انتخابات العراق... تحذير من أي تصعيد يمسّ السلم والأمن المجتمعيّ

أثارت النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق، مخاوف من احتمال اندلاع اشتباكات بين فصائل شيعية، بعضها موال لإيران، ترفض التخلي بسهولة عن النفوذ الكبير الذي اكتسبته خلال السنوات الماضية، ما دفع الرئاسة العراقية ومجلس القضاء الأعلى في البلاد، التحذير،

انتخابات العراق... تحذير من أي تصعيد يمسّ السلم والأمن المجتمعيّ

عنصر أمن عراقيّ أمام مركز فرز الأصوات (أ ب)

أثارت النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق، مخاوف من احتمال اندلاع اشتباكات بين فصائل شيعية، بعضها موال لإيران، ترفض التخلي بسهولة عن النفوذ الكبير الذي اكتسبته خلال السنوات الماضية، ما دفع الرئاسة العراقية ومجلس القضاء الأعلى في البلاد، التحذير، الجمعة، من أي تصعيد يمسّ السلم والأمن المجتمعي.

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

جاء ذلك في بيان مشترك للرئيس، برهم صالح ورئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، بعد تصاعد وتيرة التوتر وِالمخاوف من اندلاع أعمال عنف على خلفية اعتراض قوى وفصائل شيعية متنفذة على النتائج الأولية للانتخابات.

ودعا البيان، جميع الأطراف في البلاد إلى تبني "موقف وطني مسؤول يأخذ في الاعتبار المصلحة العليا للبلد، والتزام التهدئة وتغليب لغة العقل وتجنّب أي تصعيد قد يمس السلم والأمن المجتمعي".

(أ ب)

وقال: "الانتخابات استحقاق وطني ومسار ديمقراطي سلمي للرجوع إلى المواطنين وخياراتهم، وضرورة تحقيق ثقة العراقيين بالعملية الانتخابية لتكون معبّرة عن إرادتهم الحقيقية".

وأشار إلى أن الاعتراضات على سير العملية الانتخابية ونتائجها، ستكون "مقبولة ضمن السياق القانوني والتعامل معها يكون وفق الدستور والقانون ليكون الفيصل".

وتابع البيان: "دعم صالح وزيدان لمفوضية الانتخابات والهيئة القضائية المُختصة لمتابعة هذا الملف، والحرص والجدية التامة بالنظر في الشكاوى والطعون على العملية الانتخابية، بمهنية عالية وبمسؤولية وحيادية تامة".

وشدد على "ضرورة تضافر الجهود لتلبية الاستحقاقات الوطنية بتشكيل مجلس نواب يستجيب لتطلعات الشعب في الإصلاح والتنمية، ويعملُ على تشكيل حكومة فاعلة تحمي المصالح العليا للبلد".

تسمية

وكان "الإطار التنسيقي"، الذي يضم أذرعا سياسية لفصائل مسلحة متنفذة وقوى شيعية أخرى، قد حذر في بيان الأربعاء، من أن المضي بالنتائج المعلنة من شأنه "تهديد السلم الأهلي للخطر".

وأثار هذا التحذير المخاوف في البلاد من احتمال اندلاع حرب أهلية داخلية.

وكان تحالف "الفتح" الموالي لطهران، أبرز الخاسرين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

ووفق نتائج أولية، فإن "الفتح" فاز بـ14 مقعدا فقط من أصل 329، بعد أن حلّ في المرتبة الثانية برصيد 48 مقعدا في انتخابات 2018.

ويضمّ تحالف "الفتح"، بزعامة هادي العامري، أذرعا سياسية لفصائل شيعية متنفذة مرتبطة بإيران من بينها: "عصائب أهل الحق"، و"حزب الله" العراقي، و"حركة النجباء"، والتي زاد نفوذها بصورة كبيرة منذ الحرب ضد تنظيم "داعش" بين عامي 2014-2017.

(أ ب)

ورغم أن هذه الفصائل تابعة رسميا للقوات المسلحة، وتتلقى رواتبها وأسلحتها من الدولة ضمن إطار "الحشد الشعبي"، إلا أنها خاضعة فعليا لأوامر قادتها المرتبطين بإيران، وفق محّللين سياسيين.

ويرى متابعون للشأن العراقي، أن تلك الفصائل تحولت إلى ما يشبه دولة داخل دولة، حتى أن نفوذها يفوق سلطة الحكومة وقواتها المسلحة.

وسيضع أي نزاع مسلح محتمل، هذه الفصائل في مواجهة مباشرة مع الجيش، وكذلك "سرايا السلام"، وهي الجناح العسكري للتيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر، الذي تصدر الانتخابات برصيد 73 مقعدا، استنادا إلى النتائج الأولية التي نشرتها وكالة الأنباء الرسمية "واع".

"مشاورات وتوافقات في الدهاليز المظلمة"؟

ورأى المحلل السياسي سعد الزبيدي، أن المصادقة على النتائج الأولية وجعلها نهائية؛ من شأنها الذهاب بالبلاد نحو الفوضى.

ونقلت وكالة "الأناضول" للأنباء عن الزبيدي، القول، إن "النتائج جاءت عكس التوقعات، ومعظم الأطراف الخاسرة لديها أجنحة مسلحة، وتفاجأت بخسارة فادحة، بعد أن كانت متصدرة في انتخابات 2018 وقبلها".

(أ ب)

وأشار الزبيدي إلى أن الكثير من قادة الفصائل شكك بنزاهة مفوضية الانتخابات، والنتائج التي أعلنتها، ولوحوا باستخدام السلاح. لكنه يعتقد أن الأمور قد تهدأ قريبا عند فرز الصناديق المختلف عليها يدويا، وحصول تلك الفصائل على مزيد من المقاعد على حساب "الكتلة الصدرية".

