مجلس الأمن يتبنى قراراً يطالب سورية بالتعاون مع لجنة ميليس مع إمكانية اتخاذ إجراءات لم يحددها!

الشرع:"النقد الأساسي الذي وجهته سورية إلى التقرير أنه انطلق من افتراض أن سورية متهمة بارتكاب الجريمة بدل أن يفترض البراءة ويبحث عن القرائن والأدلة التي تقوده إلى الفاعل الحقيقي"

مجلس الأمن يتبنى قراراً يطالب سورية بالتعاون مع لجنة ميليس مع إمكانية اتخاذ إجراءات لم يحددها!
إعتمد مجلس الأمن الدولي اليوم، الاثنين، قرارا يطالب سورية بالتعاون مع لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة التي تحقق في حادث اغتيال رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري والا تعرضت لاجراءات اخرى في المستقبل.

واعتمد القرار باجماع اعضاء مجلس الامن الخمسة عشر بعد ان وافقت الولايات المتحدة وفرنسا اللتان صاغتاه على حذف اشارة محددة الى العقوبات الاقتصادية. وصوت أعضاء مجلس الأمن الـ15 على مشروع القرار في جلسة انطلقت بعد تأخر دام نحو ساعة بسبب تواصل المشاورات بين الأطراف للتوصل للإجماع حول القرار

وتضمن القرار بدلا من الإشارة المحددة إلى العقوبات الإقتصادية الاشارة الى ان المجلس سيبحث في إحتمال إتخاذ إجراء آخر لم يحدده اذا لم تمتثل سورية لاحكامه.

وكان قد بدأ مجلس الأمن الدولي جلسة على المستوى الوزاري للتصويت على مشروع قرار يهدد بفرض عقوبات على سورية في حال ما أسمي "عدم تعاونها مع لجنة التحقيق الدولية".

وقد تأخر انطلاق الجلسة بسبب تواصل المشاورات بين مختلف الأطراف من أجل التوافق حول التصويت على مشروع القرار الذي قدمته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لمجلس الأمن، والذي أثار انقسامات في صفوف أعضاء المجلس الـ15.

وجاء أن وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عرضوا التخلي عن التهديد الضمني بفرض عقوبات اقتصادية على سوريا، لضمان حصول إجماع على مشروع القرار المطروح. ويشارك في الجلسة وزير الخارجية السوري فاروق الشرع.

وقبل ساعات من اجتماع المجلس بدا ان مجلس الأمن بين اتخاذ موقف متشدد من سورية وفقا لصيغة ‏المشروع الاميركي - الفرنسي - البريطاني الذي قد يواجه بفيتو من روسيا او الصين او الاثنين ‏معا، واما قرار معدّل قد يحظى بأكثرية تسعة أصوات على الأقل من دون أي فيتو.

ومما يذكر ان المشروع الاميركي - الفرنسي - البريطاني المقترح ينص على تهديد بفرض عقوبات ‏اقتصادية او ديبلوماسية على سورية، بذريعة حملها على التعاون مع لجنة التحقيق الدولية، وكذلك ‏اجراءات لاجبار المشتبه بهم على المثول امام محكمة دولية.‏

واذا كان قرار الرئيس السوري بشار الاسد بتشكيل لجنة قضائية خاصة تتولى مباشرة اجراء ‏التحقيق بجريمة اغتيال الرئيس الحريري قد احرج الاميركيين والفرنسيين بحسب مصادر سياسية، فإن تقارير ديبلوماسية اشارت ‏الى ان الروس والصينيين لن يوافقوا على فرض عقوبات على سورية، وهو ما عبر عنه بشكل غير ‏مباشر نائب وزير الخارجية الروسي عندما دعا الى عدم التسرع بإجراء استنتاجات سياسية ‏بناء على التقرير الذي قدمه ميليس.‏

وكانت اروقة الامم المتحدة شهدت في الساعات الماضية مشاورات مكثفة خاصة مع محور موسكو ‏وبكين للتوافق على صيغة قرار مقبولة وذلك بموازاة اعراب المندوب الاميركي في الامم المتحدة ‏جون بولتون عن اطمئنان بلاده بالحصول على اكثرية تسعة اصوات لتمرير مشروع القرار.‏

