"الفتح النظيف": خطة استراتيجية أمريكية تجاه المنطقة العربية

-


' اغتيال الحريري موجهه ضد لبنان وسوريا، ويأتي في إطار الخطة التي تهدف إلى إعادة تحديد خريطة الشرق الأوسط'، هكذا صرح رئيس الوزراء اللبناني الأسبق 'سليم الحص'، وفقا لصحيفة لوريون لو جور اللبنانية الناطقة بالفرنسية.

وقد صرح الحص بهذا- مستندا إلى دراسة أعداها نائب الرئيس الأمريكي 'ديك تشيني' عام 1996 وهي بعنوان 'الفتح النظيف' - وقال: إن ' هذه الخطة تهدف إلى تفتيت الشرق الأوسط، ابتداء من العراق مرورا بسوريا ولبنان ومن هنا تأتي ضرورة حماية اللبنانيين أنفسهم من خطر التفتيت من خلال التمسك بوحدتهم'.

وأخذت إحدى المواقع الفرنسية الشهيرة - 'صوت المظلومين' - في تفسير تلك الخطة قائلة : 'حتى نتمكن من فهم معطيات ونتائج مقتل رفيق الحريري الذي أدى إلى حدوث تغييرات متلاحقة في نظام الحكم وتجزأت منطقة جنوب غرب آسيا – دون معرفة منفذي العملية، فمن الضروري دراسة وثيقة سياسية تم إعدادها عام 1996 تحت إشراف نائب الرئيس الأمريكي الحالي 'ديك تشيني' وفريق العمل المكونة من 'ريتشارد بيرل' و'دوج فيث' و'ديفيد ورمسر' وآخرين.

وتحمل الوثيقة عنوان ' تغيير جذري: استراتيجية جديدة لتأمين المنطقة'. وتشير الوثيقة إلى سيناريو يتبنى تمزيق اتفاقيات أوسلو [عام 1993] بين الصهاينة والفلسطينيين ثم احتمال استهداف العراق وسوريا ولبنان عسكريا أو من خلال عمليات لزعزة استقرار المنطقة.

'وتؤكد الوثيقة صراحة على أنه، يجب على 'إسرائيل' تشتيت انتباه سوريا من خلال المعارضة اللبنانية لزعزة السيطرة السورية على لبنان وتحدي حزب الله وسوريا وإيران اللذين يمثلان خطرا على لبنان – وفقا للوثيقة، فإذا تبين أن ذلك غير كافي، فسوف يأتي بالتالي ' الهجوم ضد بعض الأهداف على الأراضي السورية'.

'ومن المقرر، أن تسفر هذه الوثيقة عن شرق أوسط جديد مكون من دول مجزئة من خلال سلطات كعرائس الماريونات من ناحية، ومن ناحية آخرى تصبح 'إسرائيل' القوة الإقليمية المهيمنة'.

'وتعد المؤسسة الرئيسة التي تؤيد هذا التغيير الجذري، هي 'اللجنة الأمريكية من أجل لبنان حر' والتي وجهت الانتقاد لرفيق الحريري منذ عدة أعوام، والتي وصفت الحريري في قائمتها بأنه 'أحد العملاء السوريين في لبنان' – وفقا لما هو منشور في وقعها على الإنترنت.'

وقد قال الموقع ' يبدو أن الوقت قد حان لاتخاذ الجزء الثاني من الخطة الكبيرة التي تم الإعداد لها في المفكرة المعروفة بـ'التغيير الجذري'.

وفي حين أن بعض المحللين، توقعوا ،أن إيران قد تكون هي الهدف الأول، فإن سوريا هي التي توجد على الساحة، حيث أن إيران تحظى بدعم دولي ولاسيما من أوروبا وروسيا، كما تحظى بعلاقات مصلحة مع الكيان الصهيوني لا يمكنه تغافلها الأمر الذي ينبىء باستبعاد المواجهات العسكرية مع إيران.

