موجة جفاف تشهدها أفريقيا هي الأسوأ منذ عقود

تشهد القارة الأفريقية، في الأشهر الأخيرة، موجة جفاف تعتبر الأسوأ منذ عقود، وتهدّد بانتشار المجاعات في بلدانها وحرمان الملايين من سكّانها من احتياجاتهم الأساسية من الغذاء، بحسب توقعات أممية.

موجة جفاف تشهدها أفريقيا هي الأسوأ منذ عقود

تشهد القارة الأفريقية، في الأشهر الأخيرة، موجة جفاف تعتبر "الأسوأ" منذ عقود، وتهدّد بانتشار المجاعات في بلدانها وحرمان الملايين من سكّانها من احتياجاتهم الأساسية من الغذاء، بحسب توقعات أممية.

ويعتبر هذا الجفاف، الناجم بالأساس عن ظاهرة "إلنينو" المناخية؛ ظاهرة عالمية يؤثّر من خلالها تغيّر الحرارة في إحدى المحيطات على المناخ في منطقة أخرى بعيدة، "الأسوأ" منذ عشرات السنين، بحسب مختصّين، ممّن أشاروا إلى أنّ هذه الموجة تهمّ منطقة القرن الإفريقي بشكل خاصّ إضافة إلى بلدان إفريقيا الجنوبية مثل مدغشقر.

الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، دقّ، نهاية الأسبوع الماضي، خلال القمّة 26 للاتّحاد الإفريقي، المنعقدة بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، ناقوس الخطر بسبب موجة الجفاف التي تعصف بأثيوبيا، والتي اعتبرها "الأسوأ، منذ 30 عاما"، مشيرا إلى أن "دعما عاجلا" بات ضروريا.

معطيات تشي بتعقّد الوضع، سيّما في ضوء الصعوبات التي تعيق إيصال المساعدات للمتضررين ممّن هلكت محاصيلهم جرّاء الجفاف، في بلد يعتمد اقتصاده بشكل كبير على الزراعة. وبحسب توقعات الأمم المتحدة، فإنّ أكثر من 10 مليون شخص في أثيوبيا، بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، والرقم مرشّح لأن "يتضاعف في الأشهر القليلة القادمة" في هذا الذي يعتبر من أكثر دول القارة السمراء سكّانا، بحسب المصدر نفسه.

وغير بعيد عن أثيوبيا، وتحديدا في إريتريا المجاورة، والتي سجّلت هي الأخرى "عجزا على مستوى المحاصيل"، جرّاء موجة الجفاف التي تضرب البلاد. نقص قالت وزارة الإعلام الإريترية نقلا عن الرئيس، إيساياس أفوركي، إنّ "البلاد لن تقع فريسة للأزمة، رغم تراجع الإنتاج الزراعي"، نظرا لتحقيقها الاكتفاء الذاتي.

وأدّت موجة الجفاف، وبشكل ملحوظ، إلى ارتفاع عدد الأشخاص المتضررين من المجاعات، في شرق إفريقيا وجنوبها، حيث يواجه 14 مليون شخص المجاعة، بحسب الأمم المتّحدة.

وأشار برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، مؤخرا، إلى أنّ "الآفاق تبدو مثيرة للقلق، مع ندرة أو انعدام نزول الأمطار في العديد من المناطق، وذلك خلال الفترة المخصّصة لزراعة الحبوب، والتي تشارف على الانتهاء أو انتهت بالفعل في بعض البلدان". وضعية استشرافية مثيرة للقلق، حيث أعرب ألان غاشيه، الخبير الدولي في المياه الجوفية لدى العديد من المنظمات الدولية، في تصريح للأناضول، عن أسفه الشديد، قائلا: "توقعت وكالة الناسا، منذ أكثر من 3 أشهر، موجة الجفاف هذه، والتي ستؤدي حتما إلى ظهور مجاعات، وقد أعلمت السلطات المعنية بذلك، غير أنّ السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المجال هو: هل كان بإمكان المسؤولين تجنب ذلك؟ للأسف، الجواب: لا".

وفي دولة جنوب إفريقيا التي عرفت "أسوأ موجة جفاف منذ قرن"، وفق السلطات المحلية، انتظمت، بالعاصمة جوهانسبورغ، تظاهرة لجمع قوارير المياه، لمساعدة الفلاحين الذين يواجهون صعوبات.

