الاقتتال في السودان: عمليات لإجلاء الأجانب وواشنطن تعلق عمل سفارتها

أعلن البيت الأبيض إجلاء موظفين بالحكومة الأميركية من العاصمة السودانية الخرطوم، فيما علّقت واشنطن العمليات في سفارتها هناك، وفيما تستعد دول أجنبية لإجلاء محتمل لآلاف من رعاياها، يستمر القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.

الاقتتال في السودان: عمليات لإجلاء الأجانب وواشنطن تعلق عمل سفارتها

(Getty Images)

أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، اليوم الأحد، أن القوات الأميركية قامت بإجلاء موظفي سفارة الولايات المتحدة لدى الخرطوم، حيث دخلت المعارك بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" أسبوعها الثاني.

وخلف القتال في السودان أكثر من 400 قتيل وآلاف الجرحى، بينما يحاول السودانيون التأقلم مع انقطاع الكهرباء ونقص المواد الغذائية وسط تقارير عن انقطاع "شبه كامل" لشبكة الإنترنت.

وبدأت فرنسا "عملية إجلاء سريع" لمواطنيها ولطاقمها الدبلوماسي من السودان، بحسب ما أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية. ولفتت إلى أن العملية ستشمل أيضًا مواطنين أوروبيين وآخرين منحدرين من "دول شريكة حليفة"، دون أن تقدّم تفاصيل إضافية.

وقال مصدر دبلوماسي إن كلّاً من قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع "قدّمت ضمانات أمنية" تسمح بإجراء هذه العملية. ولفت المصدر نفسه إلى أن نحو 250 مواطنًا فرنسيًا يقيمون في السودان.

وقال بايدن، في بيان، "اليوم بناء على أوامري، نفذت القوات الأميركية عملية لإخراج موظفين حكوميين أميركيين من الخرطوم. أنا فخور بالالتزام غير العادي لموظفي سفارتنا في الخرطوم الذين أدوا واجبهم بشجاعة ومهنية".

وأعرب بايدن عن شكره لـ"المهارة الفائقة لجنودنا الذين قاموا بنقلهم إلى بر الأمان"، مضيفا أن جيبوتي وأثيوبيا والسعودية ساعدت في هذه العملية.

وفي بيان منفصل، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن وزارته "علقت العمليات مؤقتا" في السفارة، بسبب "المخاطر الأمنية الرهيبة والمتنامية الناجمة عن النزاع".

وكانت قوات الدعم السريع، التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو في السودان، قد غردت قبل ساعات أنها "قامت فجر اليوم الأحد، بالتنسيق مع بعثة القوات الأميركية المكونة من 6 طائرات، بغرض إجلاء الدبلوماسيين وأسرهم".

كما دان بايدن، في البيان، أعمال العنف الدامية داعيا إلى وقف فوري لإطلاق النار. فيما أوضح مسؤولون أميركيون أنه تم إجلاء جميع موظفي الحكومة الأميركية من السفارة في الخرطوم.

وبدأ رعايا أجانب آخرون في مغادرة السودان من ميناء على البحر الأحمر، أمس السبت، بعد أسبوع من بدء القتال في أنحاء البلاد. وذكرت شبكة التلفزيون اليابانية (تي.بي.إس) أنه سيتم إجلاء موظفي الأمم المتحدة ومنهم الرعايا اليابانيون وعائلاتهم من السودان.

وأعلنت دول أجنبية أخرى أنها تستعد لإجلاء محتمل لآلاف من رعاياها، على الرغم من استمرار إغلاق المطار الرئيسي في السودان. وكان أكثر من 150 شخصا من السعوديين ورعايا دول أخرى قد وصلوا بحرا الى جدة السبت، في أول عملية إجلاء معلنة لمدنيين من السودان منذ اندلاع المعارك.

وصول سعوديين وأجانب إلى جدة قادمين من السودان، السبت (رويترز)

وأشارت الخارجية السعودية إلى أن الأجانب هم من 12 دولة هي الكويت وقطر والإمارات ومصر وتونس وباكستان والهند وبلغاريا وبنغلادش والفيليبين وكندا وبوركينا فاسو، وبينهم "دبلوماسيون ومسؤولون".

ومع نقل القوات البحرية السعودية للرعايا المدنيين عبر البحر الأحمر من بور سودان إلى جدة، استؤنف القتال في الخرطوم بعد هدنة وجيزة شهدت وقفا لإطلاق النار في أول أيام عيد الفطر، الجمعة.