وأضاف الزبيدي: "قد تكون هناك مشاورات وتوافقات في الدهاليز المظلمة، من أجل عدم تعقيد الموقف واللجوء لمنطق الحكمة والعقل، وقد تكون هناك تنازلات من بعض الجهات للحفاظ على أمن البلاد".

استبعاد الحرب الأهلية

وكانت مفوضية الانتخابات، قد أعلنت النتائج الأولية بعد أقل من 24 ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع.

وقالت المفوضية إنها لم تتلق أية شكاوى حمراء خلال عملية الاقتراع، في إشارة إلى الشكاوى المتعلقة بالتزوير والتلاعب. كما لم يرصد آلاف المراقبين المحليين والدوليين خروقات "كبيرة" في الانتخابات، التي نالت إشادة من الأمم المتحدة.

احتفالات موالين للصدر (أ ب)

وتجري مفوضية الانتخابات عملية عد وفرز يدوية لـ6 بالمئة من أصوات الناخبين في المحطات التي قالت المفوضية إن الأجهزة الاإكترونية تعطلت فيها، وتعذر الحصول على نتائجها على الفور.

وقلّل رئيس مركز الرفد للإعلام والدراسات الإستراتيجية، عباس الجبوري، من مخاوف احتمال اندلاع حرب أهلية في البلاد.

وقال إن "من يتصور بأنه ستكون هناك حرب، فهذا الشيء بعيد عن الواقع. أنا الآن في العاصمة بغداد وليس هناك أي شيء يشير إلى ذلك، وضبط النفس موجود".

وعدّ أن "هناك الكثير من العقلاء المتفهمين للوضع، رغم وجود معترضين".

وأشار الجبوري إلى أن "القضاء سيبتّ في الطعون وينتهى الأمر"، بحسب ما يرى.

التلويح بالعنف

وخلال الساعات القليلة الماضية، تصاعدت نبرة التصعيد من الفصائل الشيعية التي خسرت الكثير من مقاعدها في الانتخابات.

ومساء الأربعاء، قال الإطار التنسيقي، الذي يضم معظم القوى السياسية والفصائل الشيعية، في بيان، إن المضي بالنتائج المعلنة "يهدد بتعريض السلم الأهلي للخطر". وفي المقابل، دعا مقتدى الصدر، في تغريدة عبر "تويتر"، إلى "ضبط النفس وتغليب المصلحة العامة على الخاصة"، وذكر أن السلم الأهلي "لن يتزعزع في العراق".

من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي جليل اللامي، للوكالة، إن "الوضع بدأ يثور كالبركان".

وأوضح اللامي أن التوتر يسود بين مفوضية الانتخابات وهيئة "الحشد الشعبي" حتى قبل عملية الاقتراع، بعد استبعاد مقاتلي الحشد، التصويت الخاص بقوات الأمن، والذي جرى قبل يومين من التصويت العام، وذلك بسبب تأخر تسليم قوائم أسماء عناصر الحشد.

ووفق اللامي، فإن "هيئة الحشد الشعبي، تحججت بأن المفوضية طلبت بيانات منتسبيها قبل فترة وجيزة من الانتخابات، ما لم يُتح لها إنجاز ذلك. في المقابل المفوضية قالت إن هيئة الحشد لم تقبل تزويدها بقاعدة بيانات الأسماء لدواع أمنية".

وأضاف أن "التوتر زادت وتيرته بين الحشد والمفوضية عقب عملية الاقتراع وإعلان النتائج الأولية، بعد أن لم تحصل الأذرع السياسية للحشد الشعبي على النتائج المرجوة".

وقال اللامي: "إذا لم تتخذ المفوضية إجراء سريعا، فإن هذا الأمر قد يتسبب في أزمة لا يحمد عقباها، بعد أن هددت بعض الفصائل باللجوء إلى مختلف الوسائل للبقاء في الساحة السياسية".

وبعض الفصائل الشيعية كانت موجودة بالفعل حتى قبل سقوط نظام الرئيس الراحل، صدام حسين، من أبرزها "منظمة بدر"، بزعامة هادي العامري، والتي كانت تحظى بدعم وتمويل إيران ضد نظام صدام. لكن معظم الفصائل تشكلت لاحقا بعد سقوط نظام صدام، وكانت تعمل في الخفاء إبان احتلال الولايات المتحدة للعراق بين عامي 2003-2011، وكذلك انخرط الكثير منها في النزاع الطائفي العنيف بين عامي 2006 و2008 بين السنة والشيعة.

وعند اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابيّ لشمالي وغربي البلاد، انضمت الفصائل للقوات الرسمية في محاربة التنظيم تحت مسمى "الحشد الشعبي"، وجرى الاعتراف بها رسميا كإحدى تشكيلات القوات المسلحة، وهو ما منحها الكثير من النفوذ عبر الانتشار في أرجاء البلاد باستثناء إقليم كردستان العراق.

وكانت الفصائل تروّج لنفسها على أنها حامية الشيعة ضد "الإرهابيين السُّنة" من قبل تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، إلا أن قاعدتها الشيعية اهتزت خلال العامين الأخيرين، بعد اتهامها بقمع الاحتجاجات الشعبية في وسط وجنوبي البلاد ذات الأكثرية الشيعية، والتي خرجت للمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد المنتشر على نطاق واسع.

وينفي قادة الفصائل ضلوعها في أي أعمال قمع، ورغم ذلك فإن الشعارات التي رفعها المتظاهرون والهتافات التي رددوها نددت بتلك الفصائل، ولا سيما المرتبطة منها بإيران.

وعلى مدى أشهر طويلة، كانت مقرات تلك الفصائل في مرمى الاحتجاجات وتم إضرام النيران فيها مرارا وتكرارا.

التعليقات