أوباما يحدد إستراتجيته للأمن القومي: الإقتصاد والدبلوماسية متعددة الاطراف ...

-

أوباما يحدد إستراتجيته للأمن القومي: الإقتصاد والدبلوماسية متعددة الاطراف ...
كشفت الادارة الامريكية اليوم الخميس عن وثيقة جديدة للحفاظ على الامن القومي تبرز ضرورة اقران التواصل الدبلوماسي والقواعد الاقتصادية بالقوة العسكرية لتعزيز وضع الولايات المتحدة في العالم. وتقترح الاستراتيجية الجديدة استخدام القوة العسكرية لكن معها الدبلوماسية والدعائم الاقتصادية والمساعدة على التنمية والتعليم.

وقد وضعت بعد مناقشات مكثفة استمرت 16 شهرا منذ تولي اوباما الحكم وحصلت وكالة فرانس برس على نسخة منها. وقالت الوثيقة "سنسعى على الدوام الى نزع الشرعية عن الاعمال الارهابية وعزل كل من يمارسونها". واضافت: "لكن هذه ليست حربا عالمية على تكتيك هو الارهاب او ديانة هي الاسلام"، متخلية عن مفهوم "الحرب على الارهاب" الذي كررته ادارة جورج بوش. واكدت مقدمة الوثيقة "لكي ننتصر يجب ان ننظر الى العالم كما هو".

وفي انفصال رسمي عن سياسة العزف المنفرد التي كانت متبعة في عهد الرئيس السابق جورج بوش تدعو استراتيجية الرئيس الحالي باراك أوباما لتوسيع الشراكات بحيث لا تقتصر على حلفاء الولايات المتحدة التقليديين بهدف دفع قوى صاعدة مثل الصين والهند للمشاركة في تحمل الاعباء الدولية وذلك وفقا لمقتطفات من الوثيقة حصلت عليها رويترز.

وفي مواجهة اقتصاد يكافح من أجل الصمود ومع بلوغ العجز مستوى قياسي أقرت الادارة الامريكية أيضا بضرورة أن تتعامل الولايات المتحدة مع مهام تعزيز النمو الاقتصادي واعادة تنظيم أوضاعها المالية على أنها أولوية أمن قومي قصوى.

وجاء في البيان الذي تطرق لموضوعات عدة "في قلب مجهوداتنا يكمن التزام بتجديد اقتصادنا الذي يمثل ينبوع القوة الامريكية".

وتخلى اول اعلان رسمي لاوباما عن اهداف الامن القومي وتنشر نسخته الكاملة في وقت لاحق اليوم الخميس بوضوح عن سياسة الحرب الوقائية التي انتهجها سلفه بوش والتي ادت الى تنفير بعض حلفاء الولايات المتحدة.

وأضافت الوثيقة التى تطرح رؤية للحفاظ على أمن الولايات المتحدة بينما تخوض البلاد حربا في العراق وافغانستان اطارا رسميا على اعتزام اوباما التأكيد على اعطاء الاولوية للدبلوماسية متعددة الاطراف لا الى القوة العسكرية في محاولته لاعادة ترتيب النظام العالمي.

وأكدت الادارة عزم اوباما على محاولة التواصل مع "الدول العدائية" في اشارة مستترة لايران وكوريا الشمالية المعاندتين نوويا- لكنها هددت بعزلهما اذا استمرتا في تحدي الاعراف الدولية.

ووثيقة استراتيجية الامن القومي المطلوبة من كل رئيس أمريكي بمقتضى القانون عادة ما تكون بمثابة تأكيد للاوضاع الامريكية القائمة لكنها تمثل أهمية خاصة نظرا لتأثيرها المحتمل على الموازنات والتشريعات وتجري متابعة صياغتها بدقة على مستوى العالم.

وانتهج اوباما الذي تولى منصبه في ظل أسوأ ازمة مالية منذ ثلاثينيات القرن العشرين موقفا اكثر وضوحا من مواقف سابقيه في الربط بين حالة الاقتصاد الامريكي في الداخل وموقف الولايات المتحدة في الخارج.

وجاء في الوثيقة "لابد علينا تجديد الاساس الذي تقوم عليه قوة امريكا" مؤكدة أن تحقيق نمو اقتصادي متواصل يتوقف على وضع البلاد على "مسار مستدام ماليا" وحثت كذلك على تقليل الاعتماد على موارد النفط الاجنبية. ولم تذكر الوثيقة شيئا عما صار توافقا في الاراء في دوائر السياسة الخارجية بأن المديونية الامريكية الثقلية لدول مثل الصين تمثل مشكلة امن قومي.

واستغل بوش بيان سياسته الاول عام 2002 لتأكيد الحق في اتخاذ اجراء عسكري وقائي منفرد ضد دول وجماعات ارهابية اعتبرها تمثل تهديدا للولايات المتحدة في اعقاب هجمات 11 سبتمر ايلول 2001 .