وقال الناطق الرسمي باسم الخارجية الروسية انه لا يجوز التسرع بإجراء استنتاجات سياسية ‏بناء على التقرير الذي قدمه ميليس الاسبوع الماضي الى مجلس الامن الدولي لأن هكذا ‏استنتاجات متسرعة مع التوظيفات من شأنها زيادة حدة التوتر في الشرق الاوسط المتوتر اصلا. ‏اضاف انه يجب انتظار النتائج النهائية لهذا التحقيق التي يجب ان تكون كلمة الفصل فيها ‏للسلطات القضائية والامنية اللبنانية.‏




بداية أود أن أشكركم على إتاحة الفرصة لي كي أضع مجلسكم بصورة موقف سورية إزاء الموضوع المطروح أمامكم اليوم. واسمحوا لي أيضاً أن أرحب بوجود السيد كوفي أنان، الأمين العام للأمم المتحدة بيننا، كما يسعدني رؤية بعض الزملاء الأصدقاء حول هذه الطاولة.

لقد نصحنا بعض الأصدقاء من داخل المجلس ومن خارجه ألا نعود اليوم إلى تفنيد التقرير الثاني للجنة التحقيق. ونحن لن نحتاج إلى هذا لأن القرار الذي صوتم عليه تضمن عدداً من الفقرات على وجه التحديد جاءت تكراراً لمقاطع في التقرير توجه الاتهام إلى سورية بارتكاب جريمة اغتيال المرحوم رفيق الحريري من جهة، وبعدم التعاون التام مع اللجنة من جهة أخرى. إن النقد الأساسي الذي وجهته سورية إلى تقرير اللجنة هو أنه انطلق من افتراض أن سورية متهمة بارتكاب هذه الجريمة بدل أن ينطلق من افتراض البراءة، ويقوم بالبحث عن القرائن والأدلة التي تقوده إلى الفاعل الحقيقي.

فقد جاء في الفقرة الـ/17/ من ديباجة القرار: " وإذ يحيط علماً بالاستنتاج الذي توصلت إليه اللجنة بأنه في ضوء تغلغل أجهزة الاستخبارات السورية واللبنانية... في المؤسسات اللبنانية والمجتمع اللبناني، يصعب تخيل سيناريو تنفذ بموجبه مؤامرة اغتيال على هذه الدرجة من التعقيد دون علمهما، وأن ثمة سبباً مرجحاً للاعتقاد بأن قرار اغتيال الحريري ما كان يمكن له أن يتخذ دون موافقة مسؤولين أمنيين سوريين رفيعي المستوى". وفي الفقرة العاملة الثانية ينص القرار: "يحيط (المجلس) علماً مع بالغ القلق بالاستنتاج الذي خلصت إليه اللجنة بأن هناك التقاء في الأدلة يشير إلى ضلوع مسؤولين لبنانيين على السواء في هذا العمل الإرهابي، وأنه من الصعب تخيل سيناريو تنفذ بموجبه مؤامرة اغتيال على هذه الدرجة من التعقيد دون علمهم..." إن استعمال عبارات من نوع "تخيل سيناريو..." و "سبباً مرجحاً للاعتقاد..." وغيرها يشكك في جدية عمل لجنة التحقيق ويحمل على الاعتقاد بأن اللجنة انطلقت من أفكار مسبقة قادتها إلى اتهام سورية بناءً على استنتاج من واقع قائم لا يعني مجرد قيامه أنه دليل على ارتكاب جرم. والغريب أن مجلسكم الموقر قد أيد اللجنة فيما ذهبت إليه.

