تونس: البطالة تقف وراء الاحتجاجات ولا اقتصاد

ألم يتطوّر الاقتصاد الّتونسيّ بعد خمس سنوات على الثّورة؟ ما العوامل التي تقف وراء غصب الشّبّان؟ وما هي الآفاق الماثلة أمام شريحة الشّبّان والشّابّات؟ بع 5 سنوات على الثّورة التونسية - اضطرابات مجدّدًا.

تونس: البطالة تقف وراء الاحتجاجات ولا اقتصاد

خمس سنوات على الثورة: وماذا بعد؟

في 17 كانون الأوّل/ديسمبر عام 2010، أضرم محمد البوعزيزي، المحبط من أوضاعه الاجتماعيّة المتردّية، النّار في جسده الشّابّ. فاشتعل وأشعل معه انتفاضة غضب واحتجاجات على البطالة والمحسوبيّة، في بلده تونس، انتهت بالإطاحة بالرّئيس زين العابدين بن علي، وبداية حلم بتجربة ديمقراطيّة.

خمس سنوات بعد تلك الحادثة المفصليّة في تاريخ تونس والدّوال العربيّة، انتحر شابّ آخر عاطل عن العمل، اسمه رضا اليحياوي بعد شعوره بالإحباط وفقدان الأمل في العثور على وظيفة، مفجِّرًا موجة احتجاجات كبيرة اتّسعت رقعتها بسرعة لتشمل أرجاء البلاد وتهدّد بانتفاضة اجتماعيّة جديدة.

وإذا كانت تونس محلّ إشادة واسعة على أنّها قصّة نجاح لانتفاضات الرّبيع العربيّ بعد انتقال ديمقراطيّ هادئ، فقد أصبحت أيضًا نموذجًا للمخاطر في التّعامل مع المشكلات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والتّهميش والإحباط في صفوف الشّبان اليائسين.

والاضطرابات التي هزّت مدينة القصرين وانتشرت بسرعة إلى أرجاء البلاد تظهر مدى هشاشة انتفاضة 2011، على التّهميش ونقص التّنمية وتفشّي البطالة في المناطق الدّاخليّة.

وفي القصرين، تلك المدينة المهمّشة والفقيرة وسط البلاد، حيث بدأت موجة الاحتجاجات الأخيرة، حاول شبّان يائسون الانتحار بإلقاء أنفسهم من فوق مبنى المحافظة، احتجاجًا على بطالتهم. ونقل اثنان منهم على الأقلّ للمستشفى.

وفي أسوأ احتجاجات منذ 2011 انتشرت الاضطرابات والاحتجاجات وسط، شمال وجنوب البلاد. واقتحم المحتجّون الغاضبون مقرّات المحافظات، وهاجموا وأحرقوا مقرّات للشرطة. وقتل شرطيّ في الاحتجاجات.

ولحقت عدّة أحياء بالعاصمة تونس ببقيّة المناطق المضطربة بعد أعمال عنف واشتباكات بين الشّبان والشّرطة.

وقالت وزارة الدّاخليّة التّونسيّة، اليوم الجمعة، إنّه تقرّر فرض حظر تجوّل من السّاعة الثّامنة ليلاً حتّى الخامسة صباحًا في كامل البلاد بعد التّعدّي على ممتلكات عامّة وخاصّة.

وخلال الاحتجاجات كان الّشبّان يردّدون شعار 'شغل.. حرية.. كرامة.. وطنية' في استحضار لذكريات الثّورة التّونسيّة عام 2011، عندما كانوا يطالبون بحريّات سياسيّة حصلوا عليها، وفرص شغل وتنمية يقولون إنّ الحكومة عجزت عن تحقيقها.

ولا يخفي البعض إلقاء اللوم على لا مبالاة وعدم اكتراث مسؤولين كانوا في نظام بن علي، مثل الرّئيس الباجي قائد السّبسي، الذي عاد للسلطة والحكم بعد الثّورة، التي أجبرت الرّئيس السّابق على الهروب من تونس.

وفي القصرين، قال حمزة الحيزي، وهو شابّ عاطل عن العمل منذ خمس سنوات، بعد حصوله على شهادة جامعيّة 'كنت أعتقد بقوّة أنّ الثّورة قبل سنوات أعادت لنا الأمل في الحصول على عمل بكرامة. ولم أكن أتوقّع يومًا أن نعود بعد خمس سنوات للشارع لنرفع نفس المطالب.'

وأضاف لرويترز 'لكن النّظام السّابق الذي عاد بقوّة للواجهة سرق منا أحلامنا.'

ومنذ انتفاضة 2011 نجحت تونس في تفادي اضطرابات عنيفة هزّت دولاً أخرى في المنطقة وأطاحت بزعمائها في مصر واليمن وسوريا وليبيا.

وأدّت الديّمقراطية النّاشئة في تونس إلى دستور جديد وانتخابات حرّة وتوافق بين وأشيد بها كمثال للانتقال الديمقراطي في المنطقة.

ما بعد الثّورة: واقع دون اقتصاد

لكن التّقدّم الدّيمقراطيّ في تونس لم تتبعه نهضة اقتصاديّة. بل بالعكس ارتفعت الأسعار واستمرّ تهميش المناطق الدّاخليّة وزادت معدّلات البطالة. ويرى التّونسيّون أنّ هذه أبرز الأولويّات التي يجب لفت الانتباه إليها.

