهه عبر وساطة ودعم من مصر والإمارات".

وتابع "إلا أن الدور المصري لم ينجح في تغيير الموقف السعودي، كما أن تصاعد الخلافات بين أبو ظبي والرياض مؤخرا، أحبط رهان الحريري".

ورأى أن "ما ظهر إلى العلن خلال اعتذار الحريري بشأن الخلاف على التشكيلة الوزارية وتوزيع الحقائب كان مجرد شماعة، والحقيقة أن الحريري لم يحصل على أي ضوء أخضر سعودي، بل جرى إقصاؤه".

(أ ب)

إلا أن الكاتب والمحلل السياسي توفيق شومان، لا يربط اعتذار الحريري بموقف السعودية منه، ويقول إن الأزمة السياسية الحالية في لبنان هي صراع داخلي بشكل شبه كامل، دون نفي وجود تأثيرات قليلة من الخارج.

السعودية غير راضية عن الحريري

وأفاد شومان بأن "موقف السعودية من الحريري ليس جديدا، إنما يعود إلى عام 2016، حيث لم تكن الرياض حينها راضية عن التسوية التي أبرمها الحريري مع عون (حليف حزب الله) والذي وصل من خلالها الأخير لسدة الرئاسة اللبنانية".

وأشار إلى أن "موقف الرياض من الحريري هو نفسه منذ التسوية الرئاسية حتى اليوم"، موضحا أن الحريري شكل حكومتين (عام 2016 و2018) بعد إبرامه التسوية مع عون، بمعزل عن موقف السعودية الذي لم يكن مؤيدا.

وقال شومان: "صحيح أن السعودية أقفلت الأبواب على أي مساعدة إلى لبنان من دون شروط، سواء على شكل هبات أم إيداعات في المصرف المركزي، إلا أن أساس الأزمة داخلية، واعتذار الحريري يقع ضمن هذه الخانة".

صراع الصلاحيات

واعتبر شومان أن "لبنان اليوم أمام أزمة صراع حول الصلاحيات بين رئاسة الجهورية ورئاسة مجلس الوزراء، وأمام محاولة للعودة إلى ما قبل 1990 عندما كان النظام في البلاد رئاسيا"، في إشارة إلى العودة إلى ما قبل اتفاقية الطائف.

(أ ب)

وفي عام 1990، إثر حرب أهلية استمرت 15 عاما، وقع المسؤولون اللبنانيون اتفاقية الطائف في السعودية لوقف الحرب، تحول بموجبها النظام السياسي اللبناني إلى نظام طوائف ونُقلت بموجبها بعض من صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى مجلس الوزراء.

وقبيل الطائف، كان رئيس البلاد يُعين الوزراء ويختار من بينهم رئيسا للوزراء، أما بعده فأصبح الرئيس يسمي رئيس الوزراء بالتشاور مع رئيس البرلمان استنادا إلى استشارات نيابية ملزمة، كما أصبح تشكيل الحكومة يتم بالاتفاق بين رئيس البلاد ورئيس الوزراء.

هل تفضي استشارات الإثنين إلى جديد؟

وفي الشارع، يتعاظم القلق المعيشي، وسط ترقب سياسي لما قد تأتي به الدعوة لاستشارات نيابية ملزمة يوم الإثنين المقبل، لتكليف شخصية جديدة تشكيل الحكومة. لكن الآمال لا تبدو كبيرة، إذ إن التكليف حتى لو حصل لا يعني التشكيل، كما أن التجارب السابقة ليست مشجعة.

(أ ب)

وستجري الاستشارات النيابية الملزمة، حيث تم تحديد جدول مواعيد الاستشارات في هذا اليوم للكتل والنواب المستقلين لتسمية رئيس حكومة جديد، بحسب بيان صدر عن رئاسة الجمهورية الإثنين الفائت.

وفي 15 تموز/ يوليو الجاري، أعلن الحريري في مؤتمر صحافي اعتذاره عن تشكيل الحكومة بعدما قدم للرئيس عون تشكيلة وزارية ثانية بعد 9 أشهر من تكليفه، لكن الأخير طلب إدخال تعديلات عليها وهو ما رفضه الحريري.

وبذلك عادت الأزمة الحكومية في البلاد إلى نقطة الصفر، بعدما كانت حكومة تصريف الأعمال الراهنة برئاسة حسان دياب، قد استقالت عقب 6 أيام من انفجار مرفأ بيروت، في 4 آب/ أغسطس الماضي، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا، وخسائر مادية هائلة.

كما يشهد لبنان، منذ عام ونصف العام، أزمة اقتصادية حادة أدت إلى تدهور مالي، وفقدان القدرة الشرائية لمعظم المواطنين، فضلا عن ارتفاع معدلات الفقر بشكل غير مسبوق.

التعليقات