فضيحة حكومية نرويجية : مشاركة سرية في الحرب على العراق

-

فضيحة حكومية نرويجية : مشاركة سرية في الحرب على العراق
بعد ان كشف النقاب عن قيام السلطات النرويجية قبل اجتياح العراق بأيام معدودة، بتزويد القوات الأمريكية بعتاد عسكري متطور، تم ارساله مباشرة من اوسلو الى القاعدة العسكرية الأمريكية في الكويـت بواسطة طائرات هيركوليس العسكرية. تتعرض حكومة القس بوندفيك التحالفية المؤلفة من أحزاب يمين الوسط الى ضغط وحرج شديدين.

و كشفت وثائق سرية ان حكومة بوندفيك قامت بتزويد القوات الأميركية قبل عشرة ايام من شن الهجوم الأمريكي على العراق بـ 25 منظارا عسكريا يعمل بأشعة الليزر ، وتعتبر تلك المناظير من العتاد العسكري الحديث جدا والذي بامكانه تحديد الهدف من على بعد 10 كيلومترات.كما انها تعطي إشارة غير مرئية عنه لتسهيل مهمة الطيار في إطلاق الصواريخ المثبتة بدقة متناهية. و من المفيد هنا التذكير بان مثل تلك المناظير استخدمت في توجيه القنابل التي قضت على عائلة الدكتور ايمن الظواهري في افغانستان.

وكشفت وثيقة حصلت عليها القناة الرسمية النرويجية الأولى (انيركو ) من وزارة الد فاع ان الاوامر اعطيت في وقت مبكر من شهر فبراير ( شباط) 2003 بتحضير تلك النوعية من العتاد وإرسالها من معسكر الجيش النرويجي في ستامسوند الى مخازن حلف الناتو في منطقة دال بمقاطعة اكرش هوس. حيث تم فيما بعد نقلها جوا الى القوات الأمريكرية المتمركزة في قاعدة الدوحة في الكويت. ونقلت وسائل الاعلام عن مصادر موثوقة أنه تم استخدام تلك المعدات في الحرب واعتبر الدليل على ذلك وجود آثار إصابات بشظايا وخدوش على احسام المناظير التي أعيدت الصيف الماضي.

هذا وأبدى وزير الخارجية النرويجي (يمين) يان بترسون دهشته من إثارة هذه القضية لأن هذه سياسة متبعة والبرلمان نفسه على علم بها. ودافع عن موقفه قائلا إن النرويج مطالبة بالاستجابة لمطالب حلفائها القاضية باعارة أسلحة أو أجهزة تقنية عسكرية. واعتبر أنه لا يوجد تناقض بين الاعارة والقول بعدم شرعية الحرب. كما ان الحكومة بررت القضية بانها مجرد إعارة معدات ولم تكن مشاركة بالحرب من وراء ظهر الشعب. لكن قادة الاحزاب المعارضة اكدوا ان البرلمان لا علم له بالقضية.

أما قائد الجيش النرويجي سيغورد فريسفولد فاستبعد أن يكون برلمان بلاده أعطى موافقة على صفقة إعارة القوات الامريكية معدات عسكرية قبل بدء غزو العراق. وقد جاء تصريحه بعد ان نشرت أحدى اكبر واهم الصحف النرويجية "أفتن بوستن" نص رسالة أرسلت بواسطة البريد الالكتروني من احد المراكز التابعة لوزارة الدفاع موجهة لقسم الصيانة التقنية في "رومريكي" تقول ان المعدات العسكرية في حالة جيدة. وأن البرلمان (النرويجي) قرر يوم الخميس 6 مارس 2003 انه يمكن اعارة هذه المواد الى الخارج"..وبعد الرسالة بثلاثة ايام هبطت طائرات هيركوليس في مطار اوسلو ثم اقلعت باتجاه الكويت.

