ثلوج يناير... ترهق جيوب الفقراء بتونس

ورغم إشعار مصالح الرّصد الجوي التونسي، بوصول موجة من البرد القارس، إلى مرتفعات محافظات الشمال الغربي للبلاد، فإن الحالة الاقتصادية لسكّان هذه المناطق ألقت بظلالها على حجم ومعدات استعداداتهم، لمجابهة هذه الموجة.

ثلوج يناير... ترهق جيوب الفقراء بتونس

تعلو زغاريد الفرح والاحتفال بتساقط ثلوج يناير/ كانون الثاني، من بيوت بعض ميسوري الحال، في مناطق الشمال الغربي بتونس، أما على الوجه الآخر، فإن الثلوج تنذر بعض محدودي الدخل والفقراء بدخول الشتاء أوجه، ما يعني الحاجة لمزيد من النفقات لمواجهة البرد القارس، في ظل ظروف اقتصادية قاسية، لا تساعد أولئك على توفير أدنى احتياجاتهم الأساسية.

ورغم إشعار مصالح الرّصد الجوي التونسي، بوصول موجة من البرد القارس، إلى مرتفعات محافظات الشمال الغربي للبلاد، فإن الحالة الاقتصادية لسكّان هذه المناطق ألقت بظلالها على حجم ومعدات استعداداتهم، لمجابهة هذه الموجة.

وفي جولة على مناطق في الشمال الغربي التونسي، اشتكى عدد من سكّان منطقة عين دراهم، الواقعة في ولاية جندوبة، من غلاء مادّة الحطب، رغم وفرتها.

ويتطلّب الحصول على حطب التدفئة، دفع مبلغ 32 دينار تونسي (16 دولار أميركي) للمتر المكعّب الواحد، في حين تتضاعف تلك التكلفة مع إضافة أجور نقل هذه الكمية، التي لا تكفي التدفئة سوى لعشرة أيام، إلى المنازل حسب المسافات، بحسب السكان.

وفي منطقة عين سلطان، التابعة لمحافظة جندوبة، على الحدود الجزائريّة، يقول أحد تجّار المواد الغذائيّة، ناصر السّتيتي، إن 'معظم المواد الغذائية متوفرة في الأسواق، والمتاجر، لكن الأموال لا تتوفر لدى السكان بسبب الأحوال الاقتصادية السيئة'.

ويضيف الستيتي، 'جميع المواد الغذائية التي يقوم ببيعها مؤجلة الدفع إلى أجل غير مسمّى. لا أستطيع أن أرفض بيع سكان قريتي، بسبب عدم امتلاكهم للمال، لأن ذلك سيضاعف من معاناتهم، رغم أن هذا الأمر سيتسبب لي بأزمة مالية'.

أما حارس غابات في منطقة 'الغرّة' الحدوديّة مع الجزائر، عثمان القضقاضي، الذي كان يحاول انتشال دراجته العالقة وسط الثلوج، فقال إنه 'لا يواجه حاليًا صعوبة في اقتناء احتياجات منزله، لكنه يتمنى أن يعجل هذا الضيف الثقيل (الشتاء) بالرحيل، لأنه يحتاج إلى نفقات عائلية كبيرة، قد تجبره فيما بعد على الاقتراض، ما سيتسبب له بمأزق مالي'.

أمّا في منطقة العيون، على الشريط الحدوديّ مع الجزائر، فإن إقبال التونسيين على ارتداء البرنس والقشّابية (ملابس صوفيّة تقليدية)، بدا متزايدًا، وهو ما يفسّره المواطن نور الدّين مرسني، بانخفاض كلفته، لأنه يصنع من الصوف الذي يتم إنتاجه محليًا.

ولكن المواطن، محمّد السّتيتي، يرى في حديثه أن حتى هذه الملابس أصبحت عصيّة على السكّان الفقراء، الذين يعجزون على تربية الماشية والخرفان، ويبلغ ثمن اقتناء هذه الملابس، 200 دينار تونسي (ما يعادل 100 دولار أميركي)، وهو مبلغ مرتفع نوعًا ما خاصة مع وجود عدد كبير من أفراد العائلة.

ولمواجهة ظروف الفقر القاسية، تقول إحدى السيدات المسنات (رفضت التصريح باسمها)، إن بناتها ذهبن للعمل في العاصمة التونسية، كـ'معينات في المنازل'.

وبعد صمت طويل، تضيف العجوز، أن 'غياب فرص الشغل، وعدم الاهتمام بالمرأة الرّيفيّة فرض على فتيات وشبّان القرى الحدوديّة النزوح نحو العاصمة والمناطق السّاحليّة بحثا عن لقمة العيش. عانيت أنا وبناتي خلال الشتاء الماضي، من الجوع، حيث كان يخلو منزلي من الدقيق والطّحين لصنع الخبز'.

وتشير تقارير تونسية رسمية، إلى نزوح 15 ألف نسمة، من جندوبة، (أكبر محافظات الشمال الغربي جغرافيا وديمغرافيا)، وارتفاع نسبة البطالة فيها إلى 25.6% من السكان.

وفي السياق، يقول نائب محافظ جندوبة، رشيد بن مصباح، إن وزارة الشؤون الاجتماعيّة التونسية خصصت، جملة من الإعانات الظرفيّة، للعائلات الفقيرة بالمحافظة، تتمثّل في أغطية وملابس صوفيّة، إلى جانب كميات من الأغذيّة.

أمّا لوجستيًا، فقد تمّ تأمين 54 آلية تتضمن ماسحات، وشاحنات كاسحة للثلوج، إضافة إلى توزيع وزارة التجارة كميات من الملح، على ولايات الشمال الغربي، قبل حلول فصل الشتاء لإذابة الثلوج، وفق تصريحات، المدير العام للجسور والطرقات بوزارة التجهيز، صلاح الزواوي.

وعلى صعيد حركة السياحة، في محافظة جندوبة، فقد توافد زوار من مختلف مناطق البلاد منذ مساء يوم السبت الماضي، إلى ساحة المركز 'المغاربي للتخييم والاصطياف'، في المدينة لالتقاط صور تذكاريّة بين الثلوج، والاستمتاع بالمناظر الطبيعيّة.

كما توافدت مئات السيارات، وعشرات الحافلات، إلى منطقة عين دراهم، منذ يوم الأحد الماضي، لقضاء وقت ممتع بين الثلوج، واقتناء التحف التذكارية.

ويقول الفنان التونسي، حمادي بن عمر، وهو من سكان العاصمة، إنه يزور مناطق الشمال الغربي للبلاد صيفًا، وشتاء، لما تتمتع به من جمال مميز، عن بقية مناطق البلاد، داعيًا التونسيين إلى زيارة هذه المناطق لـ 'فك العزلة عن سكانها والمساهمة في تنشيط الحياة التجاريّة فيها'.

ورغم الحركة السيّاحية، التي تنتج عن تساقط الثلوج، والتغطية الإعلامية المكثفة التي تحظى بها مناطق الشمال الغربي خلال هذه الأيام، إلا أن البطالة، والفقر، يبقى القاسم المشترك الأكبر بين سكان تلك المناطق.

التعليقات