السودان أوّل أيام العيد: اتهامات متبادلة بخرق الهدنة... وانحسار المعارك في الخرطوم

على غرار ما يفعلانه يوميا؛ أعلن الجيش وقوات الدعم السريع، الجمعة، وقفا لإطلاق النار، لكن هذه المرة لمدة ثلاثة أيام بمناسبة حلول عيد الفطر. ونهارا اتّهمت قوات الدعم السريع الجيش بخرق الهدنة، فيما اتّهم الأخير القوات الرديفة بخرقها مساء.

السودان أوّل أيام العيد: اتهامات متبادلة بخرق الهدنة... وانحسار المعارك في الخرطوم

الناس تفرّ من الخرطوم (Getty Images)

شهدت الخرطوم، الجمعة، معارك عنيفة نهارا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، قبل أن تتوقف مساء أصوات الانفجارات في بعض أحياء العاصمة السودانية، وسط دعوات متزايدة إلى هدنة من أجل المدنيين، في أول ايام عيد الفطر، فيما أعلن الجيش السوداني، مساء الجمعة، موافقته على هدنة لمدة ثلاثة أيام تبدأ اليوم، وذلك بعد ساعات من إعلان قوات "الدعم السريع" موافقتها على هدنة من القتال الذي أودى بحياة 413 شخصا، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

وعلى غرار ما يفعلانه يوميا؛ أعلن الجيش وقوات الدعم السريع، الجمعة، وقفا لإطلاق النار، لكن هذه المرة لمدة ثلاثة أيام بمناسبة حلول عيد الفطر. ونهارا اتّهمت قوات الدعم السريع الجيش بخرق الهدنة، فيما اتّهم الأخير القوات الرديفة بخرقها مساء.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنه "يرحب بإعلاني" وقف إطلاق النار، مضيفا "لكن يبدو واضحا أن الاشتباكات مستمرة وأن الثقة معدومة" بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وقالت نقابة أطباء السودان إنّ مستشفيات جديدة تضرّرت بشدّة في الخرطوم، وقد أصيبت أربعة مستشفيات في الأبيّض الواقعة على بعد 350 كيلومترا جنوب الخرطوم.

ومن أجل مساعدة المدنيين، دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى "السماح بوصول المساعدات الإنسانية فورا مع استمرار أعمال القتال في السودان".

(Getty Images)

ودعت الهيئة الدولية "الأطراف مرة أخرى إلى احترام التزاماتهم بموجب القانون الدولي الإنساني".

واندلعت المواجهات المستمرة منذ سبعة أيام، في الخرطوم وفي دارفور خصوصا، بين الجيش النظامي بقيادة عبد الفتاح البرهان الذي يعدّ الزعيم الفعلي للسودان منذ انقلاب العام 2021، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو. وتحوّل النزاع على السلطة الكامن لأسابيع بين الضابطين الكبيرين إلى معركة ضارية.

وقال طبيب من منظمة أطباء بلا حدود، إنّ "الوضع كارثي" في دارفور، التي تعدّ إحدى أفقر المناطق في السودان.

وأضاف من دارفور: "يوجد الكثير من المرضى لدرجة أنّهم يتلقّون العلاج على الأرض في الممرات، لأنه ببساطة لا توجد أسرّة كافية".

ولا يتردّد سلاح الجو، الذي يستهدف قواعد ومواقع قوات الدعم السريع المنتشرة في المناطق السكنية، في إلقاء القنابل.

(أ ب)

وذكرت نقابة الأطباء أنّ "سبعين في المئة من 74 مستشفى في الخرطوم والمناطق المتضرّرة من القتال توقّفت عن العمل" إمّا لأنها قُصفت أو لنقص الإمدادات الطبية والكوادر أو بسبب سيطرة مقاتلين عليها وطردهم المسعفين والجرحى.

في هذه الأثناء، تكثّفت الاتصالات الدبلوماسية في محاولة لإسكات المدافع. وقال وزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي الجمعة إنه قطع زيارته إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ عدة أيام "بسبب الوضع في السودان".

وقال الجيش السوداني، في بيان أصدره الجمعة: "وافقت القوات المسلحة على هدنة لمدة ثلاثة أيام اعتبارا من اليوم الجمعة الموافق 21 أبريل (نيسان الجاري) لتمكين المواطنين من الاحتفال بعيد الفطر وانسياب الخدمات الإنسانية، وتأمل القوات المسلحة أن يلتزم المتمردون بكل متطلبات الهدنة ووقف أي تحركات عسكرية من شأنها عرقلتها".