والشّعور بالإحباط والاحتقان يتفشّى خصوصًا في الأحياء الفقيرة في تونس، وفي مدن مهمّشة داخل البلاد اندلعت فيها احتجاجات. وحتى شريحة الحاصلين على شهادات جامعيّة، يصعب عليها العثور على وظائف.

وتدفع أحيانا مثل هذه الظّروف شبّانًا من الطّبقة الوسطى والفقيرة في تونس للالتحاق بصفوف جماعات جهاديّة رغم تلقّيهم تعليمًا جيّدًا، وهي تسهّل تجنيدهم للقتال في العراق وسوريا والآن في ليبيا. وتقول الحكومة إنّ أكثر من ثلاثة آلاف تونسيّ التحقوا بساحات القتال في العراق وسوريا.

وارتفع معدّل البطالة في تونس إلى 15.3% في عام 2015 مقارنة مع 12% في 2010، بسبب ضعف النّمو وتراجع الاستثمارات إلى جانب، ارتفاع أعداد خرّيجي الجامعات الذين يشكلون ثلث العاطلين عن العمل في تونس.

وقال عثمان والد رضا اليحياوي، لرويترز بينما كان يحمل صورة ابنه 'رضا فقد الأمل، ولكني أقول للسلطات والجميع إنّ ابني سيكون محمد البوعزيزي الجديد، وانتحاره سيفجّر الاحتجاجات أكثر إذا لم يحصل أبناء القصرين وتونس على فرص شغل بكرامة.'

 وعود.. لكن ماذا بعد؟

إضافة لسيدي بوزيد، كانت القصرين أيضًا، من أولى المدن التي انتفضت ضدّ بن علي في 2011. ومعدّلات البطالة والفقر في القصرين الواقعة قرب الحدود الجزائريّة، هي الأعلى في تونس.

وبعد الثّورة زادت معاناة أهالي القصرين وزاد على هموم البطالة والتهميش خطر المسلّحين الإسلاميّين الذين يحتمون بجبال الشعانبي في القصرين.

وفي استجابة للاحتجاجات الأخيرة، أعلن مكتب رئيس الوزراء، الحبيب الصيد، أنه سيعود للبلاد من زيارة لسويسرا، حيث يحضر اجتماعات المنتدى الاقتصاديّ العالميّ وسيعقد اجتماعًا طارئًا للحكومة.

وقال النّاطق الرّسميّ باسم الحكومة، خالد شوكات، إنّ الحكومة ستسعى لتوظيف أكثر من ستّة آلاف شاب من القصرين وتبدأ في تنفيذ مشروعات. وبعد الإعلان، تدفّق آلاف العاطلين على مقرّ المحافظة في ساعة مبكّرة، أمس الخميس، لتسجيل أسمائهم بسجلّ المرشحّين لوظائف، لكن حدّة التّوتّر ما زالت مرتفعة وما زال الاحتقان شديدًا.

وقال شوكات 'نحن نتفهّم طلبات المحتجّين، وهي شرعيّة، ولكن هناك محاولات للتسلّل داخل صفوف المحتجّين وتشويه تحرّكاتهم، وبالتّالي تشويه صورة النّموذج الدّيمقراطيّ التّونسيّ'.

وتأتي الاضطرابات والاحتجاجات في وقت حسّاس تحاول فيه تونس إنعاش اقتصادها العليل، بعد ركود استمرّ سنوات بسبب تراجع الاستثمارات الأجنبيّة.

وتلقى قطاع السّياحة ضربة قويّة بعد ثلاثة هجمات كبرى لجهاديّين استهدفت فندقًا في منتجع سوسة ومتحف باردو وحافلة للحرس الرّئاسيّ في العاصمة.

ويتّهم المعارضون الحكومة بتجاهل مطالب التّنمية والتّشغيل في المناطق الدّاخليّة. وقال زعيم الجبهة الشّعبيّة المعارضة، حمة الهمامي، إنّه حذّر السّلطات من خطورة تجاهل ملفّ التّنمية.

وقال القياديّ بالحزب الجمهوريّ المعارض، عصام الشّابي، لرويترز 'الوضع متفجّر وشبيه بالقدر الذي يغلي وقد ينفجر في أي وقت. للأسف الوضع يشبه كثيرًا ما حدث في 2011، وقد نجد أنفسنا أمام سيناريو مماثل إذا لم تتحرّك الحكومة بسرعة وتعالج الوضع.'

وأضاف أنّه يتعيّن إجراء حوار وطنيّ واسع لتشكيل برنامج وحكومة إنقاذ تنكبّ على مخطّط واضح يخرج تونس من أزمتها، خصوصًا وأنّ المحتجين باتوا لا يثقون في هذه الحكومة، ويهاجمون رموز الدّولة وفق تعبيره.

وحتّى الآن ليس هناك مؤشّرات واضحة على أنّ الاحتجاجات قد تهدأ فورًا، بعد أن توسّعت رقعتها بشكل واسع في أغلب مناطق البلاد.

وفي القصرين، قال محمد الخليفي، الحاصل على شهادة جامعيّة في تدريس العربيّة منذ سنوات 'الحكومة تقول إنّها لا تملك عصا سحريّة لمعالجة الوضع. وجوابنا هو لا نريد سحرًا بل نريد فقط حقّنا في العمل بكرامة.'

التعليقات