حرب النفوذ بين القاعدة وداعش

وجد تنظيم القاعدة نفسه خلال الأعوام الخمسة التي مضت منذ قتل أسامة بن لادن، مضطرا للتأقلم مع غياب زعيمه وصعود نجم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي بات يتصدر التهديد الجهادي في العالم.

حرب النفوذ بين القاعدة وداعش

وجد تنظيم القاعدة نفسه خلال الأعوام الخمسة التي مضت منذ قتل أسامة بن لادن، مضطرا للتأقلم مع غياب زعيمه وصعود نجم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي بات يتصدر التهديد الجهادي في العالم.

وفي حين اقتصر نشاط 'القاعدة' خلال الأعوام الماضية على هجمات دولية محدودة وتعزيز نفوذه في بعض أرجاء اليمن وسورية، حقق غريمه مكاسب ميدانية واسعة وتبنى هجمات دامية في دول عدة. إلا أن المحللين يرون أن القاعدة يخطط على المدى البعيد، وقد يتفوق في نهاية المطاف في ظل الحملة الدولية الواسعة ضد تنظيم 'داعش'.

وشكلت هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن المحطة الأبرز في مسار القاعدة، إلا أن التنظيم بدأ بالتراجع بعد قتل بن لادن على يد قوات أميركية خاصة في باكستان في الثاني من أيار/ مايو 2011.

ويزداد أفول نجم التنظيم مع الصعود التدريجي الثابت لتنظيم 'داعش'، الذي أقام 'الخلافة' في مناطق سيطرته بسورية والعراق في حزيران/ يونيو 2014، ونصب زعيمه أبو بكر البغدادي 'أميرا للؤمنين'.

ويقول الخبير الفرنسي في الإسلام المعاصر، جان بيار فيليو، إن 'بروباغندا القاعدة باتت غير ظاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي في مواجهة الآلة الدعائية التي انشأها داعش بنجاح'.

واعتمد 'داعش' بشكل كبير على نشر صور وأشرطة من خلال حسابات مؤيدين له على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر الإعدامات المروعة التي نفذها بحق المناهضين، وهجماته العسكرية. ويرى الخبراء أن هذه الدعاية هدفها بث الرعب واستقطاب عناصر.

يضيف فيليو 'القاعدة خسرت في كل مكان بمواجهة داعش، باستثناء منطقة الساحل (جنوب الصحراء الإفريقية)'، معتبرا أن هذا التراجع 'مرتبط برغبة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في ركوب موجة الاحتجاجات في العالم العربي'، في حين أن البغدادي 'وقف ضدها'.

وعلى رغم أن البغدادي تزعم الفرع العراقي لتنظيم القاعدة ('دولة العراق الإسلامية')، إلا أن الخلاف بين الطرفين بدأ منذ سعيه لدمج هذا الفرع مع الفرع السوري ('جبهة النصرة') قبل أعوام. لكن زعيم النصرة، أبو محمد الجولاني رفض هذا الدمج، وأعلن مبايعته للظواهري مباشرة. وشكلت سورية مساحة مواجهة ميدانية مباشرة بين التنظيمين.

ويقول الباحث في معهد بروكينغز، وليام ماكانتس، إن عناصر جبهة النصرة تراجعوا في سورية في مواجهة 'داعش'، إلا أنهم تمكنوا من تعويض 'خسائر مكلفة' تكبدوها سابقا.

وفي اليمن، أفاد التنظيمان من النزاع بين الحكومة والحوثيين لتعزيز نفوذهما. إلا أن الفرع اليمني للقاعدة ('قاعدة الجهاد في جزيرة العرب')، المتجذر منذ أعوام، لا يزال يحظى باليد الطولى. ويقول ماكانتس إن عناصر القاعدة في اليمن يقدرون بالآلاف، ويسيطرون 'على مساحات واسعة'، رغم تراجعهم بعض الشيء مؤخرا.

