"خجلتُ بمرارة": فصل محذوف من كتاب "أعمدة الحكمة السبعة" للورنس العرب

يشير الفصل الأول المحذوف من «أعمدة الحكمة السبعة» إلى الشخصية الأولى كما يقول جلين ميتشل، كبير المتخصصين في منصة بيتر هارينغتون تاجر الكتب النادرة الذي وصلته نسخة من نشرة الإصدار الأول وطرحها للبيع في السوق

لورنس العرب (Getty)

ترجمة خاصّة: عرب ٤٨

يكشفُ الفصل المحذوف من كتاب الجاسوس البريطاني توماس إدوارد لورنس (الشهير بلورنس العرب) الذي دعم الثورة العربية حقيقة مشاعره حول التعهد الكاذب لإقامة حكم ذاتي عربي، مع شعوره "بالخجل الدائم والمرير"، من خيانة الشرق الأوسط في أعقاب الثورة العربية التي أصبح بعدها بطلاً قوميًا في بريطانيا، كما نقرأ في الفصل المحذوف من كتابه "أعمدة الحكمة السبعة".

وجاء في التقرير الذي نشرته صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، أنّ صديقه الكاتب المسرحي الأيرلندي جورج برنارد شو، كان قد أقنعه بحذف الفصل الافتتاحي، ولم يُنشر في أي من إصدارات الكتاب اللاحقة إلى اليوم. لكن وصلت نسخة ولأول مرة من المخطوطة الأولى ومن ضمنها الفصل المحذوف إلى سوق لبيع الكتب النادرة بسعر بلغ 65 ألف جنيه إسترليني.

درس لورنس في جامعة أوكسفورد وكان باحثًا وجاسوسًا حارب مع العرب للتخلص من نير الإمبراطورية العثمانية في ذروة الحرب العالمية الأولى ليصبح بطلًا في بريطانيا، وجسّد شخصيته على الشاشة الممثل بيتر أوتول في الفلم الشهير.

انطلقت الثورة عام 1916 عندما صدّ الجيش العربي القوات التركية المتقدمة من الإمبراطورية العثمانية، وساعد فيها لورنس فيصل الأول بن الحسين بن علي الهاشمي في مساعيهم لهزيمة العثمانيين، عندما اعتقد العرب واهمين بأن هذا سيؤدي لإقامة دولة عربية موحدة، لتُقسم المنطقة لاحقًا بين بريطانيا وفرنسا وتُتهم الدول الغربية بالتراجع عن الاتفاق.

نُشر لورنس تقريره عن الثورة في كتابه "أعمدة الحكمة السبعة" في عام 1926، ولكن قبلها بعامين نشر مئة نشرة من الفصول الافتتاحية للكتاب بهدف إغراء المستثمرين لتمويل مشروع نشر الكتاب الكامل، في أسلوب التمويل الجماعي القديم للكتب. مؤكدًا فيها بأن هدفه في الشرق الأوسط هو مساعدة العرب لتأسيس سيادتهم على بلادهم.

وكتب أن الثورة العربية كانت "حرباً عربية شنها وقادها العرب من أجل هدف عربي في الجزيرة العربية"، مضيفًا حول دوره معهم بأن يساعدهم لبناء "أمة جديدة، واستعادة نفوذهم الضائع" لبناء "قصر أحلام مُلهم لأفكارهم القومية".

وأبدى رضاه لاحقًا عندما تدهورت الأحوال للقوى الغربية في المنطقة العربية بعد الحرب، مدونًا: "عندما انتصرنا، اتُهمت بأن عائدات البترول البريطانية في بلاد ما بين النهرين أصبحت محل شك، والسياسة الاستعمارية الفرنسية دمرت بلاد الشام. أخشى أني أتمنى حصول ذلك".

تُشير سيرة سكوت أندرسون حول لورنس التي حملت عنوان "لورانس في الجزيرة العربية" المنشورة عام 2014، للتباين في النظر إلى لورانس؛ فهو صديق وحليف للعرب لدى البعض كما شاع في بريطانيا، ومتواطئ كليًا في خطط بريطانيا للسيطرة على الشرق الأوسط، وخائن للقضية العربية.

يشير الفصل الأول المحذوف من "أعمدة الحكمة السبعة" إلى الشخصية الأولى كما يقول جلين ميتشل، كبير المتخصصين في منصة بيتر هارينغتون تاجر الكتب النادرة الذي وصلته نسخة من نشرة الإصدار الأول وطرحها للبيع في السوق.

يقول ميتشل: "هدف الفصل الأول "المقموع" افتتاح أعمدة الحكمة السبعة. إنه بيان افتتاحي للعالم، يكشف فيه لورنس عن نيته، أو لنقل رؤيته، بأن الثورة العربية كانت حرباً خاضها العرب لأجل العرب، لينالوا استقلالهم في المحصلة النهائية عن كل من العثمانيين والقوى الكبرى. رأى جورج برنارد شو الفصل الأول صريح أكثر من اللازم ولا يجدر أن يفتتح لورنس كتابه ببيان كهذا".

أسس لورانس شركة طباعة لطباعة نسخ اشتراك في كتابه، وأرسل حوالي 100 نسخة لجمع الدعم المالي لمشروع نشر الكتاب، من ضمنهم جورج برنارد شو، الذي طلب منه حذف الفصل الأول، وتعديل بعض التعليقات التي قد تعتبر تشهيرية لدى البعض.

يكتب لورنس في الفصل المحذوف: "عزمتُ ألا أقبل أي شيء في عملي على الجبهة العربية. شجّع مجلس الوزراء العرب للقتال لصالحنا مقابل وعود مستقبلية محددة بالحكم الذاتي. يؤمن العرب بالأشخاص لا بالمؤسسات، وكنت بالنسبة لهم وكيلًا حرًا للحكومة البريطانية، وطلبوا مني إقرارًا بوعودها المكتوبة. لذلك اضطررت الانضمام للمؤامرة، وأكدت للرجال مكافأتهم بقدر ما حملته كلمتي من قيمة آنذاك".

ويضيف لورنس: "أصبحت مُصدقًا لديهم بعد شراكتنا التي استمرت لعامين تحت النار، واعتقدوا بأن حكومتي صادقة مثلي. وقاموا ببعض الأشياء الجيدة على هذا الأمل، ولكن بدلاً الافتخار بما حققناه سويًا، خجلتُ بمرارة".

يعلق ميتشل: "تعقّدَ هذا المشهد أكثر بسبب طبيعة شخصية لورانس. أحد السير حوله حملت عنوان "العودة إلى الأضواء"، صحيح تجنب الدعاية لكنه تاق للاهتمام في نفس الوقت. لن يقول صراحة "خنت العرب" لكن هذا واضح ضمنيًا في الفصل الأول المحذوف. في مقدمة الطبعة التجارية من أعمدة الحكمة السبعة، وضّح علة حذف بالقول: "أخبرني أفضل ناقد لي (برنارد شو) أن قيمته أقل بكثير من بقية الفصول".

يختم ميتشل: "يلخصُ الفصل الأول "المقموع" غموض لورانس حول المشروع الكامل لسرد حكايته عن الثورة العربية، آمن بأنها حكاية جديرة بأن تروى لكنه لم يستطع أن يرويها، على الرغم من انخراطه فيها".

التعليقات