تونس: ما الدافع الحقيقي الاستمرار حالة الطوارئ؟

التهديدت الإرهابية" ليست على ما يبدو السبب الوحيد للإبقاء على حالة الطوارئ في تونس، بل "تنامي الاحتقان الاجتماعي الناجم عن ارتفاع معدلات البطالة"

تونس: ما الدافع الحقيقي الاستمرار حالة الطوارئ؟

التهديدت الإرهابية' ليست على ما يبدو السبب الوحيد للإبقاء على حالة الطوارئ، بل 'تنامي الاحتقان الاجتماعي الناجم عن ارتفاع معدلات البطالة، وتدهور وضعية الطبقة المتوسطة وتردي ظروف المعيشية، والهشاشة السياسية'


مع مرور عام على فرض حالة الطوارئ في تونس إثر مقتل 12 شرطيا في هجوم انتحاري على حافلة للأمن الرئاسي وسط العاصمة يوم 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، تشهد البلاد 'استقرارا' أمنيا رغم وجود تهديدات، وسط تساؤلات عن جدوى استمرار العمل بهذا الإجراء الاستثنائي.

ويوم الهجوم الذي تبناه تنظيم 'الدولة الإسلامية' (داعش)، فرضت رئاسة الجمهورية حالة الطوارئ مدة شهر، ثم مددتها مرات عدة.

وجاء الاعتداء إثر هجومين سابقين في 2015 على متحف في العاصمة وفندق في سوسة، أسفرا عن مقتل شرطي و59 سائحا أجنبيا، وتبناهما التنظيم نفسه.

وآخر مرة، مددت رئاسة الجمهورية الطوارئ ثلاثة أشهر إضافية اعتبارا من 19 تشرين الأول/أكتوبر 2016.

ومطلع الشهر الحالي، قال رئيس الحكومة يوسف الشاهد لفرانس برس إن 'الوضع الأمني في تونس مستقر' وأن بلاده 'ليست مهددة (بالإرهاب) أكثر من دول أخرى في العالم'.

وأكد الشاهد أن تونس 'مستعدة' للتعامل مع التهديدات منوّها بـ'النجاح الكبير' لقوات الأمن والجيش في 'محاربة الإرهاب'.

ولم تشهد تونس هجمات جهادية كبرى منذ 7 آذار/ مارس 2016 في بنقردان الحدودية مع ليبيا، كما عاشت البلاد هذا العام أول رمضان دون هجمات إرهابية منذ 2012.

'تهديدات إرهابية في الداخل والخارج'

و'استمرار العمل بحالة الطوارئ (في تونس) يمليه بالأساس تواصل التهديدات الإرهابية في الداخل والخارج'، وفق ما أفاد فرانس برس مسؤول أمني طلب ألا يُنشر اسمه.

وقال المصدر إن 'المجموعات الإرهابية مازالت تتحرك في جبال الولايات الغربية (الحدودية مع الجزائر) وتنفذ عمليات من حين لآخر، على الرغم من تضييق الخناق عليها والقضاء على عدد من قياداتها'.

ومطلع الشهر الحالي، قتل إرهابيون عسكريا بمنزله في جبل مغيلة في هجوم تبناه تنظيم 'داعش'.

وأضاف المسؤول الأمني 'لا يكاد يمر أسبوع (منذ فرض حالة الطوارئ في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)، دون أن يفكك الأمن خلايا إرهابية أو يجهض مخططات ارهابية أو يحجز أسلحة وذخيرة'.

وذكر بأن قوات الأمن عثرت منتصف الشهر الحالي على 27 رشاش كلاشنيكوف و24 صاروخا من نوع 'سام 7' في مخبأ أسلحة في مدينة بنقردان الحدودية مع ليبيا.

وتعبر تونس باستمرار عن قلقها من تدهور الأوضاع في ليبيا التي ترتبط معها بحدود برية مشتركة طولها نحو 500 كلم.

ويرى الأستاذ الجامعي والباحث في الشأن الليبي، رافع الطبيب، أنه 'يتعين الإبقاء على حالة الطوارئ في تونس بسبب الفوضى في ليبيا'.