ولو أن تواجد قوات عسكرية وأجهزة أمنية في بلد ما يعني أن أي حادث جرمي أو إرهابي يقع في هذه البلد ما كان يمكن أن يقع دون علم أو موافقة هذه القوات وهذه الأجهزة، لكان يجب اتهام الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة الأمريكية بعلمها في التفجيرات الإرهابية التي ارتكبت في 11/9/2001، واتهام الأجهزة الأمنية الاسبانية بعلمها بتفجير القطارات في مدريد بتاريخ 11/3/2004، واتهام الأجهزة الأمنية البريطانية أيضاً بعلمها بتفجيرات مترو الأنفاق في لندن بتاريخ 7/7/2005، علماً بأن هذه الأجهزة كانت تتوقع حصول هذه التفجيرات وأجرت تدريبات مسبقة للتصدي لها. إن توجيه اتهامات بناءً على فرضيات من النوع الذي اعتمده قراركم لا يقبله المنطق، لأنه يعني أن أجهزة الأمن في جميع بلدان العالم التي شهدت حوادث إرهابية وأمنية قد تكون متورطة في هذه الجرائم. وإن أول من سيكون سعيداً بمثل هذه الاستنتاجات هم الإرهابيون أنفسهم.

لقد أخذ قراركم بفرضية اتهام سورية وأهمل، لأسباب نجهلها، التوقف عند فرضية أخرى أوردها تقرير اللجنة في الفقرة 123 منه وهي "إمكانية قيام طرف ثالث بإجراءات الرصد والمتابعة ضد السيد الحريري لأكثر من شهر قبل التفجير، ويمتلك هذا الطرف الموارد والقدرة اللازمة للتفكير والتخطيط وتنفيذ جريمة بهذا الحجم من دون دراية السلطات اللبنانية المختصة".

السيد الرئيس،
إن أخطر ما وجه إلى سورية من اتهام بني عليه قراركم المتخذ اليوم هو ادعاء اللجنة أن سورية لم تتعاون معها سوى بالشكل وليس بالمضمون. والمؤسف أن القرار يتبنى ما جاء في تقرير اللجنة حرفياً في هذا الشأن – فقد نصت الفقرة الثامنة عشرة من مقدمة القرار على ما يلي: "وإذ يضع (المجلس) باعتباره ما خلصت إليه اللجنة من أنه بينما تعاونت السلطات السورية بدرجة محدودة مع اللجنة، بعد أن كانت قد ترددت في البدء، فإن عدة مسؤولين سوريين حاولوا تضليل التحقيق بإعطاء بيانات مغلوطة أو غير دقيقة".

وفي الفقرة العاملة الخامسة ينص القرار على ما يلي:".... إن السلطات السورية بينما تعاونت مع اللجنة من حيث الشكل وليس من حيث المضمون، فإن عدة مسؤولين سوريين حاولوا تضليل اللجنة عن طريق إعطاء معلومات مغلوطة وغير دقيقة". وتستغرب سورية هذا الاتهام بعدم التعاون الذي وجهته اللجنة اليها, ثم تبناه مجلسكم في قراره اليوم. لقد كان هاجس وزارة الخارجية السورية بعد زيارة السيد ميليس لها أن تتيح للجنة أفضل الشروط لتقوم بعملها على أحسن وجه في الشكل والمضمون. وتقدمت في هذا الشأن بكامل حسن النية غير أنه يبدو أن هناك في اللجنة من كان يتصرف بعيداً عن حسن النية.

لقد كان بوسع اللجنة أن تضع شروط الاستماع لمن أرادت الاستماع إليهم من الأشخاص السوريين بحرية وأن ترفض أي طلب وجهته السلطات السورية إليها. ويبدو الآن أن النية كان مبيتة لتوجيه اصبع الاتهام إلى سورية بعدم التعاون تمهيداً لصدور مثل هذا القرار اليوم في إطار الفصل السابع من الميثاق. ومن الواضح لكل من تابع هذا الموضوع في حينه أن تعاون سورية كان كاملاً. فمن حيث الشكل كان ممكناً للجنة أن تستوفي جميع جوانبه دون اعتراض من قبل سورية. أما من حيث المضمون فعلى اللجنة أن تقيم الدليل على صدق ما يقوله من تستمع إليه خصوصاً وأن التحقيق لايزال قائماً ولم ينته بعد حسب ما جاء في تقرير اللجنة. وإننا على استعداد لإطلاعكم في جلسة مغلقة على تفاصيل تؤكد تعاون سورية الكامل مع اللجنة حتى اليوم.

