في اليمن: "مرتبات الموظفين تتحول لمادة صراع سياسي"

بلا استثناء، لم يحصل موظفو الجهاز الإداري للدولة على راتب شهر أيلول/ سبتمبر، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب في اليمن قبل أكثر من عام ونصف.

في اليمن: "مرتبات الموظفين تتحول لمادة صراع سياسي"

البنك المركزي في صنعاء (أ ف ب)

بلا استثناء، لم يحصل موظفو الجهاز الإداري للدولة على راتب شهر أيلول/ سبتمبر، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب في اليمن قبل أكثر من عام ونصف. 

يأتي هذا التطور، حسب مراقبين، كنتيجة مباشرة لمعركة اقتصادية اندلعت مؤخرًا بين حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والحوثيين حول البنك المركزي. 

وكسبت الحكومة المعركة المالية، بعد اتهامها للحوثيين بإهدار الاحتياطي الأجنبي والسحب على المكشوف، ونقلت البنك من العاصمة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، جنوب غربي البلاد، في 18 أيلول/ سبتمبر الماضي.

وأعلن الحوثيون رفضهم للقرار وقاموا بجمع التبرعات النقدية من المواطنين للبنك المركزي في صنعاء، وقرروا عدم إرسال الموارد الخاصة بالعاصمة صنعاء وميناء الحديدة إلى البنك المركزي في عدن، عدا عن تجهيز إدارة جديدة للبنك في صنعاء.

وبدأ الحوثيون خطوات عملية، لتحويل فرع البنك المركزي اليمني بالعاصمة صنعاء إلى مصرف مركزي للمناطق الخاضعة لسيطرتهم، وبدأت ترتيبات لوضع مالي مستقل عن الحكومة الشرعية.

وكلف المجلس السياسي المشكل من تحالف يضم الحوثيين والموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح، نهاية أيلول/ سبتمبر، لجنة من خبراء الاقتصاد، لإعداد تقرير عن الخطوات العاجلة لإعلان فرع البنك المركزي كمقر رئيس لمناطق سيطرتهم ومعالجة أزمة السيولة.

وقدم التقرير، الذي أعده خبراء في الاقتصاد وأكاديميون، وصدر يوم 5 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، مصفوفة معالجات عاجلة، أكدت على ضرورة معالجة الفراغ المؤسسي في إدارة البنك المركزي بشكل عاجل، وشدد على سرعة إصدار قرار تعيين قيادة جديدة للبنك.

ووسط معركة بين البنكين، وجد موظفو الدولة في اليمن أنفسهم بلا مرتبات للشهر الثاني على التوالي، كما أن طرفي النزاع لم يصدرا أية تطمينات لهم.

وعادة، كانت رواتب موظفي الدولة، الذين يبلغ عددهم 800 ألف موظف، تصرف في أول يومين من الشهر الجديد. 

ووفق تصريحات محافظ البنك المركزي السابق، محمد بن همام، فإن الدولة كانت تدفع 75 مليار ريالأي ما يعادل نحو 300 مليون دولار، شهريًا، كمرتبات، من بينها 25 مليار ريال (نحو 100 مليون دولار)، لمنتسبي الجيش والأمن فقط.

طابور موظفي الدولة، في انتظار صرف الرواتب (أ ف ب)

وفي هذا السياق، قال الموظف حكومي في وزارة التربية، محمد الحمادي، إنه 'من المؤسف أن تتحول مرتبات الموظفين إلى مادة للصراع السياسي، ما ذنب مئات آلاف الموظفين أن يجدوا أنفسهم فجأة بلا دخل'.

وأضاف، 'المؤلم أن الانقطاع جاء في توقيت حرج، لم نتمكن من تسجيل أولادنا في المدارس مع بدء العام الدراسي، وشراء مستلزمات الدراسة، ولن نتمكن من سداد الإيجارات والديون المتراكمة لدى تجار المواد الغذائية، الجميع يترقبون شبح مجاعة'.