وعقب مقتل الحريري مباشرة اندفعت الاتهامات صوب سوريا وكان الطريق ممهدا من خلال الإعداد لقرار 1559 الخاص بالأمم المتحدة الذي قدمته فرنسا والولايات المتحدة، وبعد التصديق عليه في سبتمبر الماضي، طالب القرار بانسحاب سوريا من لبنان ونزع أسلحة حزب الله.'

'وقد صرح 'دوج فيث' - أحد مٌعدي الخطة - أمام مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك : ' إن سوريا تأتي بكثير من الأفعال التي تسبب مشاكل عديدة [...] قد يصبح السوريون في موقف جيد في حالة إذا قاموا بتغيير سياستهم وأوقفوا تهديدهم للسلام والاستقرار، إن دمشق هي إحدى الأطراف الأساسية – فيما أطلق عليه – 'الإرهاب' في العالم وتساند إشعال الفتنة في العراق، ويواصل السوريون نفي حقوق سيادة لبنان واستقلاله'، على حد وصفه.

وأشار الموقع الفرنسي، إلى أن الخطر الذي يداهم المنطقة هو قيام حرب أهلية في لبنان قد تؤدي إلى تفيت البلاد التي تشهد كيانات مختلفة عرقيا ودينيا.

وقد تناول بعض الكتاب الغربيين في الآونة الأخيرة القضية السورية اللبنانية في كثير من مقالاتهم، التي قد تعكس بشكل أو بأخر ما قد تم الإعداد له منذ عام 1996 واستبعادهم تورط سوريا في الحادث.

فقال الكاتب البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط 'باتريك سيل' في مقال له بعنوان 'كيف يمكن الخروج من المأزق اللبناني؟' نُشر في مجلة 'لوجون انتليجون' الفرنسية: ' إن سوريا بين شقى رحى الولايات المتحدة وإسرائيل... وليس لديها أي مصلحة في زعزة استقرار لبنان أو أن تعرض نفسها لانتقام شرس، وقد يرتكب الكثير من أعدائها بدأ من 'إسرائيل'، هذه الجريمة بدقة كي تلقى المسؤولية عليها، بحيث تثير الضغوط الدولية لإنقلاب قادتها، وسواء كانت شريكة أم لا، فإن سوريا تتحمل اليوم النتائج الوخيمة وينبغي عليها أن تتصرف بأقصى سرعة لتفادي ما هو أسوء.

كما أشار الكاتب البريطاني، إلى اختلاف دوافع فرنسا عن أمريكا حيث أن ما يحرك واشنطن هو القتال الذي تشنه في العراق، أما فرنسا فهي قلقة لحماية موقفها في لبنان التي تقع تحت تأثيرها منذ عقود، كما أن باريس لا ترغب – بخلاف واشنطن – في رحيل الأسد، ولكنها تريد إصلاح في النظام الحكومي فقط'.

وقد وجهت إحدى الأحزاب الفرنسية، انتقادا إزاء السياسية الأمريكية وهو ما نقلته صحيفة 'لوريون لوجور'، عن الحزب الشيوعي الفرنسي الذي أعرب عن 'قلقة الشديد' إزاء ' الضغوط الإدارة الأمريكية التهديدية' في الشرق الأوسط.

وحذر الحزب الفرنسي - في بيان له أمام وسائل الإعلام - قائلا' إن فشل واشنطن المخزي في العراق يجب أن يكون عبرة لمن يدعم الأفكار الخطيرة التي ترى أن نتيجة سياسة القوة قد يسفر عن استقلال لبنان وسيادته، بل أنها ذريعة للتدخل ضد سوريا هذه المرة'.

وفي المقابل، ذكر الحزب بأن ' اللبنانيين هما الذين يجب أن يقرروا بأنفسهم مستقبلهم'، ودعا الحزب الفرنسي بلاده إلى توخي الحذر وعدم ' مساندة الرغبات الأمريكية المهيمنة في المنطقة'.