وفي بيان لاحق، أعلن الجيش تمسكه بالهدنة، على الرغم من رصده انتهاكات عديدة لها من جانب قوات "الدعم السريع"، بينها "مهاجمة مقر لقوات الدفاع الجوي واحتلال مراكز شرطة، وقصف عشوائي لمبانٍ في محيط القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، واتخاذ مدنيين دروعا"، على حد قوله.

(Getty Images)

وفجر الجمعة، أعلنت "الدعم السريع" عبر بيان موافقتها على هدنة إنسانية لمدة 72 ساعة تبدأ صباح الجمعة، بناء على "تفاهمات دولية وإقليمية ومحلية".

لكن دارت، الجمعة، اشتباكات شرسة في محيط القصر الرئاسي وسط الخرطوم وفي مناطق أخرى بالعاصمة، وامتد القتال للمرة الأولى إلى ولاية الجزيرة (وسط) المتاخمة للخرطوم على الطريق القومي إلى مدينة ود مدني، بحسب شهود عيان لمراسل الأناضول.

وهذه هي ثالث هدنة منذ بدء القتال وشهدت السابقتان خروقات عديدة واتهامات متبادلة من الطرفين.

وخلال الأيام الماضية دارت اشتباكات بين الطرفين في 9 ولايات من أصل 18 في البلاد.

413 قتيلا

ومنذ بدء الاشتباكات في 15 نيسان/ أبريل الجاري بالخرطوم ومدن أخرى، بلغت حصيلة الضحايا 413 قتيلا و3 آلاف و551 جريحا، بحسب منظمة الصحة العالمية في بيان الجمعة.

وقال وزير الصحة السوداني، هيثم إبراهيم، في تصريح متلفز، إنه تم رصد أكثر من 400 وفاة في كل مستشفيات البلاد.

لكن لجانا طبية مستقلة تحدثت، عبر بيانات، عن صعوبة الحصول على عدد كامل ودقيق للضحايا في ظل عدم وصول بعضهم إلى مستشفيات وانتشار جثث في شوارع وعدم القدرة على التعامل معها جراء القتال.

والخميس، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ووزير الخارجية الأميركي، إلى وقف لإطلاق النار خلال أيام العيد الثلاثة "على الأقل".

(أ ب)

وألقى الفريق أول البرهان، عبر التلفزيون الحكومي، خطابا إلى السودانيين لمناسبة عيد الفطر، في أول ظهور له منذ بدء القتال من دون أن يشير إلى احتمال إعلان هدنة.

وقال البرهان الذي ظهر ببزة عسكرية، جالسا في مكتب بين علمين للسودان: "تمرّ على بلادنا هذا العام مناسبة عيد الفطر المبارك وبلادنا أصابها جرح بالغ الخطورة".

من جهتها، أعلنت الولايات المتحدة، الخميس، أنها تنشر قوات في شرق إفريقيا تحسبا لاحتمال إجلاء موظفي السفارة الأميركية في السودان. كما سترسل كوريا الجنوبية واليابان طائرات، في الوقت الذي لا يزال فيه مطار الخرطوم مغلقاً منذ السبت.

والجمعة أعلن مسؤول في الاتّحاد الأوروبي أن التكتّل يعد خططا لعمليات إجلاء محتملة لرعاياه من الخرطوم/ إذا سمح الوضع الأمني بذلك.

واندلعت المعارك بعدما لم يتوصّل البرهان ودقلو إلى اتفاق بشأن شروط دمج قوات الدعم السريع في صفوف الجيش النظام، وذلك لاستكمال الاتفاق السياسي بشأن عودة المدنيين إلى السلطة.

وتسرع أعداد كبيرة من الناس، وغالبيتهم من النساء والأطفال على الطرقات بين نقاط التفتيش والجثث، من أجل الفرار. وذكرت الأمم المتحدة أن بين عشرة آلاف وعشرين ألف شخص، خصوصا من النساء والأطفال توجّهوا إلى تشاد المجاورة.

(Getty Images)

واضطرّت معظم المنظمات الإنسانية إلى تعليق مساعداتها، وهي أساسية في بلد يعاني فيه أكثر من واحد من كل ثلاثة أشخاص من الجوع في الأوقات العادية.

