سين جيم: كيف وصل السودان إلى هذه المرحلة؟

أعلن القائد العام للقوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، الإثنين، حالة الطوارئ بالبلاد وحلّ مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وتعليق العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية، بعد ساعات من تنفيذ اعتقالات طالت رئيس الحكومة، عبد الله حمدوك، ووزراء ومسؤولين وقيادات حزبية.

سين جيم: كيف وصل السودان إلى هذه المرحلة؟

من العاصمة السودانية، الإثنين (أ ب)

أعلن القائد العام للقوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، الإثنين، حالة الطوارئ بالبلاد وحلّ مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وتعليق العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية، بعد ساعات من تنفيذ اعتقالات طالت رئيس الحكومة، عبد الله حمدوك، ووزراء ومسؤولين وقيادات حزبية.

ولاقت حملة الاعتقالات إدانات واسعة بالبلاد من هيئات وأحزاب، أكّدوا أن ما جرى "انقلاب عسكري"، ودعوا إلى العصيان المدني والنزول إلى الشوارع "للحفاظ على الثورة".

لم اندلعت الأحداث وما هو تسلسلها الزمنيّ؟

واندلعت شرارة هذه الأحداث، جراء خلافات بين المكونين العسكري والمدني في السلطة الانتقالية منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في 21 أيلول/ سبتمبر الماضي، حتى وصلت إلى التطورات المتسارعة التي بدأت فجر الإثنين.

في 21 سبتمبر/ أيلول

- التلفزيون السوداني يعلن عن محاولة انقلاب، قبل أن يصدر الجيش بيانًا يؤكد فيه "إحباط المحاولة الانقلابية والسيطرة على الأوضاع تماما".

- الحكومة الانتقالية تقول إن محاولة الانقلاب نفذها ضباط من الجيش يتبعون لفلول "النظام البائد".

- قوى "الإجماع الوطني"، إحدى مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير (المكون المدني بالسلطة الانتقالية) تدعو لإعادة هيكلة الجيش.

22 سبتمبر

- نائب رئيس مجلس السيادة (قبل حله اليوم) محمد حمدان دقلو، يقول إن أحد أسباب الانقلابات "هم السياسيون الذين أهملوا خدمات المواطن".

- رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان يقول: "لم نر قوى سياسية تتحدث عن الانتخابات، وهناك من يسعى للجلوس على الكراسي".

23 سبتمبر

- قوى إعلان الحرية والتغيير، تعتبر في بيان، أن انتقادات البرهان، ونائبه تستهدف "النكوص عن التحول المدني الديمقراطي".

من احتجاجات سابقة بالسودان (أ ب)

24 سبتمبر

- عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، يتهم المكون العسكري في البلاد، بمحاولة السيطرة على الأوضاع السياسية.

25 سبتمبر

- العميد الطاهر أبو هاجة، المستشار الإعلامي للبرهان، يقول إن الحديث عن "تنظيف وهيكلة الجيش، القصد منه ترك السودان بلا مخالب".

26 سبتمبر

- البرهان يعلن التمسك بإجراء الانتخابات في موعدها، ويتعهد "بعدم الانقلاب على الثورة".

- مصدر حكومي سوداني يفيد للأناضول أن "المكون العسكري في مجلس السيادة علّق جميع الاجتماعات مع المكون المدني".

27 سبتمبر

- "تجمع المهنيين" (قائد الحراك الاحتجاجي)، يدعو في بيان، لإنهاء الشراكة مع المجلس العسكري وتشكيل حكم مدني.

28 سبتمبر

- حمدوك يطالب بـ "ضرورة توسيع قاعدة السلطة الانتقالية لتستوعب كل القوى التي تُناضل من أجل الديمقراطية".

29 سبتمبر

- تظاهر مئات من أنصار "الحزب الشيوعي"، وسط الخرطوم، للمطالبة بإسقاط الشراكة المدنية والعسكرية بالسلطة الانتقالية.

30 سبتمبر

- الخرطوم تشهد مسيرات شعبية حاشدة لدعم التحول الديمقراطي واستكمال مطالب الثورة في البلاد.

1 أكتوبر/ تشرين الأول

- مجلس الوزراء السوداني، يدعو إلى اجتماع عاجل مع "مجلس السيادة"، لمناقشة أوضاع البلاد.

