اليمن: صراع سعودي – إماراتي يمنع سيطرة الانفصاليين على شبوة

مراقبون يرون أن السعودية تدخلت ورفضت سيطرة القوات الموالية للإمارات على المناطق الجنوبية، وأعادت القوة إلى الحكومة اليمنية. والملك سلمان بن عبد العزيز كان غاضباً من التحركات الإماراتية في جنوبي البلاد

اليمن: صراع سعودي – إماراتي يمنع سيطرة الانفصاليين على شبوة

مركبات دمرها القصف الإماراتي في جنوب اليمن، أمس (أ.ب.)

اشتد الصراع بين السعودية والإمارات في جنوب اليمن، بعد أن كانت قوات النخبة الشبوانية التابعة للمجلس الانتقالي الإنفصالي المدعوم من الإمارات، توشك أن تحكم سيطرتها على محافظة شبوة، وسط تراجع كبير للقوات الموالية للحكومة، مطلع آب/أغسطس الحالي.

وفي 21 آب/أغسطس الحالي، شنت قوات النخبة الشبوانية هجومًا على معسكرات ومواقع القوات الحكومية بمدينة عتق، مركز محافظة شبوة، وقبلها كانت تلك القوات فرضت سيطرتها على 90% من المحافظة، باستثناء مدينة عتق. وفي اليوم التالي، كانت تلك القوات قد توغلت في عتق، وباتت على مقربة من منزل محافظ شبوة، محمد بن عديو.

وكانت سيطرة قوات النخبة على عتق محسومة، خصوصاً مع الفارق الكبير بين حجم التسليح الذي تتمتع به قوات الطرفين، فقوات النخبة كانت فتية وحديثة التأسيس وذا تسليح جيد، كما أنها تعد الأكثر تنظيماً، في مقابل قوات اُنهكت بالقتال ضد جماعة الحوثيين. لكن عوامل عدة أبرزها، وفق مراقبين، الطبيعة القبيلة والموقف السعودي في شبوة، أفشلت مخطط الانفصاليين ومنعتهم من السيطرة على المحافظة.

وسبق ذلك، سيطرة قوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات على مدينة عدن بالكامل، في العاشر من آب/أغسطس، لتتمدد إلى محافظة أبين، شرق عدن، وهناك فرضت سيطرتها على المحافظة بعد معارك محدودة.

أما محافظتي لحج والضالع شمال عدن، فقد كانتا تحت سيطرة قوات الحزام التي ملأت الفراغ الأمني على حساب القوات الحكومية منذ العام 2018، وباتت تلك القوات تهيمن على المحافظتين رغم وجود قوات موالية للحكومة.

لكن نقطة التحول كانت بعد أن صدت القوات الحكومية هجوم قوات النخبة، وشنت هجوماً مضاداً، وبعد يومين كانت تلك القوات تجبر قوات النخبة على الانسحاب إلى خارج مدينة عتق. واستمر هجوم القوات الحكومية، والاثنين الماضي، كانت تفرض سيطرتها على محافظة شبوة بالكامل، بينما انسحبت قوات النخبة من كل المواقع، بما في ذلك حقول ومنابع النفط والموانئ الاستراتيجية والمعسكرات الرئيسية لها. بعد ذلك، سيطرت القوات الحكومية، يوم الأربعاء الماضي، على معظم مدينة عدن، قبل أن تتراجع من عدن وأبين، في اليوم التالي، على وقع قصف جوي عنيف أدى إلى سقوط ثلاثمائة جندي من القوات الحكومية بين قتيل وجريح.

ولاحقا، أعلنت كتائب وألوية كبيرة من قوات النخبة انضمامها إلى الحكومة. كما كان للجنة سعودية عسكرية، وصلت مع بدء تطور الأحداث في المحافظة، دور كبير في عمليات الاستلام والتسليم بين قوات النخبة والقوات الحكومية، ومن بينها ميناء ومنشأة بلحاف للغاز الطبيعي، والذي يعد أكبر مشروع حيوي في اليمن.

وقال مصدر في القوات الحكومية إن التوجيهات السعودية كانت صريحة، بتسليم قوات النخبة لكل المواقع العسكرية والحيوية بما في ذلك الموانئ والمنشآت الحيوية إلى القوات الحكومية، بدلاً من تفجر الصراع. وأشار إلى إن القوات الإماراتية التي كانت تتمركز في منشأة بلحاف الغازية، غادرت مع قوات من النخبة الشبوانية إلى حضرموت، بينما انسحبت قوات من النخبة إلى مدينة عدن.

وأرجع المصدر جزء من انهيار قوات النخبة بتلك الكيفية إلى أن جنودها ينتمون إلى المحافظة ويقاتلون من أجل المال، ولذا فإنهم فضّلوا عدم المواجهة مع أهاليهم وآثروا الانضمام للقوات الحكومية، حتى لا تزيد الأوضاع تعقيداً.