والوضع نفسه تقريبا تشهده كلّ من مالاوي وزمبابوي، بعد أن تخطت درجات الحرارة معدلاتها الطبيعية، بحسب تقارير للصحافة المحلية والدولية، حيث أوضح موقع "لو بوان" الفرنسي أنّ "الذرة بلغت في زمبابوي أدنى مستويات نموّها خلال الموسم الحالي ارتفاع لها، في هذا الموسم، في حين كان طولها يصل، في السابق وخلال كانون الثاني/يناير من كلّ عام، إلى المترين. والمشكلة نفسها تواجهها بقيّة المزروعات، من ذلك الخضروات، والتي لم يعد بالإمكان زراعتها"، لأنها تحتاج الكثير من المياه.

مدغشقر سقطت هي الأخرى، ومنذ أشهر، فريسة لآفة الجفاف، حيث ضربت المجاعة 3 مناطق واقعة في الجنوب (أندروي وأنوزي وأتسيمو وأندريفانا)، لتعرّض حياة 380 ألف شخص ممّن يقتاتون من الزراعة للخطر، وهو ما دفع المنظمات الدولية، وخصوصا الأممية منها، للتدخّل بهدف إنقاذ سكان الجنوب، والذين يعتمد 80 في المئة منهم على قطاع الزراعة، من المجاعة.

وأمام حجم المأساة، أطلقت وزارة التربية، منذ 10 أيام، في مدغشقر برنامجا تلفزيونيا لجمع التبرعات، لدعم المطاعم المدرسية للطلاّب المتضررين، بهدف خلق توازن وتعديل الكفة، وفقا للبيانات المنشورة على الموقع الإلكتروني لمنصة الطلبة الملغاش.

وفي تعقيب عن الموضوع، قال غاشيه، وهو أيضا رئيس شركة "رادار التكنولوجيات الدولية"، الفرنسية والمتخصصة في استكشاف المياه الجوفية، إن مدغشقر تمتلك إمكانيات طبيعية هائلة لتواجه مشكلة الجفاف، غير أنه "ينبغي على السلطات التدخل وإعداد برنامج ناجع".

وتحدث ظاهرة "إلنينو" المناخية كل 5 إلى 7 أعوام، حيث يؤثر تغير الحرارة في المحيطات على الجو بأماكن أخرى، ما يؤدي إلى هطول أمطار غزيرة في بعض المناطق من العالم، مقابل موجة من الجفاف بمناطق أخرى.

وفي هذا الصدد، أوضح الشاكر محمد نانون، الخبير التشادي في الأرصاد الجوية بمطار نجامينا الدولي، في تصريح للأناضول، أن هذه الظاهرة، وإن كانت "تشمل، أساسا، بحسب خبراء الأرصاد، 3 أشهر من العام (نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني)، ونطلق عليها اسم أشهر "حزام الطقس"، إلا أن تأثيراتها قد تمتد لفترة أطول.

وبحسب الخبير التشادي، فإنّ هذا الوضع الخطير الذي تسببت فيه ظاهرة "إلنينو"، سيزداد تعقيدا، جراء التغيرات المناخية التي أسهم فيها الإنسان بشكل كبير، مضيفا أنّ "الجفاف في شرق إفريقيا، كما هو الحال في بقية القارة، وظاهرة "إلنينو" الطبيعية وتأثيراتها المناخية على الأرض، وأيضا مشكلة الانجراف وعدم استقرار درجات الحرارة، هي ظواهر ذات خطورة بالغة، غير أنه لا يجب استثناء الفعل البشري، من ذلك اجتثاث أشجار الغابات وارتفاع الكثافة السكانية، والتي أصبحت، في الوقت الراهن، سببا جديا في التلوث البيئي".

البنك الدولي كشف، من جهته، في تقرير نشر في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أن أكثر من 100 مليون شخص قد ينحدرون نحو الفقر المدقع، معظمهم في إفريقيا، في حدود عام 2030، وذلك، في صورة عدم التقليل من غازات الاحتباس الحراري، مشيرا إلى أن "ضعف المحاصيل الزراعية، جراء انخفاض معدلات الأمطار"، يعتبر السبب الرئيسي، في ذلك، والقارة الإفريقية هي الأكثر تضررا.

وبعيدا عن ظاهرة "إلنينو"، أعلنت وكالة أمريكية متخصصة، في كانون الثاني/يناير الماضي، أن عام 2015، شهد تسجيل أعلى درجات الحرارة على مدى التاريخ، حيث تعيش السنغال، منذ أسابيع، موجة حرارة لم تعرفها البلاد "أبدا، منذ بداية استبيان حالة الطقس، عام 1948. 

التعليقات