2 أكتوبر

- أحزاب وحركات في قوى "الحرية والتغيير"، توقع "الميثاق الوطني" الذي دعا إلى العودة إلى منصة التأسيس في الثورة بدلًا عن حالة الانقسام في الائتلاف الحاكم.

6 أكتوبر

- "المجلس الأعلى لنظارات البجا" (قبلي) الذي يقود احتجاجات شرقي السودان، يسلم لجنة رسمية، خطابًا يطالب فيه بحل الحكومة.

- صحيفة "السوداني" (خاصة) تقول إن المكون العسكري في مجلس السيادة طلب من حمدوك، تشكيل حكومة جديدة لحل أزمة شرق البلاد.

- قوى "إعلان الحرية والتغيير" تطالب بنقل رئاسة "مجلس السيادة" الانتقالي إلى المدنيين.

8 أكتوبر

- الحكومة تعلن رفضها لتمسك المكون العسكري بجهازي الشرطة والاستخبارات، بحسب تصريحات لوزير شؤون مجلس الوزراء خالد عمر يوسف.

11 أكتوبر

- البرهان يعلن في خطاب متلفز، أنه "لا حل للأزمة بالسودان إلا بحل الحكومة الحالية وتوسيع قاعدة مشاركة الأحزاب السياسية بالحكم".

البرهان خلال كلمته الإثنين (أ ب)

12 أكتوبر

- تيار "الميثاق الوطني" يدعو إلى توسيع قاعدة المشاركة في الحكومة والتمسك بالشراكة مع المكون العسكري.

- مصدر أمني لصحيفة "السوداني": "قائمة تضم مسؤولين مدنيين في السلطة الانتقالية محظور سفرهم خارج البلاد"، لكن جهاز المخابرات نفى هذه الأنباء لاحقا.

13 أكتوبر

- الأمين العام لحزب "الأمة القومي"، الواثق البرير، يدعو إلى حل مجلسي السيادة والوزراء، وإعادة تشكيلهما مرة أخرى.

15 أكتوبر

- الآلاف يحتشدون أمام القصر الرئاسي بالخرطوم ويبدأون اعتصاما للمطالبة بـ"حل الحكومة وتحسين الأوضاع المعيشية"، بدعوة من تيار "الميثاق الوطني".

- حمدوك يطرح خريطة طريق من 10 محاور للخروج من الأزمة السياسية، أبرزها "الوقف الفوري للتصعيد، وأن مرجعية التوافق بين مكونات السلطة هي الوثيقة الدستورية".

17 أكتوبر

- لجنة اعتصام القصر الرئاسي التابعة لتيار "الميثاق الوطني" تعلن محاصرة مقر مجلس الوزراء بالخرطوم، للمطالبة بحل الحكومة.

- رئيس "حركة تحرير السودان" مني أركو مناوي، في كلمة أمام اعتصام قصر الرئاسة، يقول إن "الفترة الانتقالية تم اختطافها ونريد مشاركة الجميع في المجلس التشريعي".

21 أكتوبر

- تظاهر آلاف السودانيين، بالخرطوم وبقية ولايات البلاد، للمطالبة بـ"حماية الثورة واستكمال مهامها وتحقيق مطالبها"، بدعوة من "تجمع المهنيين السودانيين".

- وزارة الصحة السودانية تعلن إصابة 35 شخصًا جراء تفريق قوات الأمن للاحتجاجات التي جرت بمختلف ولايات البلاد، الخميس.

23 أكتوبر

- رئيس "حركة تحرير السودان" مني أركو مناوي، يقول إن البرهان وحمدوك توافقا على حل مجلسي السيادة والوزراء، لكن مجلس الوزراء نفى عقب ساعات ذلك.

حمدوك (أ ب)

- المدير العام لوكالة الأنباء السودانية، محمد عبد الحميد، يعلن إلغاء مؤتمر صحفي للمجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير، إثر اقتحام مجموعة مكونة من 150 شخصا (لم يحدد توجهاتهم) مقر الوكالة.

24 أكتوبر

- معتصمون يغلقون جسرا وشوارع رئيسية في محيط القصر الرئاسي للمطالبة بحل الحكومة، فيما بدأت الشرطة إطلاق الغاز المسيل للدموع في محاولة لتفريقهم.

- مجلس السيادة يقول إن المبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان، قدم خلال لقاء جمعه مع البرهان مقترحات (لم يوضحها) لتعزيز روح الشراكة والسعي لإخراج البلاد من أزمتها الراهنة.

