اشجار المكابدات في غابة الصبر-في ذكرى يوم الأسير الفلسطيني-/ سليمان النزال

اشجار المكابدات في غابة الصبر-في ذكرى يوم الأسير الفلسطيني-/ سليمان النزال
غابة المكابدات و الآلام الفلسطينية و العراقية و العربية واسعة جداً, و تبدو فيها الأحزان مثل خطين مستقيمين متوازيين, لا يلتقيان إلاّ في لحظة عناق الأمل المكابر على دروب الحرية. بوصلة المعاناة تتحرك, تنتقل من فلسطين إلى العراق و من العراق الجريح إلى فلسطين الأسيرة. كأن يد الجبروت المتعالي المنتشي بقوة الظلم هي من تمسك بهذا البوصلة الكونية المرعبة..فليتها لا تشير إلى جهات عربية عزيزة..جديدة..بما يخدم المجرم شارون و مخططاته الدموية و إستغاله للنزيف العراقي لتوجيه التهديدات و فبركة الإختلاقات و الأكاذيب المعادية, عبر بوابة البيت الأبيض, ضد سوريا و مواقفها المبدئية. و تتعدد أشكال و صيغ العذابات العربية و الفلسطينية..و اليوم الموافق 17/4 تصادف ذكرى غالية و جليلة.. ذكرى الأسير الفلسطيني الرازح في معتقلات حكومة إسرائيل المجرمة العنصرية..و علينا في وقت يعزّ فيه الرجال الأوفياء..أن نتذكر رجالنا و أبطالنا البواسل ,الصادقين والمؤمنين بأن يوم حريتهم و طرد الإحتلال الصهيوني من أرضهم المحتلة أصبح وشيكا.

علنا أن نتذكر كل أسرانا الشجعان..مواقفهم البطولية..صلابتهم مع عذاباتهم اليومية. ما يلاقونه على يد الجلاد السادي الصهيوني, في كل ساعة. نتذكرهم جميعا صقرا صقرا, نفخر بهم, نعتز بتضحياتهم. نتذكر إختيارهم للطريق الصعب..و نفورهم و رفضهم للطرق التي تلتف على المبادىء و الثوابت الفلسطينية بهدف القضاء على الإنتفاضة الباسلة و التفريط بأهدافها السيادية..و التخلي عن حق العودة –كما يريد المجرم شارون ليوافق على خريطة الطريق الملغومة -كما يتمسك به كل فلسطيني عنيد و شريف. نتذكر أسرانا..من قادة و كوادر و مقاتلين و سياسيين و نشطاء و مدنيين عاديين. و لا يذهب إلى زنازين القهر و القمع و التعذيب إلا الأبطال الأبطال و لا يتعرض للسجن وكل الممارسات اللاإنسانية التي تخالف كل المواثيق و المعاهدات الدولية وإتفاقية جنيف لمعاملة الأسرى غير المناضلين الذين يضحون بحريتهم من أجل إنتزاع حرية شعبهم.

أسرانا هم يكابدون نيابة عن ملايين العرب..ذهبت إراداتهم السنديانية إلى أقصى الجموح الإنتفاضي النبيل,ذهب إختيارهم السامي إلى المواقف الجريئة على أرضية الحفاظ بكرامتهم, بعزة شعبهم..لم يهللوا للجبناء..لم ينضموا إلى صفوف المرتشين و السارقين من أدعياء النضال الفاخر! و منظري اولويات العيش الرغيد , على حساب الشعب المحروم من ماله -في حضن الإستغلال و التشكيلات المذلة الجديدة ..

أسرانا في القلب, و شمس العزة و السيادة على مرأى من أفئدتهم. و ليست تضم معتقلات الإحتلال الإرهابي الإسرائيلي غير أصحاب الجباه العالية..الذين يتمسكون بجذور إنتمائهم بأكف لا ترتعش و لا تهتز خوفاً من زمن الإمبريالية الزاخر بكل مواصفات الحقد الليكودي الشرس البربري الأرعن.