أما عدد عناصر 'داعش' فيقدّر بالمئات فقط، وهم 'لا يسيطرون على الكثير من الأراضي' في اليمن، بحسب الباحث نفسه.

 في الميدان وخارجه

وتعد الولايات المتحدة فرع القاعدة في اليمن أقوى أذرعته في العالم. وفي كانون الثاني/ يناير 2015، تبنى هذا الفرع الهجوم على صحيفة 'شارلي إيبدو' الساخرة في باريس، ما أدى إلى مقتل 12 شخصا.

ورأى محللون في حينه أن الهجوم محاولة من القاعدة لاستعادة مكانتها في ظل تنامي تنظيم 'داعش'. ويرى ماكانتس أن تنظيم القاعدة يعتمد حاليا استراتيجية تزاوج بين المعارك الميدانية في مناطق نفوذه، والهجمات في دول أجنبية.

ويوضح أن التنظيم 'يتبع تعليمات الظواهري بالسيطرة على مناطق في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولكن أيضا استهداف الغرب'.

وخلال الاشهر الماضية، تبنى تنظيم 'القاعدة في المغرب الإسلامي' هجمات في دول أفريقية مثل مالي وبوركينا فاسو وساحل العاجل، أدت إلى مقتل العشرات، واستهدفت فنادق ومطاعم ومنتجعات سياحية.

واعتبرت مجموعة 'صوفان' للأبحاث في تقرير أصدرته في آذار/ مارس، أن القاعدة وجدت في غرب أفريقيا 'منطقة من العالم يمكنها فيها التفوق على النفوذ المنافس لتنظيم داعش'.

ورأت أن الهجمات الأخيرة تتيح لعناصر القاعدة 'كسب الدعاية التي تساعده في الحفاظ على تأثيره في مناطق أخرى، أكان في شمال أفريقيا (...) أو شرقها'، خوفا من فقدان المبادرة لصالح تنظيم 'داعش'.

وتشير 'مجموعة الأزمات الدولية' في تقرير حديث لها أن تنظيم القاعدة حاول اتباع نسق مختلف عن تنظيم 'داعش' في التعامل مع المجتمعات التي يتواجد فيها، وأولى عناية لـ 'الحساسيات المحلية'.

وعلى سبيل المثال، أدان تنظيم القاعدة في اليمن تفجيرات نفذها 'داعش'، استهدفت مساجد للشيعة في 2015. وفي سورية، قاتلت جبهة النصرة جنبا إلى جنب مع فصائل مسلحة ضد النظام وضد 'داعش' غير جبهة.

وعلى رغم أن الولايات المتحدة تقود منذ صيف العام 2014 تحالفا دوليا ضد تنظيم 'داعش' يستهدف مناطق تواجده في سورية والعراق، إلا أنها لم توقف ضرباتها المتواصلة منذ أعوام بطائرات من دون طيار ضد تنظيم القاعدة في اليمن. كما تعرض التنظيم لضربات جوية من التحالف الذي تقوده واشنطن في سورية، وإن بدرجة أقل.

في ظل هذه العوامل، يبدو أن تنظيم القاعدة يراهن على ميل النزاعات التي تشهدها دول يتواجد فيها، لصالحه. ويقول ألان رودييه، وهو ضابط سابق في الاستخبارات الفرنسية، إن تنظيم القاعدة 'يراهن على تدهور تدريجي في أوضاع الدول الإسلامية، ما سيحمل إلى السلطة قادة مقتنعين بطروحاته'.

اقرأ/ي أيضًا | الالتحاق بـ'داعش' يتزايد لكن القادة يبقون موالين للقاعدة

يضيف في حديث لمجلة 'أتلانتيكو' الفرنسية هذا الشهر، 'هذا النمط من الجهاد مخطط ليمتد عشرات السنين'، بينما أسلوب تنظيم الدولة الإسلامية وزعيمه أبو بكر البغدادي يجعله يبدو 'وكأنه على عجلة من أمره'.

التعليقات