الانتخابات اللبنانية بعد الانهيار: "البيوت السياسية" تسعى للبقاء

ممثل المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية في لبنان: "علينا انتظار نتائج الانتخابات. المشكلة أن الاحزاب في لبنان تتم حياكتها على مقاس بيوت سياسية، تنتقل فيها الزعامات إلى الأرملة أو الابن أو الصهر"

الانتخابات اللبنانية بعد الانهيار:

تظاهرة في بيروت لعائلات ضحايا انفجار مرفأ بيروت، 7 شباط/فبراير الحالي (أ.ب.)

يسعى العديد من أبناء الزعماء والمسؤولين السياسيين في لبنان الى خوض غمار المعارك الانتخابية المقبلة في لبنان، في ما يبدو استمرارا لمسيرة عائلاتهم السياسية في بلد اصبح يعاني من أسوأ أزماته اقتصاديا وسياسيا في تاريخه المعاصر.

وجرت أخر انتخابات برلمانية في لبنان، في العام 2018، وأفضت الى تأكيد سيطرة القوى الرئيسية، بمن فيهم المرشحون من "البيوت السياسية" التقليدية التي سادت الساحة السياسية في العقود القليلة الماضية، مثل عائلات الجميل والحريري وجنبلاط وفرنجية، وانضم إليهم في السنوات الماضية أبناء عائلات إضافية أقل نفوذا، لكنها تتمتع بتأييد شعبي او حزبي قوي في المناطق التي تنتمي اليها.

وليس واضحا حتى الان ما اذا كانت الانتخابات البرلمانية، المقررة رسميا في 15 أيار/مايو المقبل، وهي الاولى منذ الاحتجاجات الشعبية عام 2019، ستعيد تأكيد سيطرة "البيوت السياسية" نفسها، أم أن صناديق الاقتراع ستحقق لهم نسبة أقل من الاصوات، ما يعكس تراجع نفوذهم.

ويكثف بهاء الحريري، نجل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري الذي اغتيل في العام 2005، ظهوره على الساحة الاعلامية في الشهور الماضية، بشكل دفع العديد من اللبنانيين إلى التكهن بانه سيخوض المعركة الانتخابية. ولا يرى بهاء الحريري تناقضا في السير على الدرب السياسي لبيت الحريري وتقديم نفسه على أنه من سعاة التغيير، ويقول إنه "أريد أن أكمل مسيرة والدي الشهيد رفيق الحريري".

وكان سعد الحريري، شقيق بهاء، قد ورث الدور السياسي لوالدهما الراحل وتولى رئاسة أول حكومة له في العام 2009، وشكل بعدها، أو حاول تشكيل، عدة حكومات. واستقال من أخر حكومة ترأسها في تشرين الأول/أكتوبر العام 2019، بعد أيام على اندلاع الاحتجاجات الشعبية. ثم أعلن سعد، وهو زعيم حزب تيار المستقبل، الشهر الماضي، تعليق نشاطه السياسي بالكامل.

يبحثون في النفايات عن أغراض ثمينة - بيروت بداية الشهر الحالي (أ.ب.)

وصرح بهاء للأسوشيتد برس بأن "الناس يطالبون بجيل جديد من القيادة منفصل تماما عن أولئك الذين قادونا على مدار الخمسة عشر عاما الماضية إلى ما نحن عليه اليوم: دولة فاشلة"، مضيفا ان "الفارق بيني وبين أفراد عائلتي الذين مارسوا السياسة في الخمسة عشر عاما الماضية كبير جدا، ولا يمكنني قبول السياسات الفاشلة التي مارسها البعض والتي أدت بالبلد إلى هذا الانهيار".

ولم يكن مثل هذا الانتقال السياسي حكرا على آل الحريري، بل هو سمة بارزة في التاريخ اللبناني، حيث هيمنت العائلات السياسية وغالبيتها من الاقطاعيين وملاك الأراضي على البلد، عبر التاريخ. ففي القرن التاسع عشر، هيمنت عائلات من مختلف الطوائف، مثل جنبلاط وضاهر والزين وحمادة والحسيني وأرسلان والأسعد والخليل، على الساحة السياسية. ثم في مرحلة ما قبل الاستقلال عام 1943 وبعده، صعدت عائلات أخرى مثل الجميل وكرامي وشمعون والصلح وفرنجية.

