هل تعزز مخاوف الأردن من "عدوان إيراني" محتمل فرص تشكيل "ناتو عربي"؟

طفت المساعي لتشكيل تحالف عسكري إقليمي لمواجهة إيران، على السطح من جديد، مع طرح العاهل الأردني، المللك عبد الله الثاني، فكرة تشكيل "ناتو عربي"، وسط التقارير التي تشير إلى مبادرة أميركية في هذا الشأن تضم إسرائيل.

هل تعزز مخاوف الأردن من

(Getty Images)

طفت المساعي لتشكيل تحالف عسكري إقليمي في الشرق الأوسط لمواجهة إيران، على السطح من جديد، مع طرح العاهل الأردني، المللك عبد الله الثاني، فكرة تشكيل "ناتو عربي"، وسط التقارير التي تشير إلى مبادرة أميركية في هذا الشأن تدفع بإسرائيل إلى مقدمة التحالف الذي قد يضم دولا عربية.

وظلّت الصبغة الرسمية، طيلة السنوات الماضية، هي المحدد الأساس لعلاقات معظم الدول العربية بطهران، مع تخوّف حذر مما تصفه بـ"التدخل الإيراني" في شؤونها الداخلية. واستمرت المخاوف من "التدخلات الإيرانية" عنوانا رئيسيا في نتائج القمم العربية السابقة، في ظل مواقف دولية تتشدد في منع طهران امتلاك سلاح نووي.

في هذا السياق، يجاور الأردن أبرز مناطق الصراع والأزمات في منطقة الشرق الأوسط، ورغم ذلك استطاع أن يحافظ على استقراره، متجنبا شررها المتطاير في كل الجهات، لكنه بات أخيرا يظهر قلقا واضحا من تداعيات ما يجري في جارته الشمالية سورية، وسط حديث عن وجود قوات إيرانية قريبة من حدوده.

مخاوف وتحذيرات

في تموز/ يوليو الماضي، كشف العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، في مقابلة مع شبكة "سن إن إن" الإخبارية الأميركية، عن تعرض بلاده لهجوم بمُسيّرات إيرانية الصنع.

وعند سؤاله عن تحذيره السابق مما أسماه "الهلال الشيعي"، قال الملك عبد الله: "أود أن أوضح هنا أنني عندما تحدثت عن الهلال الشيعي، قصدت الهلال الإيراني من وجهة نظر سياسية".

وعام 2004، حذّر العاهل الأردني خلال حديثه مع أحدى الصحف الأميركية من خطر تشكل "الهلال الشيعي"، علما بأن العلاقات الأردنية الإيرانية شهدت قطيعة كبرى استمرّت قرابة عقدين من الزمان، بعد دعم الأردن للعراق في حربه ضد إيران في ثمانينيات القرن الماضي.

وفي تصريحات أدلى بها أخيرا، اعتبر الملك عبد الله، أن الوجود الروسي السابق جنوبي سورية كان مصدرا للتهدئة، مبينا أن "هذا الفراغ سيملؤه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا".

إشارة خضراء

وفي مقابلة مع قناة "سي إن بي سي" الأميركية، بيّن ملك الأردن أنه يدعم تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط، على غرار حلف شمال الأطلسي "ناتو". وقال إنه "سأكون من أوائل الأشخاص الذين يؤيدون إنشاء حلفٍ في الشرق الأوسط كحلف شمال الأطلسي".

واعتبر العاهل الأردني أن الرؤية وبيان المهمة الخاصة بمثل هذا التحالف العسكري يجب "أن تكون واضحة جدًا، وأن يكون دوره محددًا بشكلٍ جيد، وإلا فإنه يربك الجميع".

وأشارت تقرير لوكالة "الأناضول" إلى أن رؤية الملك عبد الله الثاني بشأن تشكيل التحالف العسكري الشرق أوسطي، قد تعززه مخاوف الأردن من تواجد "مليشيات" إيرانية على حدوده من الجهة الشمالية.

ولهذا قد يكون طرح الحلف العسكري العربي مقبولا لدى معظم العواصم العربية التي تتشارك القلق مع عمان، وربما يصبح بندًا يطرح على طاولة القمة العربية - الأميركية التي تستضيفها السعودية، منتصف تموز/ يوليو المقبل، ويشارك فيها الرئيس الأميركي، جو بايدن.

