عام على التطبيع بين تل أبيب والرباط: من الفتور إلى "الشراكة الإستراتيجية"

منذ استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، تسير العلاقات بين البلدين في منحى تصاعدي، ترجم خلال الأشهر الماضية بعقد لقاءات ومشاورات بين المسؤولين المغاربة ونظرائهم الإسرائيليين، شملت توقيع 12 اتفاقا في مجالات مختلفة

عام على التطبيع بين تل أبيب والرباط: من الفتور إلى

بوريطة وبيني غانتس (أ ب)

أحيا وزراء خارجية إسرائيل والمغرب والولايات المتحدة الأميركية، اليوم الأربعاء، الذكرى السنوية الأولى لتوقيع اتفاق بين الدول الثلاثة أفضى إلى التطبيع بين الرباط وتل أبيب، وأدى إلى تقارب ملحوظ بين تل أبيب والرباط، وفتح الباب أما سلسلة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في كثير من المجالات، من بينها الأمنية.

جاء ذلك خلال اجتماع ثلاثي عقد بواسطة تقنية الفيديو شهد مشاركة وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، ووزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد، ونظيرهما الأميركي، أنتوني بلينكن. وفي بيان صدر عنه كشف بوريطة "حجم التعاون" بين الجانبين، واصفا التعاون بأنه ارتقى إلى "شراكة إستراتيجية" متعددة الأوجه، تطاول المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.

ودعا لبيد نظيره المغربي، بوريطة، إلى زيارة إسرائيل قريبا، وقال لبيد: "أرحب بصديقي الوزير بوريطة لزيارة إسرائيل في أقرب وقت ممكن وإطلاق مبادرات جديدة لتقوية علاقاتنا (...) يجب أن نلتقي مباشرة ونبني أشياء كبيرة لصالح شعبينا". بدوره أعرب وزير الخارجية المغربي عن "أمله بزيارة إسرائيل قريبا"، ولقاء لبيد مجددا بعدما كان قد زار الرباط في آب/ أغسطس الماضي.

من جهته، كرر بلينكن إشادة الولايات المتحدة بالاتفاق "الذي مكن من تعميق الروابط وفتح السبل لتحقيق منافع مشتركة"، مؤكدا استمرار واشنطن في دعم وتوسيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية.

العلاقات في منحى تصاعدي

وفي حين يطرح الكثير من المغاربة تساؤلات حول جدوى العلاقات مع تل أبيب وفرص الربح والخسارة من هذا التطبيع الذي تعتبره إسرائيل "ليس مجرد اتفاق آخر في سلسلة من الاتفاقات الإسرائيلية العربية، وإنما فصل جديد في العلاقات الخاصة التي تتعمق أكثر وتتماشى مع المصالح الجيوسياسية"، أعلن بوريطة أن بلاده وإسرائيل وقعتا 12 اتفاقا في مجالات عديدة منذ استئناف العلاقات بينها، برعاية أميركية، في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2020.

وتدل جميع المؤشرات على أنه منذ استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، تسير العلاقات بين البلدين في منحى تصاعدي، ترجم خلال الأشهر الماضية بعقد لقاءات ومشاورات بين المسؤولين المغاربة ونظرائهم الإسرائيليين، شملت مجالات عمل مختلفة، وأفضت إلى توقيع اتفاقية التعاون الأمني والسيبراني، واتفاقات اقتصادية ورياضية وفي مجال التعليم.

وكشف بوريطة، في بيان أوردته وزارة الخارجية المغربية في أعقاب الاجتماعي الثلاثي مع بلينكن ولبيد، أن "حجم التعاون (بين البلدين) يُقدر بـ500 مليون دولار سنويا"، معتبرا أن ذلك "يُساهم دون شك في تقدم وتطور البلدين ويفتح المجال لبراغماتية جديدة للتوصل إلى السلام والاستقرار في الشرق الأوسط".

وأوضح أن "هذه السنة عرفت تعاونا مكثفا بين المسؤولين المغاربة والإسرائيليين من خلال إحداث خمس مجموعات عمل قطاعية عُهد إليها بتسهيل التوقيع على اتفاقيات تنسيق في مجالات عدة تهم بالخصوص الاستثمارات والفلاحة والماء والبيئة والسياحة والعلوم والابتكار والطاقة".

وبشأن العلاقات بين الرباط وواشنطن، قال بوريطة إنه "تم الارتقاء بالتعاون بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأميركية إلى شراكة إستراتيجية متعددة الأوجه (سياسة واقتصاد وأمن...) وتعزيزه بشكل قوي خلال هذه السنة التي توشك على الانصرام".

وأفاد بأن "ما يزيد عن 150 شركة أميركية تستثمر حاليا في المملكة المغربية بمبلغ يفوق مليار دولار وتُساهم بذلك في خلق 100 ألف منصب شغل (فرصة عمل)".

وفي سياق حسابات الربح المغربية من التطبيع مع إسرائيل، قال بوريطة إن "الولايات المتحدة الأميركية أكدت مجددا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي دعمها لمبادرة الحكم الذاتي بوصفها حلا جادا وذا مصداقية وواقعيا من أجل الطي النهائي للنزاع الإقليمي حول الصحراء" الغربية.

وتزامن استئناف العلاقات بين الرباط وتل أبيب مع اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، ثم فتح قنصلية أميركية في مدينة الداخلة بالإقليم المتنازع عليه بين المملكة وجبهة "البوليساريو".