وقال لفرانس برس إن حالة الطوارئ 'سهلت عمل قوات الأمن في مكافحة الارهاب، إذ اصبح بإمكانها مداهمة أماكن مشبوهة وتوقيف مشتبه بهم من دون وجوب الحصول على أذون قضائية، وقد مكّن ذلك من كشف مخابئ كبيرة للأسلحة وتفكيك جماعات إرهابية خطيرة في الفترة الأخيرة'.

ويعطي قانون الطوارئ وزارة الداخلية صلاحية فرض حظر تجول الأفراد والمركبات ومنع الإضرابات العمالية، وفرض الإقامة الجبرية وحظر الاجتماعات، وتفتيش المحلات ليلا ونهارا ومراقبة الصحافة والمنشورات والبث الإذاعي والعروض السينمائية والمسرحية، من دون وجوب الحصول على إذن مسبق من القضاء.

'احتقان اجتماعي' و'هشاشة سياسية'

لكن 'التهديدت الإرهابية' ليست على ما يبدو السبب الوحيد للإبقاء على حالة الطوارئ. ويرجح المحلل السياسي طارق بالحاج أن يكون 'تنامي الاحتقان الاجتماعي (..) الناجم عن ارتفاع معدلات البطالة، وتدهور وضعية الطبقة المتوسطة وتردي ظروف المعيشية، والهشاشة السياسية' وراء استمرار العمل بحالة الطوارئ.

وقال لفرانس برس إن 'المقصود بالهشاشة السياسية حالة التشظي والانشقاقات التي يعيشها حزب نداء تونس الحاكم وعدم قدرته على التأثير في الواقع، واحتمال انفراط الائتلاف الحكومي الحالي القائم على ’توافق’ بين أحزاب علمانية وحركة النهضة الإسلامية'.

من ناحيته، أقر المسؤول الأمني بوجود 'خشية (لدى السلطات) من تأجج احتجاجات اجتماعية جديدة مثلما حصل في كانون الثاني/يناير 2016' عندما شهدت البلاد أكبر موجة احتجاجات اجتماعية منذ 2011.

وقال 'في صورة حصول مثل هذه الاحتجاجات، لن يكون أمام السلطات غير تفعيل حظر التجول الذي يتيحه قانون الطوارئ حتى لا تخرج الامور عن السيطرة وحتى لا يستغل الارهابيون الوضع'.

مس من الحرية

وينتقد حقوقيون التمديد المستمر في حالة الطوارئ. وقال الكاتب العام لـ'الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان' المستقلة، مسعود الرمضاني، لفرانس برس إن قانون الطوارئ 'حدّ من حرية أشخاص كثيرين وضعتهم أجهزة الأمن تحت المراقبة الادارية لمجرد الشبهة'.

وأوضح أن هؤلاء 'مطالبون بالحضور لدى مصالح الأمن متى طلبت منهم ذلك، وفي أي وقت من اليوم'.

واعتبر الرمضاني أن 'حالة الطوارئ لن تقضي على ظاهرة الإرهاب لأن حلولها تكمن في معالجة الاشكاليات الاقتصادية والاجتماعية و(تطوير) التعليم والثقافة'.

ويوم الثلاثاء الماضي، أعلن وزير الداخلية، الهادي المجدوب، أمام البرلمان أنه تم في 2016 وفي في إطار إجراءات 'مقترنة بإعلان حالة الطوارئ وخوض الدولة الحرب على الإرهاب' منع 3970 شابا تونسيا من السفر إلى الخارج للاشتباه في احتمال التحاقهم بتنظيمات إرهابية في سورية وليبيا والعراق، مقابل 5  آلاف في 2015.

وانتقدت منظمة 'هيومن رايتس ووتش'، الشهر الماضي، فرض وزارة الداخلية الإقامة الجبرية على 139 شخصا 'على الأقل'، مشيرة إلى أن هذا الإجراء 'انعكس بصورة سلبية على حياة العديد منهم وجعلهم عاجزين عن متابعة الدراسة والعمل'.

اقرأ/ي أيضًا | تونس: تمديد حالة الطوارئ شهرًا إضافيًا

ولفتت المنظمة الحقوقية إلى أن تونس لم تقم 'باتخاذ كل الإجراءات لضمان معيشة هؤلاء الأشخاص وعائلاتهم' مثلما ينص على ذلك قانون الطوارئ نفسه.

التعليقات