بين النجاح والفشل

وفي هذا السياق، جزم الخبير العسكري، مأمون أبو نوار، بفشل فكرة التحالف العسكري العربي، مشددا على أن "التحالف لن يفيد الأردن وسيفشل". وأضاف أنه "لكنه ربما ينجح في مسألة واحدة هي الربط المناطقي عبر الأجهزة من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية".

وتابع أنه "لا بد للدول التي قد تتشارك في هذا التحالف من تحديد عدوّها، ولو افترضنا أنه إيران، فإن ذلك سيؤدي إلى تقسيم المنطقة إلى شيعة عرب وسنة عرب". وأضاف أنه "لا توجد أي قيمة إستراتيجية لهذا الناتو العربي لعدم وجود أرضية مشتركة بين الدول العربية، وسيكون هنالك خلافات كبيرة باستخدام القوة العسكرية".

وأوضح أن "الأمن العربي مسؤولية عربية بموجب اتفاقية الدفاع المشترك المنصوص عليها في جامعة الدول العربية، لكنه غير مفعل".

مشاركة إسرئيلية... رفض شعبي

واعتبر الخبير العسكري الأردني، أبو نوار، أن الرفض الشعبي العربي حجر عثرة أمام فكرة الناتو شرق الأوسطي.

وقال إنه "حتى لو وافقت الأنظمة والحكومات العربية على هذا التحالف وإنشاء ناتو شرق أوسطي، فإنه بالتأكيد لن يلقى قبولا شعبيا، لأن دخول إسرائيل لأي دولة من تلك الدول سيكون بمثابة احتلال، ما يجعل قيام التحالف أمرا غير ممكن، خاصة مع وجود تضارب بالمصالح والرؤى".

وأضاف أن "هناك الكثير من دول المنطقة لا تسعى لأي تحالفات، وتكتفي بالتعاون والدفاع الشكلي المشترك في إطار جامعة الدول العربية". وتابع أنه "لو تم تفعيله، سيكون بطبيعة الحال بمثابة تحالف شبيه لما يدعو له الملك عبد الله، وسيردع أي تهديدات للمنطقة العربية".

واستبعد أبو نوار "أن تقوم إيران بأي عمل عدائي تجاه الأردن، لا سيما في هذا الوقت بالتحديد، لأن المملكة لديها الردع الكامل مع حلفائها". واعتبر دعوة الملك عبد الله لهذا الناتو بمثابة "رسالة موجهة للضغط على إيران ضد أي نوايا أو إجراءات عدائية مستقبلية".

تنسيق أمني

من جانبه، قال المحلل السياسي، عامر السبايلة، في حديث لوكالة "الأناضول" إن "قيام ناتو شرق أوسطي فكرة لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع، وكانت هناك محاولات سابقة بعد سقوط العراق وتطورات الإقليم الأخرى، وانتهت بفكرة معقدة وحجم خلافات كبير".

وأضاف أن "هناك بالفعل تنسيق أمني حالي، وهو نتاج طبيعي للتحولات السياسية بالمنطقة، وانضمام إسرائيل إلى القيادة الأميركية الوسطى (سنتكوم)، وبالتالي عملية السلام مع الدول العربية، وهذا يعني ضرورة التنسيق العسكري والأمني بين تل أبيب وهذه الدول".

وتابع أنه "أخذت دول الخليج منحى أكثر دفاعا في السنوات الأخيرة بعد الاتفاق النووي مع إيران، باعتبار أنه لم يشمل سياسات طهران بالمنطقة أو قدراتها العسكرية، وحتى حضور دول الخليج في هذه الاتفاق".

وأشار إلى أن "الأوضاع الملتهبة في سورية ولبنان والعراق واليمن ومحاولة نقل حالة عدم الاستقرار إلى دول الخليج، كلها أمور قادت إلى إعادة فكرة كيفية التنسيق الأمني والعسكري العربي، وهذا فعليا ببساطة ما يمكن الحديث عنه، وهو أقرب من تشكيل حلف على غرار الناتو".