أسرانا البواسل مثل شهدائنا الأبرار , مثل جرحانا. لا ننساهم, هم براهين و منارات شموخنا الفلسطيني العربي,هم أدلة البهاء الدائم على بطولة شعب حي لا يموت..و هم العنفوان الفدائي الذي لا يلين رغم كل المجازر و الجرائم الشارونية..و نظل نتذكرهم فارسا فارسا.. ونذكر سير هم الحافلة بسجلات العطاء العظيم..و نحن في زمن يختال فيه الشر و الأشرار في شوارع تاريخنا العربي و الإسلامي و الإنساني..يرتكبون مجزرتين متتاليتين في الموصل و أخرى لا نعلمهما بسبب التعتيم الإعلامي في كل العراق..فيا لعذابات نينوى, وما أبشع مقصلة"التحرير" و ما أعظم "الديمقراطية التي يأتي بها عل طبق من نفط اللصوص..لصوص الأثار..و الثروات..

المنافقون المتعصبون من حماة إسرائيل التي هي فوق كل القوانين, فوق كل قرارات الأمم المتحدة التي تطالبها بالإنسحاب و عودة اللاجئين إلى ديارهم المغتصبة..و لا يحاسبها أحد على الترسانة المخيفة التي تمتلكها من أسلحة دمار شامل..و لا تفرض عليها عقوبات و حصار و لا يلزمها " قطب التحرير" أن تفتح منشئاتها النووية أمام التفتيش..تحيز امريكي أعمى لإسرائيل المعتدية, إزدواجية إستفزازية للمعايير-لماذا لا يحبنا المسلمون و العرب؟!-

إسرائيل العنصرية هي التي تهدد سوريا و لبنان بإسلحة الدمار الشامل و تهدد كل جيرانها , تهدد كل من لا يخضع لمخططاتها في العدوا ن و التوسع و تصفية القضية الفلسطينية عبر سلسلة مستمرة من المجازر ضد الشعب الفلسطيني..
في زمن ذئبي تتداخل فيه كثيرا أوراق العدو المعروف بالصديق المفترض..تتزاحم الأحداث..و يأسرنا التداعي..لكننا لا ننسى أسرانا في ذكرى يوم الأسير الفلسطيني. هم في القلب دائما , يتربعون في أقوى و أرحب أمكنة من ذاكرتنا الجمعية الفلسطينية.

أسرى لنا في سجون المحتل الغاشم, أسرى أبطال..يعدون بالآلاف من أمثال القائد الكبير تيسير خالد و القادة الأبطال مروان البرغوثي, ملوح, أبو حجلة, حسام خضر, راكاد سالم, الشيخ حسن يوسف..و مصطفى بدارنة, وناصر عويس..و القائد أحمد سعادات الذي يرزح في سجن بأريحا تحت حراسة أمريكية...و ليس آخرهم أبو العباس الي تم إعتقاله مؤخرا في بغداد..كم يتشابه المحتلين؟

ليت المجال يتسع لذكر جميع أسرانا البواسل أسما إسما, نجما نجما.. و نختتم مع درويش الكبير في قصيدة له قديمة بعنوان "كبرَ الأسير":

يا حبي الباقي على لحمي هلالاً في إطار
أترى إلى كل الجبال, و كل بيارات أهلي
كيف صارت كلها صارت أسيرة
و أنا كبرتُ , كبرت يا حبي القديم مع الجدار
كبرَ الأسير, و أنت توقد
في ليالي التيه أغنية و نار..

و من "رد الفعل" أيضا:

و طني! يعلمني حديد سلاسلي
عنف النسور و رقة المتفائلِ
ما كنت أعرف أن تحت جلودنا
ميلاد عاصفة و عرس جداولِ
كتبوا على الجدران رقم بطاقتي
فنما على الجدران مرج سنابلِ..

الحرية لأسرانا, الذين هم دائما في القلب و في الذاكرة, لا بد تتحطم جدران الإحتلال و معتقلاته و أساطيره..و ستذهب إلى الزوال كل أيام و ساعات القتلة و الغزاة.
أشجار المكابدات في غابة الصبر و الصلابة ستحمل يوماً, على أغصان التطلعات و الأهداف الوطنية فاكهة حرية و عودة و إستقلال.

التعليقات