ويقول ممثل المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية في لبنان، الدكتور أندريه سليمان، إن الزعامات السياسية موجودة في لبنان حتى قبل الحرب الأهلية عام 1975، وهي كانت موجودة في كل طائفة في مرحلة تأسيس "لبنان الكبير" عام 1920، لكن خلال الحرب الأهلية خفت ظاهرة العائلات، وانتقلت من الزعامات التقليدية مثل آل سلام وجنبلاط وأرسلان وغيرهم، وصارت بأيدي الميليشيات.

في 12 شباط/فبراير الحالي، أعلن مجد حرب، وهو ابن الوزير والنائب السابق بطرس حرب، إطلاق معركته الانتخابية بإعلان ترشحه الرسمي للمرة الاولى للانتخابات في قضاء البترون. وبرغم قلة عدد المرشحين الذين تقدموا بطلبات خوض الانتخابات حتى الآن، إلا أن بعض عائلات المسؤولين من وزراء ونواب حاليين أو سابقين، يعتقد أنه سيكون هناك من يترشح من صفوفهم، وهي لائحة تتضمن عائلات، مثل فتفت ومراد والبعريني ومعلوف والمرعبي وسعد وإفرام وكبارة وسكاف وكرامي وعبيد والحسيني وغيرهم.

وفي جميع الأحوال، يرى سليمان أن "هذه الظاهرة ليست طبيعية في المجتمعات الديمقراطية، وإنما العكس، فهي تناقض الديمقراطية، لان الحزب في المجتمع الديمقراطي هو الوسيط بين الشعب والمجتمع السياسي، والحزب يفترض أن يكون منظمة ديمقراطية وتجري فيها انتخابات ديمقراطية، تعبر عن توجهات وآراء وعقائد تتعلق بالسياسة والاقتصاد تصب في خير المجتمع".

مظاهرة ضد الحكومة في بيروت، الشهر الفائت (أ.ب.)

في المقابل، يقول سليمان إن "البيت السياسي" هو ”عبارة عن شخص، أو سلالة من أعضاء طائفة معينة وتقدم نفسها كحامية لأبناء الطائفة وتدافع عن مطالبهم ومصالحهم، وهذا الزعيم يكون بمثابة وسيط بين أبناء الشعب وبين الدولة، وتكون هناك علاقة ولاء أعمى ومبايعة وتبعية. وهي علاقة تتيح استمرار هذه الزعامات".

ولهذا، فانه في وجه هذه التصورات بأنهم يمثلون استمرارية لجيل قديم أو إقطاعي، يدعي مرشحون من أبناء البيوت السياسية على أنهم من سعاة التغيير.

ويقول حسن مراد، الذي يخوض الانتخابات للمرة الأولى، وهو نجل الوزير والنائب السابق عبد الرحيم مراد، إنه "رغم الفخر بالانتماء الأبوي لمسيرة الوالد، إلا أن أصابع اليد الواحدة تختلف عن بعضها البعض"، موضحا أنه برغم انتمائه إلى ذات الفكر والإرث السياسي الذي حمله والده "إلا أن النهج وطريقة الإدارة والرؤية تختلف نظرا لاختلاف الجيل ومواكبة للتطور والعصرنة".

وأضاف مراد أنه "نظرا لكوني وزيرا سابقا وبالحد الأدنى معروف من العامة وموجود على الأرض مع الناس في مختلف الظروف، فقد اختارتني القيادة الحزبية لتمثيل الحزب كمرشح عن المقعد السني في دائرة البقاع الغربي، والقرار بترشحنا للانتخابات من عدمه، لا يتم في منزلنا بل وفق الأطر الحزبية (في حزب الاتحاد)، التي لها وحدها القرار في اختيار مرشحيها بمختلف الدوائر الانتخابية. وأعتبر نفسي أحمل إرثا فكريا وحزبيا تنمويا أكثر بكثير من الإرث العائلي الذي بالطبع افتخر به".

ولفت سليمان إلى الثورة وإنهيار البلد اقتصاديا وسياسيا والتأثير المحتمل لذلك على "البيوت السياسية"، بالقول إن "علينا انتظار نتائج الانتخابات. المشكلة أن الاحزاب في لبنان تتم حياكتها على مقاس بيوت سياسية، تنتقل فيها الزعامات إلى الأرملة أو الابن أو الصهر".

التعليقات