وتسبب عدم صرف المرتبات في أزمة اقتصادية خانقة في السوق، مع الاعتماد الكلي عليها كمصدر للرزق، ووجد غالبية موظفي الدولة أنفسهم عاجزون عن تسديد ايجارات مساكنهم والإيفاء بأبسط متطلبات الحياة.

والتزم الحوثيون الصمت التام حيال الأزمة الراهنة، فيما يرى مراقبون أن انقطاع الرواتب أدخلهم في مأزق؛ فلا هم قادرون على توفيرها باعتبارهم سلطة أمر واقع، وينوون تشكيل حكومة، ولا هم جريؤون للإعلان صراحة أن حكومة الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، هي المسؤولة.

وقال أحد موظفي البنوك في صنعاء، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إن 'جماعة الحوثي تشعر بمأزق حيال توفير رواتب آلاف المقاتلين الذين تم إلحاقهم خلال الحرب، 'كان يتم الدفع لهم من ميزانية الدفاع'.

ولفت إلى أن الجماعة قد تقوم بتوفير رواتب بعض دواوين الوزارات العامة الخاضعة لسيطرتهم فقط، فيما لا يُعرف مصير بقية الدوائر الأخرى.

وفي العاصمة المؤقتة عدن، ما يزال البنك المركزي عاجزًا عن صرف رواتب الموظفين.

ووفقًا لحديث مصدر من حكومة هادي، يحتاج البنك لأكثر من شهرين حتى يقوم بترتيب وضعه الفني وصرف الرواتب، مؤكدًا أن الرواتب ستصرف بعد ذلك للجميع بأثر رجعي.

وقال الكاتب والمحلل الاقتصادي محمد راجح، 'توقف الرواتب يعني توقف دورة الحياة، الراتب يحرك عجلة الاقتصاد، ويذهب إلى المؤجر ومستودع المواد الغذائية وبائع الخضروات وسائق الحافلة ولتسديد التزامات رسوم المدارس ومستلزمات الدراسة'.

وأضاف النائب رئيس القسم الاقتصادي في 'صحيفة الثورة' الحكومية، راجح، أن 'توقف الرواتب ربما مرتبط بأزمة نقص السيولة النقدية، وليس له علاقة بقرار نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن'، مبديًا استغرابه من صمت الحكومة والحوثيين عن إصدار توضيحات للناس عن أزمة الرواتب.

والتزم هادي، للمؤسسات النقدية الدولية، خلال زيارته الأخيرة لنيويورك، أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، بتأمين رواتب جميع اليمنيين بلا استثناء، حتى أولئك القاطنين في المحافظات الخاضعة للحوثيين والموالين لهم، وهم من المدرجين في كشوفات الجهاز الإداري للدولة.

وقال الخبير المصرفي طارق عبدالرشيد، إن 'الأطراف السياسية المتصارعة ما تزال غير مبالية بتبعات تخلي الحكومة عن واجبها بصرف المرتبات والأجور الأساسية لموظفيها، كونها لم تساعد في تهيئة السبل لتلافي الوقوع في هذا المأزق، من حيث أثره على معيشة المواطنين، وفي ردة فعلهم'. 

وبعد نقل مقر البنك المركزي إلى عدن، كثف رئيس الوزراء، أحمد عبيد بن دغر، لقاءاته مع 'المؤسسات الإيرادية' مثل المنافذ الجمركية؛ بهدف رفد البنك المركزي بالسيولة، لكنها لم تتخذ خطوات فعلية لحل أزمة الرواتب. 

اقرأ/ي أيضًا | التحالف يعترض صاروخين باليستيين للحوثيين على مأرب والطائف

وخلال الشهرين الماضيين، كان البنك المركزي الخاضع للحوثيين، قد لجأ إلى صرف رواتب الموظفين من العملة النقدية التالفة، بعد انعدام السيولة المحلية، ووصول سعر صرف الريال اليمني إلى 310 ريال أمام الدولار الواحد في 'السوق الموازية' (السوداء)، مقابل 250 في السوق الرسمية.

التعليقات