وفي الخرطوم، التي يبلغ عدد سكانها خمسة ملايين نسمة، قلب الصراع حياة المدنيين الذين يتملكهم الرعب داخل منازلهم من دون كهرباء في أجواء من الحرّ الشديد. ويجازف عدد منهم بالخروج للحصول على مواد غذائية على نحو عاجل أو للفرار من المدينة.

وأوضح سكان في الخرطم أن "جميع الأهالي هنا يعانون من مشكلة المياه. كما انقطعت عنا الكهرباء، وأعيدت قبل ثلاثة أيام. كنا نعيش في العتمة، وهذا غير طبيعي، أولا قُطعت المياه ثم قُطعت الكهرباء. ندعو الله لحمايتنا".

ويضاف إلى تلك المتاعب "شبه انقطاع تام للإنترنت" في أنحاء البلاد، بحسب منظمة نتبلوكس ومقرها في لندن المعنية برصد الشبكة العنكبوتية في أنحاء العالم.

وخلال المعارك العنيفة في الخرطوم في الأيام الماضية، شنّت طائرات مقاتلة ضربات على مواقع عدة، بينما جابت دبابات الشوارع وأطلق الرصاص والمدفعية في مناطق مكتظة. لكن العنف امتد إلى أنحاء أخرى من البلاد أيضا.

ووقعت معارك في إقليم دارفور في غرب السودان، حيث قالت منظمة أطباء بلا حدود في مدينة الفاشر إن الوضع "كارثي"، و"لا يتوفر عدد كافٍ من الأسرّة لاستيعاب عدد الجرحى الهائل"، وبينهم عدد كبير من الأطفال.

والسبت، سُمع دوي إطلاق نار كثيف وانفجارات وأزيز طائرات حربية في مناطق كثيرة من العاصمة، وفق ما أفاد شهود. وكان الجيش أعلن الجمعة أنه "وافق على وقف لإطلاق النار لمدة ثلاثة أيام" بمناسبة عيد الفطر.

وأكد قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في بيان، موافقته على "طلب عدد من الدول تسهيل وضمان تأمين إجلاء رعاياها وبعثاتها الدبلوماسية من البلاد"، و"تقديم المساعدة اللازمة لتأمين ذلك".

وشدّد البرهان لقناة "العربية" السعودية، على أن "كل المطارات تحت سيطرة الجيش"، باستثناء مطار الخرطوم وآخر في نيالا بولاية جنوب دارفور.

وتقوم أطراف عدة بينها الاتحاد الأوروبي، بإعداد خطط لإجلاء رعاياها الأجانب، بينما نشرت كوريا الجنوبية واليابان قوات في دول مجاورة استعدادا لعمليات كهذه.

وذكرت مجلة "دير شبيغل" الألمانية أن وزيري الدفاع والخارجية عقدا اجتماعا طارئا، السبت، لمناقشة إمكانية القيام بعملية إجلاء بعدما اضطرت ثلاث طائرات عسكرية للعودة وعدم إكمال مهتمها، الأربعاء.

وقالت منظمة الصحة العالمية إن أكثر من 420 شخصًا قتلوا وأصيب ما يزيد عن 3,700 بجروح من جراء القتال في جميع أنحاء السودان، لكن يُعتقد أن العدد الفعلي للقتلى أكبر من ذلك.

وقالت لجنة أطباء السودان إن أكثر من ثلثي المستشفيات في الخرطوم والولايات المجاورة "توقفت عن العمل". وتعرضت أخرى للنهب وقُصفت أربعة مستشفيات على الأقل في ولاية شمال كردفان.

وقال برنامج الأغذية العالمي إن العنف قد يوقع ملايين آخرين في براثن الجوع في بلد يحتاج فيه 15 مليون شخص - أي ثلث السكان - إلى المساعدات. ودعت مجموعة الأزمات الدولية إلى ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لوقف الانزلاق إلى "حرب أهلية شاملة".

واندلع القتال على خلفية تباين بين القائدين العسكريين، البرهان ودقلو (حميدتي) على طريقة دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، وهو شرط أساسي لاتفاق يهدف لاستعادة الانتقال الديمقراطي في السودان بعد إطاحة البشير في نيسان/ أبريل 2019 عقب تظاهرات حاشدة.

وكان الحليفان السابقان قد استوليا على السلطة كاملة في انقلاب في العام 2021،أطاحا خلاله بالمدنيين الذين كانوا يتقاسمون السلطة معهم. لكن الخلافات والصراع على السلطة ما لبثت أن بدأت بينهما وإن بقيت كامنة في فترة أولى.

التعليقات