25 أكتوبر

- سلسلة اعتقالات طالت رئيس الحكومة، عبد الله حمدوك، ووزراء ومسؤولين بحكومته وقيادات بقوى "إعلان الحرية والتغيير".

- جهات في الحكومة وأحزاب وتجمعات وصفت الاعتقالات بـ"الانقلاب العسكري" داعية إلى "العصيان المدني" والخروج بتظاهرات احتجاجية.

- استجابة لذلك، خرجت حشود من السودانيين إلى شوارع الخرطوم، وفق ما أظهرته مقاطع فيديو عبر البث المباشر، على صفحات تواصل نشطاء سودانيين.

- القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، يعلن في خطاب متلفز، 10 قرارات أبرزها حالة الطوارئ في البلاد وحل مجلسي السيادة والوزراء وتجميد عمل لجنة التمكين، وإنهاء تكليف ولاة الولايات، وإعفاء وكلاء الوزارات، وتعليق بعض مواد الوثيقة الدستورية، واعتزامه تشكيل حكومة مستقلة.

- البرهان يقول إن "التحريض على الفوضى من قوى سياسية دفعنا للقيام بما يحفظ السودان".

ما هي أبرز المحطات منذ الإطاحة بعمر البشير؟

وشهد السودان محطات رئيسية بارزة منذ الإطاحة بالرئيس السابق، عمر البشير الذي حكم البلاد بقبضة من حديد طوال 30 عاما.

وفي 19 كانون الأول/ ديسمبر 2018، تظاهر مئات السودانيين في مدن عطبرة شمال شرق الخرطوم، وبورتسودان، الميناء البحري الرئيسي في البلاد، والنهود غرب العاصمة، ضد قرار الحكومة زيادة أسعار الخبز بثلاثة أضعاف في خضم أزمة اقتصادية.

وتوسعت التظاهرات بعد يوم إلى مناطق أخرى بينها الخرطوم وأم درمان.

وفي 6 نيسان/ أبريل 2019، بدأ اعتصام شارك فيه آلاف أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم.

وفي 11 نيسان/ أبريل 2019، أطاح الجيش السوداني بالبشير واعتقله عقب ثلاثة عقود من وصوله إلى سدة الحكم إثر انقلاب عام 1989.

وتمّ إثر ذلك تشكيل مجلس عسكري انتقالي في البلاد. لكن المتظاهرين واصلوا اعتصامهم ونددوا بـ"انقلاب".

وفي الثالث من حزيران/ يونيو، أقدم مسلحون بملابس عسكرية على فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش بشكل وحشي، ما أسفر عن مقتل العشرات.

وأفاد تحقيق أول أمر الجيش بإجرائه، بأن عناصر من "قوات الدعم السريع" شبه العسكرية تورطت في إراقة الدماء.

وفي الإجمال، قُتل 250 شخصا خلال قمع الاحتجاجات، وفق لجنة أطباء مقربة من المتظاهرين.

وفي 17 تموز/ يوليو، وقع قادة الاحتجاج في السودان والمجلس العسكري الحاكم بالأحرف الأولى "الإعلان السياسي" الذي يقرّ مبدأ تقاسم السلطة خلال فترة انتقالية تمتد على ثلاث سنوات. وينصّ الإعلان على إنشاء "مجلس سيادة" يدير المرحلة الانتقالية.

البشير في إحدى جلسات محاكمته (أ ب)

وبعد مفاوضات، تمّ في منتصف آب/ أغسطس تشكيل مجلس السيادة الذي ضمّ ستة مدنيين وخمسة عسكريين برئاسة الفريق عبد الفتاح البرهان. وتمّ تعيين عبدالله حمدوك، الخبير الاقتصادي سابقاً في الأمم المتحدة، رئيساً للحكومة.

ووضعت السلطة الجديدة على رأس أولياتها إحلال السلام في البلد الذي يشهد نزاعا مع المتمردين في دارفور، وفي ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، أسفر عن مقتل الآلاف.

وفي نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر، تمّ حل حزب الرئيس المخلوع و"تفكيك" نظامه.

وفي 14 كانون الأول/ ديسمبر، صدر حكم بالتحفّظ على البشير في "دار للإصلاح الاجتماعي لمدة عامين" بعد إدانته بالفساد في واحدة من قضايا عدة ضده.