وقال الباحث في مركز السياسات الخارجية النرويجي "ستولي انركسن" أن هذه القضية تؤكد صعوبة قيام القيادة السياسية النرويجية بقول لا للطرف الامريكي. وأضاف ان هذه القضية تعري السياسة الأمنية والدفاعية النرويجية. وأضاف انه بينما نحن من جهة نقول اننا ضد الحرب وننتظر قرار الأمم المتحدة بهذا الخصوص، ولكن عندما يجيء اتصال من الولايات المتحدة الامريكية ننسى كل شيء، فالنرويج كبلد صغير لا يمكنها رفض المطالب الأمريكية، وقد تعودت الولايات المتحدة على فرض مطالبها على حلفائها. أما الذي يرفض فيتم تهميشه أمريكيا.

اما كرسيتن هالفورسن زعيمة حزب اليسار الاشتراكي فقد قالت انه أمام الحكومة الكثير مما يجب ان تقوله وتوضحه في هذه القضية. وأكدت ان البرلمان النرويجي لم يكن يعلم ولم يتم أخباره بإعارة المعدات العسكرية. وياتي كلام هالفرسن ليذكر بالموقف النرويجي الرسمي الذي كان رئيس الوزراء بوندفيك اعلنه امام البرلمان النرويجي قبل بدأ الحرب وقال حرفيا:

" نتعهد بعدم المشاركة في هذه الحرب بأي شكل من الأشكال". وأكدت بنفس الوقت حينها الخارجية النرويجية بان الحرب تخالف القانون الدولي وانها غير شرعية. وطالبت هالفرسين رئيس الوزراء بتوضيح الأمر للشعب النرويجي الذي اعلن رفضه للحرب.

أما رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان النرويجي تور بيورن ياجلند ( حزب العمال – يسار) فقد ابدى حذره عندما أجاب وقال أن هناك قواعد لمثل هذه العلاقات بين الحلفاء. في حين أبدى مسؤولون من حزب التقدم (حليف أمريكا في الحرب) دهشتهم من المواقف المتناقضة للحكومة في سياستها.

وأعرب ممثل حزب التقدم -المساند لسياسة الولايات المتحدة- في لجنة الدفاع بالبرلمان عن دهشته لتناقض الحكومة في سياستها، مفيدا بأن مثل هذه الإجراءات لا بد أن تخضع قبل البت فيها لحوار سياسي.

وكانت محطة (انركو) التلفزيون الرسمي النرويجي ذكرت ان كلا من حزب العمال وحزب التقدم المسيحي كانا على علم بتلك الصفقة. لكن مصادر الحزبان رفضت تلك الأخبار وأكدت عدم علمها بالصفقة.

هذه القضية لن تمر مرور الكرام في النرويج ولا بد ان يكون لها انعكاسات كبيرة وخطيرة ومؤثرة على الحكومة وكل من سيثبت ضلوعه بها. لأن الباب الذي فتحته الحكومة النرويجية على نفسها لا يمكن رده أو اغلاقه بسهولة. حيث ان الحكومة كانت أعلنت موقفا رسميا رافضا للحرب، بينما في السر قامت بالمشاركة فيها وتزويد الغزاة بالعتاد وأكثر من ذلك باعتهم أسلحة بما قيمته 770 مليون كرونة نرويجية. وبحسب الصحيفة النرويجية الأكثر انتشارا في النرويج (أفتن بوسطن) فأن هذه المشاركة تضع النرويج جنبا الى جنب مع الأمريكان في قائمة الدول التي قد تكون هدفا لأعمال الجماعات الإسلامية الراديكالية التي تعتبر ان الحرب على العراق حملة صليبية.

اذا ما فكرنا قليلا بهذه القضية فانه يتوجب علينا ادراك مسألة هامة وهي ان الحكومة النرويجية قالت شيء وفعلت نقيضه، وانها تحالفت مع امريكا في الحرب بشكل سري ومن وراء ظهر الشعب النرويجي الرافض لتلك الحرب. وان المواطن والمصالح النرويجية أصبحت فعلا في خطر. وهذا ما تطرق إليه الباحثون والمحللون في النرويج. والأيام القادمة ستكشف حقيقة الأمر بشكل أكثر وضوحا.

التعليقات