صراع سعودي - إماراتي

كانت قوات النخبة الشبوانية، التي تأسست في عام 2016 وتضم قرابة 7 آلاف جندي، واحدة من التشكيلات العسكرية التي دعمتها الإمارات، إذ تدين تلك القوات بالولاء المطلق لولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد.

وتوغلت تلك القوات في مديريات شبوة بادعاء "محاربة التنظيمات الإرهابية"، لكنها ما لبثت أن سيطرت على معظم المحافظة وحقول ومنابع النفط والغاز، وآلت المحافظة لها بصورة تامة، مما صعب التكهن بالتخلي عنها بين ليلة وضحاها.

ولم تكن سطوة القوة العسكرية للقوات الحكومية هي السبب الفاعل، بل إن مراقبون يرون أن السعودية تدخلت ورفضت سيطرة القوات الموالية للإمارات على المناطق الجنوبية، وأعادت القوة إلى الحكومة اليمنية.

ومثّل وصول رئيس الحكومة، معين عبد الملك، إلى مدينة عتق، برفقة عدد من الوزراء، ضوء أخضر سعودي، وإعلان ضمني بدعم الحكومة اليمنية ورفض سيطرة القوات الموالية للإمارات على شبوة.

وفي هذا الصدد، يقول مصدر رفيع في الحكومة اليمنية، إن السعودية أعادت موازين القوى إلى الحكومة الشرعية بعد أن توصلت ليقين بأنها تمثل المشروع الوحيد في مواجهة جماعة الحوثيين، والأخيرة تمثل تهديد حقيقي للمملكة.

وأضاف أن "الرئيس هادي كان قد عبر للسعوديين عن غضبه من محاولة الإمارات السيطرة على شبوة، ولذا فإن الملك سلمان بن عبد العزيز كان غاضباً من التحركات الإماراتية في جنوبي البلاد، لذا غض الطرف عن قرار الحكومة بمواجهة الانتقالي".

وخلال الأسبوع الأخير بدت تصريحات المسؤولين في الحكومة اليمنية أكثر حدة، بينما اتهم وزير النقل اليمني، صالح الجبواني، في حديث لقناة اليمن الرسمية من الرياض، دولة الإمارات بالإشراف على الانقلاب الذي نفذته قوات الحزام الأمني في عدن.

وهاجم وزير الثقافة، مروان دماج، الإمارات، واتهمها بتعميق الكراهية بين اليمنيين والسعي لتقزيم البلاد. وبحسب مراقبين، فإن هذه التصريحات والتطورات ما كان لها أن تتم إلا برضا سعودي، خاصة أن الرئاسة اليمنية والحكومة تتخذان من العاصمة الرياض مقرًا مؤقتًا منذ منتصف 2015، بالإضافة إلى أن تلك التحركات العسكرية كانت وفق تفاهمات.

وتطور الأمر إلى انتقادات على "تويتر"، وكتب المحلل السياسي السعودي، سليمان العقيلي، في "تويتر"، أن "المؤامرة مستمرة، وبعد إسقاط مشروعهم التقسيمي في جنوب اليمن، يسعون (الإماراتيون) إلى تشكيل تحالف سياسي بين الانتقالي وطارق صالح والاشتراكي والناصري والبعث، لإطلاق عملية تلطيخ الحكومة الشرعية وجيشها بالإرهاب، ثم تسويق الحوثي شريكاً".

"بنية قبلية معقدة"

يتبين أن معركة شبوة كان لها هوية مختلفة عن المعارك الأخرى التي خاضتها القوات المدعومة من الإمارات، وهو ما أرجعه محللون إلى أن للمحافظة بنية قبلية معقدة. كذلك فإن شبوة، وفق مراقبين، لا ترفع شعار عودة الدولة الجنوبية، وانفصال جنوب اليمن عن شماله، وفقاً لما ينادي به الانتقالي، بل إن مصالح القبائل في المحافظة تمتد بين شمال اليمن وجنوبه.

وتنظر قبائل شبوة إلى الانتقالي الجنوبي، التي تتشكل قيادته من محافظتي الضالع ولحج، بنظرة تحمل الشك في بناء أي تحالفات، خصوصا أن شبوة تعد من أغنى المحافظات اليمنية بالموارد، على النقيض تماماً من لحج والضالع.

وخلال تطورات اليومين الماضيين، شنت قوات الحزام الأمني عمليات اعتقالات واسعة ضد مدنيين وقادة عسكريين ينتمون إلى شبوة، رداً على فشلهم في السيطرة على المحافظة، ولما يعتقدون أن المحافظة كانت حجر عثرة أمام طموحاتهم، وفق مصادر متطابقة تحدثت للأناضول.

 

التعليقات