وعلى الصعيد ذاته، قال الأمين العام لجمعية 'الصداقة الفرنسية العراقية' وفقا لما ذكرته صحيفة 'جيوستراتيجي' الفرنسية، في إحدى مقالته: 'حتى نكون أمناء مع أنفسنا إن السياسيين والصحافيين الذين يتهمون سوريا بأنها وراء مقتل رفيق الحريري يطرحون على أنفسهم السؤال التي يطرأ مباشرا على أذهاننا في بداية التحقيق: ' من المستفيد من هذه الجريمة؟'

واعترف في مقاله: ' نعلم اليوم أن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا تحرصان على ألا يقوم رفيق الحريري بحملة انتخابية في الانتخابات التشريعية المقبلة في لبنان، حيث أنه أعاق تنفيذ مشاريعهم في المنطقة.

وأكد الكاتب على أنه، إذا كانت توجد دولة ليس لديها مصلحة في مقتل رفيق الحريري فإنها سوريا، وليس لديها أيضا القدرة، حيث أن الحريري كان يتنقل بعربة مزودة بجهاز رادار يعمل على تشويش على الأجهزة التي تقوم بإشعال المتفجرات من على بعد، لذلك إن منفذي العملية لا بد وأن يمتلكون أجهزة للتشويش عالية التطور، والأكثر من ذلك هو أنه عندما غادر المكان، كانت ثلاثة عربات مصفحة قد غادرت في اتجاهات مختلفة، كيف تأكد منفذ العملية من وجوده بإحدهم إلا من خلال نظام مراقبة جوي عالي الارتفاع؟

وأشار الكاتب إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل هما فقط اللتين قد يمكنهما تحريك مثل تلك الأجهزة.

وقال المحلل البريطاني 'باتريك سيل'، في مقال آخر له في صحيفة الجولف نيوز، 'إن سوريا هي الهدف حاليا من حملة التخويف والحرب النفسية من قبل الولايات المتحدة و'إسرائيل'، التي تبدو في المرحلة الأولى نحو التحرك الأمريكي المستقبلي نحو دمشق.

ويبدو أن معارضة 'ماريا خوسية أثنار' و'توني بلير' قد أخروا هذه الهجمة في حين أن واشنطن ولندن قد حذرا سوريا من أنه ينبغي عليها أن تتماشى وفقا ' لحقائق جديدة' في المنطقة. وحتى تأكد والولايات المتحدة على هذا التحذير، قامت بقصف مركز تجاري في بغداد وقطع خط أنابيب البترول الذي يربط العراق بسوريا.

وأضاف الكاتب البريطاني: 'إن هذه الحملة كانت ناجمة عن مخاوف واشنطن التي تتعلق بمستقبل وجودها في العراق، وبالفعل، فإن الولايات المتحدة تخشى الاصطدام بمقاومة مثل تلك التي شهدتها 'إسرائيل' في لبنان، وهذا ما قد يؤدي إلى تجزئة مشروعاتها الامبرالية وتفتيت المساندة الشعبية بداخل البلاد، وحتى تتمكن المقاومة العراقية من التنظيم، فهي بحاجة إلى مساعدة خارجية، قد تكون من سوريا[ على حد قولهم]، لذلك يجب أن تفهم سوريا أن التهديدات بمثابة تحذير لها لعدم الاختلاط بالأزمة العراقية.

ويرغب المحافظون الجدد والصهاينة في إدارة بوش، بعد استيلائهم على العراق، يرغبون في بناء دولة ضعيفة تغذي مصالح شركات الولايات المتحدة ولا تتعارض مع خطط واشنطن وتل أبيب، هذا فضلا عن استفادة 'أرييل شارون' من حروب الولايات المتحدة لتحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة تكون 'إسرائيل' هي المحتكرة لأسلحة الدمار الشامل، لذلك هو يدفع الولايات المتحدة لمهاجمة سوريا وإيران.

وتأمل 'إسرائيل' في أن يمنع ذلك الجماعات الفلسطينية المقاومة من تقديم دعمهم، بل ووضع لبنان في الحصن 'الإسرائيلي'، وهذا ما سوف يؤدي إلى إنشاء دولة فلسطين في وضع تابع 'لإسرائيل'، وهو ما يعني بناء إمبراطورية 'إسرائيلية' صغيرة بحماية الإمبراطورية الأمريكية الكبيرة'.

)ترجمه من الفرنسية وأعده : سارة عبد الحميد)

التعليقات