وأعلنت المنظمة الدولية للهجرة، الجمعة، أنّ أحد موظفها قُتل في المعارك في مدينة الأُبيّض في جنوب السودان، بعدما علقت مركبته وسط تبادل لإطلاق النار.

وكان مركز الأبحاث "مجموعة الأزمات الدولية"، قد حذر من أنه "لا البرهان ولا دقلو يريد الاستسلام على ما يبدو، لذلك الوضع قد يزداد سوءا".

وأضاف أن "نزاعا طويل الأمد سيكون خرابا للسودان" ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا وأحد أفقر دول العالم.

وتبادل الجيش و"الدعم السريع" اتهامات ببدء كل منهما السبت، هجوما على مقار تابعة للآخر بالإضافة، إلى ادعاءات بالسيطرة على مواقع تخص كلا منهما.

الآلية الثلاثيّة ترحّب بالهدنة وقوى مدنيّة تدعو لحل تفاوضيّ

في السياق، رحبت "الآلية الثلاثية" بشأن السودان، مساء الجمعة، بإعلان الجيش وقوات "الدعم السريع" موافقتهما على "هدنة إنسانية" لمدة ثلاثة أيام، فيما دعت قوى مدنية الأطراف إلى التوصل لـ"حل سياسي تفاوضي" يقود إلى "اتفاق" يجنب البلاد "انهيارا شاملا".

جاء ذلك في بيانين أحدهما لـ"الآلية الثلاثية"، وتتألف من الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية الدولية للتنمية "إيغاد"، والأمم المتحدة، والآخر للقوى المدنية التي وقَّعت مع العسكريين، في 5 ديسمبر/ كانون الأول الماضي "الاتفاق الإطاري" ضمن عملية سياسية توقفت مؤخرا جراء خلافات بين الجيش و"الدعم السريع".

وقالت "الآلية الثلاثية" إن "اتفاق وقف إطلاق النار سيسمح للمدنيين بالحصول على المساعدات الضرورية مثل الغذاء والماء والرعاية الطبية"، مشددة على "أهمية التوصل إلى وقف طويل الأمد للأعمال العدائية من أجل جميع السودانيين ومستقبلهم".

كما قالت القوى المدنية: "نرحب بإعلان الجيش و’الدعم السريع’ موافقتهما على وقف عدائيات إنساني، نتيجة لتواصل مكثف تم خلال الأيام الماضية بواسطة أطراف دولية عززت المبادرات المحلية بقبول الطرفين للهدنة".

وطالبت طرفي القتال بـ"الالتزام بها (الهدنة) ومعالجة كافة القضايا الإنسانية التي نتجت عن مأساة الحرب منذ اندلاعها" بين الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق عبد الفتاح البرهان، و"الدعم السريع" بقيادة نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو (حميدتي).

ولتجنيب السودان "شبح الانهيار الشامل"، دعت القوى المدنية "الأطراف العسكرية والمدنية إلى تطوير اتفاق شامل ودائم لوقف إطلاق النار وحل سياسي تفاوضي يعالج قضايا البلاد الرئيسية".

وفي عام 2013 تشكلت "الدعم السريع" لمساندة القوات الحكومية في قتالها ضد الحركات المتمردة بإقليم دارفور، ثم تولت مهام منها مكافحة الهجرة غير النظامية وحفظ الأمن، قبل أن يصفها الجيش بأنها "متمردة" عقب اندلاع الاشتباكات.

وأبرز شخصيتين في الاقتتال الراهن هما: قائد الجيش رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق عبد الفتاح البرهان، ونائبه في المجلس قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي).

(Getty Images)

وبين البرهان وحميدتي خلافات أبرزها بشأن مقترح لدمج قوات "الدعم السريع" في الجيش، حيث يريد البرهان إتمام العملية خلال عامين هي مدة مرحلة انتقالية مأمولة، بينما يتمسك حميدتي بعشر سنوات، وهو خلاف يرى مراقبون أنه يخفي أطماعا من الطرفين في السلطة والنفوذ.

وجراء خلافتهما تأجل مرتين، آخرهما في 5 أبريل الجاري، توقيع اتفاق بين العسكريين والمدنيين لإنهاء الأزمة التي يعيشها السودان منذ انقلاب البرهان على الحكومة المدنية في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، عبر حزمة إجراءات استثنائية أبرزها حل مجلسي السيادة والوزراء وإعلان حالة الطوار

التعليقات