السيد الرئيس،
لا يملك الإنسان إلا أن يبدي استغرابه إزاء تبني المجلس هذا القرار تحت الفصل السابع من الميثاق، في حين أنه لم يتعامل بالشكل المناسب في حالات مماثلة ومؤلمة أخرى. ففي حالة مجزرة قانا التي ذهب ضحيتها أكثر من مائة مدني لبناني في نيسان 1996 لم يقرر المجلس آنذاك تشكيل لجنة تحقيق دولية لأن إسرائيل كانت الطرف المتهم. واكتفى المجلس بإصدار بيان رئاسي فقط في حادث الإنفجار المروع الذي أودى بحياة ممثل الأمم المتحدة في العراق سيرجيو دي ميلو وأكثر من 20 من رفاقه في آب 2003. أما عندما اعتدت إسرائيل في نيسان 2002 على مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة وذهب ضحيته أكثر من أربعمائة فلسطيني منهم عشرات الأطفال، فقد رفضت إسرائيل استقبال اللجنة التي شكلها مجلس الأمن برئاسة الرئيس الفنلندي مارتي اهتيساري، وأغلق الموضوع بصمت وهدوء .

السيد الرئيس،
مع كل ذلك، فإن سورية وانطلاقاً من حرصها على كشف الحقيقة فإن قرارها كان ومازال التعاون التام مع اللجنة الدولية حتى إقامة الدليل القاطع على من ارتكب الجريمة المدانة.

وفي هذا المجال فقد أصدر السيد الرئيس بشار الأسد، رئيس الجمهورية العربية السورية مرسوماً تشريعياً برقم 96 تاريخ 29/10/2005، تم بموجبه تشكيل لجنة قضائية خاصة برئاسة النائب العام للجمهورية وعضوية النائب العام العسكري وقاضي يسميه وزير العدل، مهمتها مباشرة إجراء التحقيق مع الأشخاص السوريين من مدنيين وعسكريين في كل ما يتصل بمهمة لجنة التحقيق الدولية المستقلة المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1595.

ونص المرسوم التشريعي على أن تتعاون اللجنة القضائية المشكلة مع لجنة التحقيق الدولية، ومع السلطات القضائية اللبنانية في كل ما يتصل في إجراءات التحقيق، وأنه يمكن للجنة أن تستعين في تنفيذ مهامها بمن تراه من قضاة مدنيين وعسكريين أو من أفراد الضابطتين العدليتين المدنية والعسكرية. ونحن على ثقة بأن التعاون بين هذه الجهات الثلاث والتنسيق الوثيق بينها سيساعد على كشف الحقيقة بعيداً عن التسييس أو أية مآرب أخرى.

وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى أن قيام اللجنة القضائية الخاصة التي أشرت إليها بمهمتها، يستلزم تعاوناً مع كل من اللجنة الدولية والسلطات القضائية اللبنانية. ولا يخفى عليكم أن هذا التعاون لم يكن متاحاً في أعقاب وقوع الجريمة مباشرة بسبب التوتر غير المسبوق على الساحة اللبنانية والذي تصاعد بسرعة مذهلة وترافق مع توجيه اتهامات إنفعالية إلى سورية جعلت من الصعب إن لم يكن من المستحيل الإسهام بأي تحقيق تكون سورية طرفاً فيه.

السيد الرئيس،
أود أن أعبر عن تقدير سورية لكل الجهود التي بذلتها بعض الدول الأعضاء في المجلس لتغليب الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين عند مناقشة مشروع القرار، وتغليبها للمبادئ على الضغوط وسياسات تشويه الحقائق واستهداف استقلال الدول وحريتها ولا يستطيع أحد إلا أن يعتبر أن تضمين قرار مجلس الأمن الذي اعتمد قبل قليل فقرتين لا تمتان بصلة إلى مهمة لجنة التحقيق الدولية، وتتعرضان إلى مسائل إقليمية هو مؤشر واضح إلى أن هدف من سعى لتقديم هذا القرار لم يكن الكشف عن حقيقة جريمة اغتيال الراحل الحريري، وإنما استهداف سورية ومواقفها إزاء مسائل تمس حاضر ومستقبل المنطقة. أخيراً اسمحوا لي أن أعبر عن تطلع سورية وشعبها إلى اليوم الذي يعم فيه الأمن والسلام والاستقرار ربوع الشرق الأوسط، وخصوصاً في كل من سورية ولبنان.
وشكراً،،،

التعليقات