وفي 22 من الشهر نفسه، فتحت السلطات القضائية تحقيقا في الجرائم المرتكبة في إقليم دارفور منذ عام 2003 بحق البشير المطلوب منذ أكثر من عقد من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية" و"جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية".

ويحاكم البشير في قضية منفصلة على خلفية الانقلاب العسكري الذي أوصله للسلطة.

وفي 30 حزيران/ يونيو 2020، تظاهر عشرات الآلاف في الخرطوم ومدن أخرى للمطالبة بتطبيق الاصلاحات التي نادوا بها خلال الانتفاضة. وطالب المتظاهرون بـ"محاسبة" المسؤولين عن القمع.

وفي 17 آب/ أغسطس، تظاهر نحو 3 آلاف شخص في العاصمة للتعبير عن خيبة أملهم عقب توقيع اتفاق الانتقال السياسي.

وفي 3 تشرين الأول/ أكتوبر، وقعت الحكومة السودانية اتفاق سلام تاريخيا في جوبا مع تحالف من خمس مجموعات متمردة وأربع حركات سياسية، من إقليم دارفور وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، يفترض أن يضع حدا للنزاع الدموي الذي استمر 17 عاما.

وفي 11 أيلول/ سبتمبر، أعلنت الحكومة "حالة الطوارئ الاقتصادية" لاحتواء انهيار الجنيه مقابل الدولار وكبح التضخم الهائل.

ويواجه السودان أزمة اقتصادية خانقة ناتجة عن عقود من الإدارة الكارثية.

وفي 14 كانون الأول/ ديسمبر، شطبت الولايات المتحدة رسميا السودان من قائمتها السوداء للدول الراعية للإرهاب، بعد أقل من شهرين من موافقته على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وفي 8 شباط/ فبراير 2021، كشف رئيس الوزراء عن حكومة جديدة تشمل سبعة وزراء من مجموعات متمردة كانت ناشطة في ظل النظام السابق.

إغلاق شوارع، الإثنين (الأناضول)

وفي 22 حزيران/ يونيو دعا عبدالله حمدوك إلى الوحدة بين السياسيين والعسكريين محذرا من انقسامات "مثيرة للقلق الشديد".

وفي 17 أيلول/ سبتمبر أغلق متظاهرون الميناء الرئيسي للبلاد في بورتسودان.

وفي 21 أيلول/ سبتمبر، أعلنت الخرطوم أنها أحبطت محاولة انقلاب قام بها مدنيون وعسكريون متهمة إياهم بانهم مرتبطون بنظام البشير.

وفي 15 تشرين الأول/ أكتوبر اعتبر عبد الله حمدوك أن الانتقال يمر "بأسوأ أزمة".

وفي 16 تشرين الأول/ أكتوبر قام موالون للجيش بنصب خيم أمام القصر الرئاسي حيث مقر السلطات الانتقالية من اجل المطالبة بحكومة عسكريين.

وفي 21 تشرين الأول/ أكتوبر وردا على ذلك نُظمت تظاهرات كبرى مؤيدة لحكومة مدنية.

وفي 25 تشرين الأول/ أكتوبر، اعتقل عسكريون مسؤولين حكوميين وسياسيين في السودان على رأسهم رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، الأمر الذي وصفه أبرز تجمّع مناد بتسليم السلطة الى المدنيين بأنه "انقلاب".

إلى ماذا يسعى العسكريّون؟

بإبعادهم المدنيين من السلطة بالقوة، يسعى العسكريون إلى إحكام قبضتهم على السودان بعد أن نزل عشرات الآلاف من السودانيين إلى الشوارع للمطالبة بإنهاء تحكم الجيش بالسلطة بشكل شبه متواصل منذ استقلال البلاد في العام 1956.

ويقول الباحث في مجموعة الأزمات الدولية جوناس هورنر: "ما يبدو انقلابا عسكريا في السودان محاولة من القوى الأمنية للاحتفاظ بسيطرتها على مصالحها الاقتصادية والسياسية في البلاد"، بحسب ما أوردت وكالة "فرانس برس" للأنباء.

وهي ليست مفاجأة، بالنسبة لمجدي الجيزولي الباجث في مركز "ريفت فالي إنستيتيوت"، فقد انتهى شهر العسل بين المدنيين والجيش الذي أطاح في العام 2019 بالبشير تلبية لرغبة مئات الآلاف من المتظاهرين ثم توصل الى توافق على تقاسم السلطة مع قادتهم.