ناقوس خطر

بدروه، اعتبر البرلماني والقانوني الأردني، صالح العرموطي، أن فكرة التحالف العسكري العربي ستكون مرفوضة للأردن "جملة وتفصيلا". وأوضح أن الحلف الذي قد يضم دول الشرق الأوسط "يتعلق بمشاركة الكيان الصهيوني، ومن شأنه كما قال الرئيس الأميركي، بايدن، أن يخدم الأمن الصهيوني (الإسرائيلي) ويخدم مشروعهم بالمنطقة".

وأضاف أنه "لم تقم الحكومة الأردنية للأسف الشديد باطلاع المواطن الأردني والرأي العام على هذا المشروع (فكرة التحالف)، ولم يطّلع عليه مجلس النواب ولا لجانه، علما بأن النص الدستوري بالمادة 33 يُلزم الحكومة بعرض أي اتفاق على مجلس الأمة (البرلمان بشقيه)، والأصل أن لا يمر دون ذلك".

وأوضح العرموطي بأنه "كان لا بد لنا أن نسمع عن هذه الفكرة من خلال جهاتنا الرسمية، وليس من خلال تصريحات لصحف ومجلات أجنبية". واعتبر أن "التصريح بمثابة موافقة وإقرار بالمشاركة، دون المرور بالمراحل الدستورية، وهو ما أشرت إليه بالمادة السابقة".

واعتبر أن "هذا التحالف سيشرعن وجود قواعد أميركية على الساحة الأردنية، في ظل اتفاقية مع واشنطن تسمح لها بدخول تحالفات مع أي جهة كانت، بما فيها العدو الصهيوني، وهي اتفاقية غير دستورية ولم تعرض على مجلس الأمة وتمثل اعتداء على سيادتنا وقانوننا".

وتابع أنه "من الواجب على الأردن أن يكون من السّاعين إلى تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك الموقعة في جامعة الدول العربية". وتساءل القانوني الأردني "هل يتفق الفكر الأردني العربي مع الفكر الإسرائيلي الغاصب لفلسطين أو مع الفكر الأميركي الداعم له؟".

وختم حديثه بالقول: "لذلك أنا أدق ناقوس الخطر لمجرد الحديث عنه؛ إذ لا يجوز للأردن أن يدخل أي تحالفات ضد دول عربية أو إسلامية".

الصفدي: "ناتو" عربي... لا تحالف مع إسرائيل

وحول تساؤلات في هذا الشأن، نفى وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفديي، طرح لتشكيل تحالف عربي مع إسرائيل. وقال الصفدي، في مقابلة مع قناة "الجزيرة"، إن "ما طرح هو سؤال في مقابلة صحافية لجلالة الملك حول ناتو في المنطقة، ليس بمعنى امتداد للحلف الأطلسي، ولكن كطرح لآلية دفاعية عربية لمواجهة التحديات المشتركة".

وأضاف أن "الأردن دائمًا يؤيد كل طرح يدفع باتجاه عمل عربي مؤسساتي مشترك لمواجهة التحديات المشتركة، نتعامل في إطار دفاعي، ننطلق من رؤية واضحة... نتحدث عن الأمن بمفهومه الشامل: الأمن العسكري لمواجهة أي تحديات لأي من دولنا العربية، ومواجهة الإرهاب، والأمن الاقتصادي، والأمن الغذائي. بمعنى كل طرح يدفع باتجاه عمل عربي مؤسساتي مشترك فهو طرح يدعمه الأردن وطرح تحتاجه المنطقة".

وردًا على سؤال حول الحديث المطروح في المنطقة عن أنه قد يتبلور أثناء زيارة الرئيس الأميركي إلى المنطقة، تحالف عسكري بقيادة الولايات المتحدة ويضم إسرائيل، قال الصفدي إنه "لا يوجد أي طرح بهذا المعنى، ولم نسمع أي طرح بهذا المعنى".

وأضاف أنه "نعرف أن الرئيس الأميركي قادم في زيارة إلى المنطقة للحديث عن التحديات الإقليمية ويلتقي مع قادة 9 دول عربية، حتى الآن نحن في إطار التنسيق مع كل أشقائنا العرب... لنرى كيف نقدم طرحًا عربيًا مشتركًا ينسجم مع احتياجاتنا وأولوياتنا لمواجهة ما هو قادم".

التعليقات