ونأت خطة اوباما بادارته ضمنيا عما اصبح يعرف بمذهب بوش والذي ايد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق.

وبينما أعادت الاستراتيجية المعلنة اليوم التأكيد على تعهدات الرؤساء السابقين بالحفاظ على التفوق العسكري التقليدي للولايات المتحدة صدقت رسميا على ابتعاد اوباما عما وصفه منتقدو بوش "بدبلوماسية رعاة البقر."

وجاء في الوثيقة "نحن بحاجة الى ان تكون لدينا رؤية واضحة عن نقاط القوة ونقاط الضعف في المؤسسات الدولية" لكنها اكدت على ان الولايات المتحدة ليس أمامها خيار "الابتعاد."

وتابعت "بدلا من ذلك لابد وان يركز التعامل الامريكي على تقوية المؤسسات الدولية وبلورة العمل الجماعي الذي يخدم المصالح المشتركة مثل محاربة التطرف المتصل بالعنف ووقف انتشار الاسلحة النووية وتأمين المواد النووية وتحقيق نمو اقتصادي متوازن ومستدام وايجاد حلول تعاونية لخطر التغير المناخي."

كما أن تأكيد اوباما على أنه ليس بمقدور الولايات المتحدة ان تعمل بمفردها في العالم يمثل رسالة للقوى القائمة والصاعدة بأنه يتعين عليهم أن يتحملوا نصيبهم من المسؤولية.

ولاقى تحسين اوباما للهجة السياسة الخارجية الامريكية استحسانا واسعا وهو الانجاز الذي ظهر جليا عندما فاز بجائزة نوبل للسلام لعام 2009 لكنه لايزال يواجه حربين مستمرتين وخلافات نووية مع ايران وكوريا الشمالية وجهود سلام بطيئة بالشرق الاوسط.

ويقول منتقدون ان بعضا من جهود اوباما للتواصل الدبلوماسي تعكس ضعف الولايات المتحدة ويتساءلون عما اذا كان يدمر المصالح الامريكية بالاعتماد الزائد عن الحد على "القوة الناعمة."

وأكدت استرايجية اوباما مجددا هدفه "بوقف وتفكيك وهزيمة " تنظيم القاعدة لكنها تشبثت بأنه خلال تلك العملية لابد وان تصون الولايات المتحدة حقوق الانسان وتعززها. كما رفضت اللجوء الى التعذيب كأداة لتحقيق أمن الولايات المتحدة.

كما جاء القضاء على تهديد الارهاب "النابع من الداخل" على رأس الاولويات. ويأتي ذلك في اعقاب محاولة التفجير الفاشلة لطائرة امريكية يوم عيد الميلاد وأيضا محاولة تفجير فاشلة لسيارة مفخخة في ساحة تايمز سكوير اوائل الشهر الجاري.
ومن المحاور الاخرى للاستراتيجية الجديدة مكافحة الازمات الاقتصادية وارتفاع حرارة الارض التي يمكن ان تهدد آثارها امن الولايات المتحدة. وتشير الوثيقة الى عالم يواجه تهديدات متغيرة وتحاول اعادة تعريف ما ستكون عليه السياسة الخارجية الاميركية في العراق وافغانستان وازمة اقتصادية عالمية.
وهي تقضي باجراء تقييم متقدم للمصالح الاميركية في الخارج واستخدام القوة مشيرة الى عدد كبير من التهديدات التي تبدأ من الحرب الالكترونية الى الاوبئة مرورا بغياب المساواة.
ولتحقيق هذه الاهداف، تدعو الوثيقة الى مقاربة حازمة و"بدون اوهام" في العلاقات مع اعداء الولايات المتحدة مثل ايران وكوريا الشمالية. وهي تدعو هذين البلدين الى القيام "بخيار واضح" بين القبول بالعروض الاميركية للتعاون او مواجهة عزلة كبيرة بسبب برنامجيهما النووين.

وقالت الوثيقة ان على "الدولتين ان تتخذا خيارا واضحا"، مع دعوة كوريا الشمالية الى التخلص من اسلحتها النووية وطهران الى الايفاء بالتزاماتها الدولية بشأن برنامجها النووي.

واضافت "في حال تجاهلتا واجباتهما الدولية، سنلجأ الى طرق عديدة لزيادة عزلتهما وحملهما على الامتثال للاعراف الدولية المتعلقة بمنع الانتشار النووي".

وتبقي الوثيقة على امكانية شن عمليات عسكرية احادية الجانب من قبل الولايات المتحدة لكن بشروط اكثر صرامة من تلك التي تنص عليها سياسة جورج بوش.

التعليقات