وتغلغلت الانقسامات إلى داخل فريق القوى المدنية نفسه، ما فتح ثغرة للجيش والفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي كان يترأس مجلس السيادة، لإعلان حله مع كل المؤسسات السياسية للمرحلة الانتقالية وتوقيف أعضائه المدنيين.

ويقول جيزولي: "من قبل كان هناك الجيش وقوات الدعم السريع من جهة، وقوى الحرية والتغيير المنبثقة عن الانتفاضة ضد البشير من جهة ثانية، و"المجموعات المتمردة (في الأقاليم) من جهة ثالثة".

ووقع المتمردون اتفاق سلام مع الخرطوم في نهاية 2020، فبات العسكريون والمتمردون السابقون وجزء من قوى الحرية والتغيير في معسكر واحد.

ويعتقد جيزولي أن "هذا الانقلاب جاء من داخل حكومة حمدوك ذاتها".

ويؤكد هورنر أنه بعد أن ترك العسكريون الفترة الانتقالية تمتد لعامين، قرروا أن يلقوا بثقلهم لمنع "الانتقال الى سلطة مدنية"، خلافا لما تعهدوا به في العام 2019.

(أ ب)

وكانت المرحلة الانتقالية "هي حجر الزاوية في التحوّل إلى حكم ديمقراطي تعددي".

واستشعرت القوى المدنية مبكرا على ما يبدو بما يحاك، فدعت أنصارها إلى الاحتشاد في الشارع، واستجاب هؤلاء بالفعل وتظاهروا الخميس بعشرات الآلاف.

ويدعو المسؤول عن السودان في منظمة "هيومن رايتس ووتش" للدفاع عن حقوق الإنسان محمد عثمان، المجتمع الدولي إلى "ممارسة ضغوط من أجل العودة إلى مرحلة انتقالية للوصول إلى حكم مدني". غير أن العسكريين قرروا على ما يبدو عدم الالتفات إلى الدعوات الدولية العديدة رغم أن عدد مؤيديهم في الاعتصام لا يقارن بالمرة بعدد أنصار خصومهم.

ويرى هرنر أن الضربة التي تلتها القوى المدنية "تظهر بوضوح خوف العسكريين من حكم مدني في بلد خضع لحكم عسكري 52 عاما منذ استقلاله قبل 65 عاما".

ويضيف جيزولي أن العسكريين مستعدون لأي شيء "ويواجهون مقاومة مدنية خصوصا في المناطق الحضرية، لذلك فوسيلتهم الوحيدة لإزاحة المدنيين هي القمع واللجوء الى القوة". وهو ما حدث الاثنين عندما أطلق الرصاص على متظاهرين ما تسبب بمقتل 5 أشخاص وجرح أكثر من 140.

وفيما تتزايد الإدانات في الخارج، يلوح في الأفق سيناريو مختلف وهو التقاسم الشكلي للسلطة بين المدنيين والعسكريين.

فقد أعلن البرهان أنه سيتم "تشكيل حكومة كفاءات وطنية".

ووفق جيزولي، فإن هذه الحكومة "قد تعلن استمرار الفريق أول البرهان في السلطة طوال الفترة الانتقالية".

ويضيف أنه "يبدو أن وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي لم تعتقل ولا وزير العدل ناصر الدين عبد الباري. وقد يشكلان جزءا من هذا السيناريو".

كيف وصل البرهان إلى السلطة؟

ويجسّد البرهان، عودة الحكم العسكري وسط ترحيب من البعض ورفض مطلَق من آخرين نددوا بما وصفوه بأنه "انقلاب".

وظهر البرهان الإثنين على شاشة التلفزيون ببزته العسكرية، وأعلن بنبرة حازمة أنه يريد "تصحيح الثورة" التي أطاحت بعمر البشير في 2019. وأكد إعفاء الوزراء ووكلاء الوزراء من مهامهم، علما أن جزءا كبيرا من هؤلاء اعتقلوا منذ الفجر على أيدي قوى عسكرية.

وفي الشارع، يهتف متظاهرون ضده منذ أيام، رافضين "حكم العسكر". لكن بالنسبة إلى آخرين يطالبون بحكومة عسكرية، هي المنقذ الذي سيحل كل مشاكل البلاد الاقتصادية والسياسية.