(أ ب)

وأضاف الوزير المغربي أنه "ترتبت عن القرار الأميركي الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، نتائج اقتصادية مهمة، ففي تموز/ يوليو الأخير استأنفت صادرات الفوسفات المستخرج من الأقاليم الجنوبية للمملكة (إقليم الصحراء) بعد عام من تعليق العمل بها، بالإضافة إلى أن ميناء الداخلة شهد خلال أيار/ مايو وحزيران/ يونيو الأخيرين وصول شحنتين مهمتين من الغاز قادمة من الولايات المتحدة".

وقال بوريطة إن المغرب "يثمن عاليا القرار الحكيم للولايات المتحدة الأميركية بالاعتراف بالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتباره حلًا سياسيًا وواقعيًا وعمليًا تحت الرعاية الحصرية لهيئة الأمم المتحدة، من أجل تسوية هذا النزاع الإقليمي الطويل الأمد".

وعن التزام المغرب بالقضية الفلسطينية في ظل التقارب مع إسرائيل، قال الوزير المغربي إنه "بتوجيهات من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، سيواصل المغرب سعيه من أجل تحقيق سلام عادل ومنصف ودائم وفق حل الدولتين، تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام، ضمن حدود 1967".

التطبيع يفضي إلى مزيد من التطبيع

وبعد توقيع الاتفاق الثلاثي كان من اللافت توالي الاتفاقيات وتصاعد وتيرة التطبيع، إذ دشنت الرباط وتل أبيب، في 28 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، مباحثات لدراسة آفاق التعاون الصناعي والشراكة في 5 قطاعات صناعية (النسيج، والصناعات الغذائية، والبحث التطبيقي في الصناعة، والتكنولوجيات الخضراء، وصناعة الطاقات المتجددة).

وفي الشأن الثقافي، عقدت وزارة التعليم المغربية، مع نظيرتها الإسرائيلية، في شباط/ فبراير الماضي، اتفاقا على إطلاق برامج لتبادل الطلاب و"توأمة مدارس ثانوية"، فيما أعلن الاتحاد المغربي للكاراتيه انطلاق التنسيق مع نظيره في إسرائيل، في نيسان/ إبريل الماضي، معتبرا أن الخطوة بداية لـ"علاقة شراكة وصداقة".

وفي 23 آذار/ مارس الماضي، وقع المغرب وإسرائيل اتفاقية "شراكة إستراتيجية" بين رجال الأعمال المغاربة والإسرائيليين العاملين بالقطاع الخاص، لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية. فيما شرعت شركة "إل عال" للطيران الإسرائيلية، ابتداء من 10 آب/ أغسطس الماضي، في تنظيم ثلاث رحلات أسبوعية نحو مطار "محمد الخامس" بمدينة الدار البيضاء المغربية.

والعلامة الفارقة في طريق التطبيع المغربي مع إسرائيل، كانت التوقيع على مذكرة التفاهم الأمني في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، خلال أول زيارة من نوعها لوزير أمن إسرائيلي إلى المغرب، في ما يعتبر تحولا غير متوقع على مسار التحالف بين البلدين، بعد أن أشارت توقع المراقبون إلى أن تكون العلاقات بين الجانبين أكثر فتورا، ومرتكزا على "الاستفادة" المغربية من الاعتراف الأميركي بسيادتها على الصحراء الغربيةز

غانتس يزور ضريح الملك محمد الخامس، الرباط (أب)

وحددت مذكرة التفاهم الأمني التي وقعها الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبد اللطيف لوديي، ووزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، التعاون الأمني بين البلدين "بمختلف أشكاله" في مواجهة "التهديدات والتحديات التي تعرفها المنطقة". كما أتاحت للمغرب إمكانية اقتناء معدات أمنية إسرائيلية متطورة جدًا بسهولة، إضافة إلى التعاون في التخطيط العملاني والبحث والتطوير.

وخلال زيارة غانتس وقَّع المغرب وإسرائيل، مذكرات تفاهم للتعاون في مجالات منها الاستخبارات، والصناعات الأمنية، والأمن السيبراني، والتدريب المشترك، فيما قالت وسائل إعلام إسرائيلية إنه تم كذلك إبرام صفقة تبيع بموجبها إسرائيل طائرات مُسيرة وأسلحة للمغرب، وأشارت إلى فتح شركات تصنيع الأسلحة والمعدات القتالية الإسرائيلية، خطوط إنتاج في المغرب.

وفي حين تقمع الأجهزة الأمنية المغربية المظاهرات التي تخرج في المغرب رافضة للتطبيع أو تمنع تنظيمها، تشير تصريحات بوريطة إلى أن التقارب بين تل أبيب والرباط، على المستوى الرسمي، لن يقف عند هذا الحد، معتبرا أنه "من وجهة نظرنا، نحن لا نتحدث عن تطبيع لأن العلاقات كانت أصلًا طبيعية، نحن نتحدث عن استئناف للعلاقات بين البلدين كما كانت سابقًا، لأن العلاقة كانت قائمة دائمًا. لم تتوقف أبدًا".

ومنعت السلطات المغربية، مساء الأربعاء، تظاهرة في الرباط منددة باتفاق التطبيع في ذكراه السنوية الأولى دعت إليها الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، التي تضم هيئات يسارية وإسلامية. في المقابل، سمحت السلطات بوقفات أخرى في عدة مدن، بدون أن تستقطب أعدادا كبيرة، وفق فيديوهات نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.

ومن المقرر أن تزور وزيرة الاقتصاد الإسرائيلية، أورنا باربيفاي، المغرب مطلع العام المقبل، "في محطة مهمة سيتم خلالها التوقيع على اتفاق إطار اقتصادي واسع النطاق"، وفق ما أفاد مدير مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، دافيد غوفرين، في مقال نشرته صحيفة "الصباح" المغربية اليوم، الأربعاء.

التعليقات