وقبل الإطاحة بالبشير، لعب البرهان دورا رئيسيا بعيدا عن الأضواء في مشاركة السودان في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، ثم أصبح في دائرة الضوء حين تولى قيادة المجلس العسكريّ الانتقالي في أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير على يد الجيش في 11 نيسان/ أبريل 2019 إثر تظاهرات حاشدة استمرت خمسة أشهر.

وفي 12 نيسان/ أبريل، أدى البرهان اليمين كرئيس للمجلس العسكري الذي تولّى السلطة بعد البشير.

وتولّى البرهان منصبه بعدما تنازل الفريق أول ركن عوض بن عوف عن رئاسة المجلس العسكري بعد أقل من 24 ساعة في السلطة، تحت ضغط الشارع الذي كان ينظر إليه على أنه من داخل النظام وحليف مقرب من الرئيس السابق.

(أ ب)

وتحوّل البرهان من شخصية تعمل في الظل إلى رئيس للبلاد بحكم الأمر الواقع.

وقال عنه في حينه ضابط في الجيش لوكالة "فرانس برس": "البرهان ضابط رفيع المستوى في القوات المسلحة... لم يكن يوما تحت الأضواء كما هي الحال بالنسبة لابن عوف (الذي كان وزيرا للدفاع) والفريق أول ركن كمال عبد المعروف (الذي كان رئيس أركان الجيش)".

وفي آب/ أغسطس 2019، وبعد عنف في الشارع ومفاوضات مع "ائتلاف قوى الحرية والتغيير" الذي قاد الاحتجاجات الشعبية، وقّع المجلس العسكري اتفاقا مع الائتلاف عرف بـ"الوثيقة الدستورية" نصّ على مرحلة انتقالية يتقاسم خلالها المدنيون والعسكريون السلطة لقيادة البلاد نحو انتخابات وحكم مدني.

وترأس البرهان بموجب هذا الاتفاق مجلس السيادة الذي كلّف بالإشراف على إدارة المرحلة الانتقالية.

واليوم، يؤكد البرهان أنه يريد "إكمال" العملية الانتقالية وقيادة البلاد نحو "حكومة مدنية منتخبة". لكنه لذلك، حل مجلس السيادة والحكومة الحالية وأعفى الكثير من المسؤولين وأعلن حالة الطوارىء في كل البلاد.

وبعد سنتين من المرحلة الانتقالية، بات البرهان معتادا على الأضواء، وبات يتصرف ويعامل على أنه رئيس دولة. فقد تلقى الأربعاء دعوة للمشاركة في قمة حول ليبيا ستعقد في باريس في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر. وهو يستقبل بانتظام المسؤولين والمبعوثين الأجانب الذين يزورون السودان.

ويظهر بشكل عام ببزته العسكرية مع أوسمته على كتفه، وغالبا برفقة نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، وهو قائد قوات الدعم السريع المتهمة بقمع انتفاضة 2019.

وخلال المفاوضات بين الجيش والمحتجين حول تركيبة الحكم، قام البرهان بزيارات إلى مصر والإمارات والسعودية. والسعودية والإمارات من أبرز المانحين للسودان.

وأمضى البرهان فترة من حياته المهنية كملحق عسكري لدى بكين. ويقول الضابط السوداني عن البرهان إنه "ضابط كبير يعرف كي يقود قواته"، مضيفا "ليست لديه ميول سياسية، إنه عسكري".

وولد البرهان عام 1960 في قرية قندتو شمال الخرطوم، ودرس في الكلية الحربية ولاحقا في مصر والأردن. وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء. وكان قائدا لسلاح البر قبل أن يعينه البشير في منصب المفتّش العام للجيش.

وتشير وسائل الإعلام السودانية ومحللون إلى أن البرهان تولى عملية تنسيق إرسال جنود سودانيين إلى اليمن في إطار التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.

وأرسل البشير قوات سودانية إلى اليمن عام 2015 في إطار تحوّل رئيسي في السياسة الخارجية شهد تخلّي الخرطوم عن علاقاتها المستمرة منذ عقود مع إيران عبر الانضمام للتحالف الذي تقوده الرياض.

وتقول ويلو بيردج، مؤلفة كتاب "الانتفاضات المدنية في السودان الحديث" وأستاذة التاريخ في جامعة نيوكاسل للوكالة، إنه بموجب توليه الملف اليمني، عمل البرهان عن كثب مع قوات الدعم السريع، من دون أن تستبعد أن يكون دعم هذه المجموعة ساهم في إيصاله إلى السلطة.

التعليقات